على خُطى التلميذ صاحب الجَمَلِ يمضى بعض مثقفينا، ولو وضع الجمل رحله فإنى أشكُّ أن يضعوا رحالهم ليُريحوا ويستريحوا. والتلميذ صاحب الجَمل يا صاحِ؛ تلميذٌ فريدٌ فى عشقه للجَمَل، يأتيه سؤال التعبير عن الربيع فيكتب مُجيبًا: الربيع فصلٌ بديعٌ، يكثر فيه العشب الأخضر والمرعى الخصيب، فترعى الحيوانات والماشية، كما ترعى الجِمال، والجَمَلُ حيوانٌ أليفٌ، يُضرب به المثل فى الصبر ويسمونه سفينة الصحراء، له سنامٌ كبير، يُخزِّن فيه الدهن... ويمضى التلميذ العاشق فى وصلة العشق الجَمَلية إلى أبعد مدىً، ناسيًا أنَّ موضوع التعبير عن الربيع! ويأتيه سؤال آخر عن الكمبيوتر فيجيب: الكمبيوتر وسيلة الاتصال الأولى فى هذا العصر، على عكس العصور السابقة التى كان الناس فيها لا يعرفون الاتصالات، وإنما كانوا يتنقلون فى أسفارهم بالجمل، والجمل حيوانٌ أليف، يُضرب به المثل فى الصبر، ويُسمُّونه سفينة الصحراء.... إلخ. وحين يأتيه سؤالٌ عن الثورة يقول: الثورة قامت فى الخامس والعشرين وواجهت التحدى الأعظم يوم موقعة الجمل، والجمل حيوان أليف..... إلخ. فلمَّا رسب عاشق الجمل اشتكى لكل مسئول حتى رفع شكواه إلى السيد وزير التعليم قائلا: بعد التحية فإنى يا سيادة الوزير مُضطهد من المدرسين الذين يتعنتون فى تصحيح ورقة إجابتى، ورغم ذلك فأنا صابرٌ مثل الجمل، والجمل - كما تعلم ياسيادة الوزير - حيوان أليف يُضرب به المثل فى الصبر ويُسمونه سفينة الصحراء.....إلخ. وهكذا مثقفونا؛ من الحداثيين وما بعد الحداثيين، لابد أن يُقحموا الإسلاميين فى كلِّ موضوعٍ، ويذمُّوهم بمناسبة وبغير مناسبة، مُستخدمين الألفاظ المعتادة الظلامية وأخواتها من الرجعية والتخلفية إلى آخر القائمة العريضة. بما يؤكد أنَّ كثيرًا من المثقفين المختلفين فكريًا مع الإسلاميين لا يحملون أى قدر من المرونة والرغبة فى التقريب والبحث عن المشترك، وإنما يريدون أن يبقوا فى عزلة فكريةٍ يصورون لأنفسهم أنَّهم محتكرو الثقافة والإبداع، وأنَّ الآخرين ما هم إلا مجموعةٌ من (آكلى عقول البشر)، حتى وإن كان الآخرون هم كلّ أبناء الوطن. وقد جاءت وفاة الراحل (حلمى سالم) لتؤكد هذا المعنى، فبدلا من التركيز على نعى الرجل والدعاء له؛ يتحرَّى الكثير اجترار خصومته مع الإسلاميين، ذاهبينَ فى التنديد بهم كلَّ مذهبٍ، حتَّى أنِّى خشيتُ أن يقول أحدهم: إنَّ سرطان الرئة الذى مات به الراحل مرضٌ إسلامى إرهابىّ!! الرجل أفضى إلى ما قدَّم، ونسأل الله له المغفرة والجنان، ونرجو أن يكون قد خُتم له بالخير فى هذا الشهر الكريمِ، ولكن أخشى ما أخشاه على هؤلاء المثقفين أن تتحوَّل كل طاقاتهم – مع الوقت – لتصبَّ فى مستنقعٍ آسنٍ من الشتائم والاتهامات التى لا تليق بمن يتزيَّا بزى الثقافة، تمامًا كما استهلك الراحل (حلمى سالم) طاقاته الإبداعية التى كان يمكن أن تُخرج لنا أفضل من ليلى مراد وشُرفتها التى تردَّى إليها من سماءٍ كانت أدواته تؤهله لأن يرتقيها، ولكنه أبى إلا أن يسير على درب شائكٍ لا يضيفُ فِكرًا ولا يُنير طريقًا؛ فى تحدٍّ ليس له هدفٌ إلا التحرُّش الفكرى وإثارة المعارك الأيديولوجية. هل من الجميل أن يسأل سائل عن سبب العداوة التى يجترُّ البعض الآن ذكراها بين الإسلاميين و(حلمى سالم) فيقال: «الرب ليس شرطيًّا حتى يمسك الجناة من قفاهم، إنما هو قروىٌّ يزغط البط، ويجس ضرع البقرة بأصابعه صائحا: وافرٌ هذا اللبن!! الجناة أحرار لأنهم امتحاننا الذى يضعه الرب آخر كلّ فصلٍ قبل أن يؤلف سورة البقرة»؟! دعك من أنَّ هذا ليس شعرًا، ولكنَّ حداثيينا يُصرُّون على أنَّه شعرٌ ولسان حالهم: (عنزةٌ وإن طارت)، ودعكَ من (كومة النهود) التى يمتلئ بها النصّ فيما لم أذكره، ودعكَ من التناصِّ مع (عُكشة) فى مسألة تزغيط البطّ؛ دعكَ من كلِّ هذا العكِّ: هل يرضى أحدهم أن يُكتبَ هذا النصُّ على شاهد قبر الراحل؟ أم ستبادرون بالقول: اذكروا محاسن موتاكم؟! القضيَّةُ برمَّتها تستدعى مُجدَّدًا أزمة الفكر اليسارى والليبرالى الذى سيطر لحقبةٍ طويلةٍ على المشهد الثقافى المصرى، وآنَ له أن يُراجِع أداءه، وإلا فعصا سليمان التى يتكئُ عليها موشكةٌ على الاهتراء، لا بسببِ عداوة الإسلاميين وتضييقهم، ولكن لأنَّ الزَّبدَ يذهبُ جُفاءً ولابدّ.