أنا صعيدي ولا زلت محافظا على لهجتي الصعيدية الخشنة كما هي رغم سنوات الغربة الطويلة، لكني لا أجد هذه اللهجة في العديد من المسلسلات التي تبث حاليا وتحاول الايحاء بأنها تحكي واقع الصعايدة. كأن هناك اتفاقا مسبقا بين المنتجين وكتاب السيناريو على أن تتناول دراما رمضان هذا العام قصص الصعايدة مثل "نسر الصعيد" وتدور أحداثه في قنا، و"طايع" وتدور أحداثه في الأقصر وبرها الغربي، وسلسال الدم وقد تكون أحداثه في نجع حمادي. اللهجة المتداولة في الدراما ليست صعيدية حقا. إنها خليط من البداوة أو اعوجاج اللسان بأي شيء والسلام، مع العلم بأنه لا توجد لهجة واحدة للصعيد، هناك اختلافات كثيرة ربما تكون بين قرية وأخرى مجاورة. الراسخون في هذا اللون من الدراما كانوا يستعينون بخبراء في اللهجة الصعيدية، وكان الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي عليه رحمة الله أحدهم. الآن يبدو أنه لا شيء من ذلك يحدث. يكتفي الممثل بنطق حرف واحد على الطريقة الصعيدية، وهو حرف القاف، ثم يصدق نفسه بعد ذلك بأنه أصبح صعيديا أبا عن جد! غير اللهجة نجد حياة اجتماعية مختلفة تماما. فمن قال إن كل حياة الصعيد قتل وثأر ودماء ومؤامرات كما نشاهد في سلسال الدم التي تعرض جزءا رابعا بعد الإفطار مباشرة، عقب مسخرة "رامز تحت الصفر"! تفطر المغرب على مقالب رامز غير اللطيفة، ثم تحلي بالقتل والدم والدمار ومؤامرات عضو مجلس الشعب ووالده، وقصة تافهة جدا عن المرحلة التي أعقبت ثورة 25 يناير، وعلاقة المال الديني بالقبلية السياسية. سيناريو قائم على تخيلات لا أساس لها في الواقع الصعيدي. مسلسل كهذا كفيل بتحريك الثأرات النائمة والأحقاد التي أصبحت رمادا، وزرع الضغينة بين العائلات. ما هو الهدف من مسلسل تافه يستغرق 4 أجزاء وبدأ بثه منذ عدة سنوات؟!.. إنه الإفلاس الدرامي و البحث عن المال بأي وسيلة. لا أعرف أن الصعيدي يشبه الداعشي في الانتقام والقتل كما يوحي لنا مسلسل محمد رمضان. أي صعيدي ذاك الذي يحمل أخلاق "هتلر" وهو اسم شخصية قتلت بخسة ونذالة أحد الأعيان "صالح" ويقوم بدوره محمد رمضان، بأسلوب مؤامراتي غير شريف عن طريق قيام شاحنة بصدم سيارته. الصعايدة ليسوا هكذا فهم شرفاء جدا حتى في ألد حالات الخصومة. ولما أثار مسلسل "أبو عمر المصري" حفيظة أشقائنا السودانيين ولهم كل الحق في ذلك، ردت عليهم القناة التي تذيعه بأنه من خيال المؤلف. طبعا هو من الخيال، لكن لماذا تدع هذا الخيال يسيء للآخرين وينال منهم ويرمي عليهم اتهاما جزافيا كاذبا. السودان بلد رائع بأهله وعشرتهم وخلقهم العالي كما أهلنا في الصعيد بالضبط، وعلى كتاب الدراما والسيناريو أن يدرسوا الحالات التي يكتبون عنها جيدا ويعيشون واقعها حتى لا يبدو أنهم يتكلمون عن حياة عالم لا نعرفه. [email protected]