ربما مثلت وزارة الثقافة أحد أبرز أوجه الفشل العلمانى فى إدارة مصر الحديثة فعلى مدار أكثر من عشرين عامًا استطاع التيار اليسارى الاستيلاء على وزارة الثقافة وتحويلها من منبر معبر عن هوية البلاد وحضارتها وثقافتها إلى محضن لكل الكارهين لعروبة مصر وعمقها الإسلامى وكانت تجسيدًا لثقافة الإقصاء التى تغلغلت فى أوصال غلاة اليساريين والحداثيين الذين مارسوا حالة من " التكفير الثقافى " . بعد أن تمكنوا من صياغة مفهوم جديد للثقافة والمثقف على أساس الانحياز الفكرى والأيديولوجى فبات المثقف فى عرفهم هو من انتمى إلى أهل " اليسار " حتى ولو كانت بضاعته من العلم والمعرفة والفهم محدودة . بل وتطور المفهوم حتى صار حكرا على المنضمين لحظيرة " فاروق حسنى " التى استطاع أن يجمع فيها أغلبية المناضلين والثائرين ويجرى له عملية " تدجين " واسعة النطاق نالت من براءتهم الثورية ونقائهم النضالى . ورغم الفشل المشار إليه والذى سأتناوله لاحقًا فإن حالة التفزيع من الإسلاميين بعد النجاح الساحق الذى أحرزوه فى الانتخابات البرلمانية امتد لمجال الثقافة حيث بات السؤال الذى يواجه وزير الثقافة أينما حل أو ارتحل متعلق بمستقبل الثقافة فى مصر بعد صعود الإسلاميين أو قد تفاجأ بإحدى المذيعات التى لا يستقيم لها حرف فضلا عن جملة بأكملها تتحفك بخوفها وفزعها على الثقافة بعد صعود الإسلاميين وتدخل فى فاصل من العك الثقافى مع ضيفها الذى يبادلها الخوف بنظيره والفزع بمثيله . والغريب أن الجميع يراهن على ضعف الذاكرة الوطنية التى يراد منها أن تنسى أن الذى أضاع الثقافة فى مصر على مدار الثلاثين سنة ليسوا أولئك الإسلاميين " الأشرار " فقد تم إقصاؤهم عن جميع مرافق الثقافة فى مصر لصالح شلة اليسار . وأن الذى أحال مطبوعات وزارة الثقافة إلى ما يشبه المنشورات السرية التى لا يكاد يسمع بها أحد ليسوا بالطبع أصحاب الفكر الإسلامى فقد ظلت هذه المطبوعات محرمة عليهم تحريم الأم على ابنها فى الوقت الذى استباحها الحداثيون والبنيويون والفوضويون ... إلخ كما أن كشف الحساب اليوم يقتضى أن نفتح ملف جوائز الدولة التى كانت توزع أساس التحيز الفكرى لا على أساس الإنتاج الفكرى والثقافى الذى أسهم فى خدمة الإنسانية وقضاياها الملحة فهل يعقل أن تحرم قامات وهامات من أمثال الشيخ القرضاوى والغزالى ود. محمد عمارة ود. عبد الحليم عويس وأنور الجندى وغيرهم من أعلام الفكر الإسلامى والإنسانى من جوائز الدولة لصالح أنصاف الموهوبين والمثقفين وحملة الشهادات المضروبة والمتصادمين مع عقيدة الأمة وثوابتها فى فضائح كان يندى لها الجبين . الذين يبدون خوفهم على الثقافة بعد صعود الإسلاميين عليهم أن يوضحوا لنا أين هو الإنتاج الثقافى الهادر الذى يخشون عليه بعد هذا الصعود فقد تركت " الشلة " فالوضع الثقافى اليوم يبعث على الشفقة والرثاء نتيجة سياسة الإقصاء والإبعاد التى ميزت حقبة فاروق حسنى الطويلة ومازالت ممتدة حتى الآن مما حرم مصر من الكفاءات الثقافية المتميزة المتصالحة مع دينها وعقيدتها . لقد تم اغتيال الحالة الثقافية المصرية عن عمد فأهملت قصور الثقافة فى المدن والمراكز التى كانت بمثابة المحضن الذى تتفجر فيه المواهب منذ نعومة أظافرها ، ولم تخرج لنا الوزارة المنكوبة على مدار الثلاثين سنة الماضية مواهب شعرية أو روائية أو تشكيلية أو .. أو .. نفاخر بها فى العالمين فى الوقت الذى ذهبت فيه أموال الوزارة المدفوعة من الشعب المصرى لمنح التفرغ وطبع كتب لايسمع بها أحد وإصدار جرائد لا يعرف شكلها مواطن مصرى ناهيك عن فضائح الوزارة فى طباعة الكتب الصادمة للأمة فى عقيدتها كرواية وليمة على أعشاب البحر لحيدر حيدر وفى عام 2006 قررت وزارة اليسار منح جائزة الدولة التشجيعية لشاعر يدعى حلمى سالم لقصيدته " فى شرفة ليلى مراد " والذى يقول فى مقطع منها عن الرب تعالى: الربّ ليس شرطيّا حتى يمسك الجناة من قفاهم، إنما هو قروى يزغط البط، ويجس ضرع البقرة بأصابعه صائحا: وافر هذا اللبن الجناة أحرار لأنهم امتحاننا الذى يضعه الرب آخر كلّ فصلٍ قبل أن يؤلف سورة البقرة فهل يسترد الشعب المصرى وزارة الثقافة أم تظل مختطفة تنعق خارج سرب الوطن وثوابته ؟!! [email protected]