حظي الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، بشهرة واسعة في كل الدول العربية والإسلامية، بعد أن دخل بيوت الملايين عبر برامجه التليفزيونية الشهيرة، والتي لا تزال تمثل الوجبة الإيمانية المفضلة للكثيرين حتى بعد نحو 20 عامًا على رحيله. غير أن هذا لا ينفي أن الشعراوي، المعروف بخطابه الوسطي، تعرض مرارًا لهجوم في وسائل الإعلام، حتى في حياته، وكان الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، أبرز من هاجمه، وخصص في كتابه "أفكار مهددة بالقتل"، فصلاً كاملاً بعنوان "الشعراوي وتأليه الملك". بالإضافة إلى مقالاته التي هاجم فيها تصريحاته عن قضايا مجتمعية عدة مثل (الإرهاب، الاختلاط بين الجنسين، البطالة ) في سلسلة مقالات بعنوان "شهاديى عن الشيخ الشعراوي". وقال عنه: "لم أر شيخًا يمثل مجموعة من الأفكار الرجعية المناهضة للعلم والتقدم إلا الشعراوي، ولم أصادف حتى الآن على الأقل رجلاً يستخدم كل المنح الربانية التي أنعم الله بها عليه فيما يخدم التخلف بمثل ما رأيت الشعراوي". وأضاف: "نجومية شيوخ الفتنة على رأسهم الشعراوى وعبد الكافي، تحولهم إلى شخصيات من القداسة والأسطورية التي لا يستطيع أحد أن يناقشها أو يجادلها أو يختلف معها". الكاتب يوسف إدريس كان واحدًا من الذين هاجموا الشعراوي، وذلك بعد انتقاد الأخير للكاتب والأديب الراحل توفيق الحكيم، بسبب سلسلة مقالاته "حديث مع الله" التي نشرها ب "الأهرام". وقال الشعراوي عن ذلك في لقاء مع مجلة "اللواء الإسلامي" عام 1983: "لقد شاء الله ألا يفارق هذا الكاتب الدنيا إلا بعد أن يكشف للناس ما يخفيه من أفكار وعقائد كان يهمس بها ولا يجرؤ على نشرها.. وشاء الله ألا تنتهي حياته إلا بعد أن يضيع كل خير عمله في الدنيا فيلقى الله بلا رصيد إيماني". وقتها كتب يوسف إدريس مقالًا في "الأهرام" بعنوان: "عفوا يا مولانا"، قال فيه: "الشيخ يتمتع بكل خصال راسبوتين المسلم.. قدرة على إقناع الجماهير البسيطة.. وقدرة على التمثيل بالذراعين وتعبيرات الوجه". وأضاف: "له قدرة على جيب كبير مفتوح دائمًا للأموال.. وأنه يملك قدرات أي ممثل نصف موهوب"، وقد انبرى وقتها العديد من الكتاب للدفاع عن الشعراوي. ولم ينقطع الهجوم خلال السنوات القليلة الماضية، إذ شن كتاب وإعلاميون هجوما شرسا على الشعراوي. وفي ديسمبر 2016، هاجم الإعلامي مفيد فوزي، الشعراوي، قائلًا: "رأيته وراء حجاب كثير من الفنانات ولم أرد أن أتدخل في هذا الموضوع لأني أعتبرها مسألة شخصية، وهذا قرار شخصي لبعض الفنانات، مع أنه لم يكن قرارًا شخصيًّا إلا بالنسبة لهن، وكان فيه جزء كبير من التحريض على الحجاب". وأضاف: "الشعراوي وراء حجاب كثير من الفنانات.. ووراء تحريض الفنانات على الحجاب.. كما أنه أرض خصبة لما جاء بعد ذلك من تطرف". ونشر الفنان صبري فواز في أغسطس 2017، عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" مقطع فيديو للشعراوي يتحدث فيه عن المرأة في الإسلام، وعلق قائلًا: "الإسلام الداعشي الوسطي الجميل". وفي مايو الماضي، هاجم الكاتب خالد منتصر، الشعراوي، عبر حسابه الشخصي على "فيس بوك"، ساخرًا من تصريحات سابقة قال فيها إنه "بدون الختان تكون الشهوة الجنسية لدى المرأة دائمة"، وعلق قائلًا: "الشيخ الشعراوي نساني "الأناتومي" اللي درسته في الكلية!". كما فتحت الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي، النار على الشعراوي في مقابلة تليفزيونية، قالت فيها إن "الشعراوي سجد لله شكرًا على هزيمة مصر في حرب 67". وأوضحت أنها كتبت له رسالة وقتها قالت فيها: "من سجد لله شكرًا لهزيمة مصر فبالضرورة سجد لله شكرًا على نصر إسرائيل". وأضافت أن الشعراوي "برر ذلك سابقًا بأننا نستحق الهزيمة بسبب ابتعادنا عن الله"، واصفة هذا المبرر بأنه "تفكير عقيم"، وقالت: "يعني إسرائيل كانت أقرب من ربنا لينا كمصريين في الحرب"، وتابعت: "أنا مابحبش الشعراوي أنا حرة". فيما عزا علماء أزهريون، سبب هجوم البعض على الشعراوي إلى "مصالح حزبية، أو لانتماءات فكرية، أو لشيطنة كل تجديد وصحوة إسلامية علمية". وقال الدكتور منصور مندور كبير الأئمة بوزارة الأوقاف، إنه "شيءٌ متوقع وطبيعي، أن يكشف بعض العلمانيين عن بعض ما في صدورهم من حقد وغلّ وكذب وتشويه واتهامات باطلة بالتخلف، ومحاربة العلم والإبداع، وعدم احترام المرأة والطفل، تجاه الرموز الدينية المضيئة التي تبدد ظلامهم وتكشف جهلهم للأمة حتى بعد وفاتهم. وأضاف مندور في تصريحات إلى "المصريون": "في حين أن كل مظاهر التخلف التي تُكوِّر العالم العربي سببها العلمانيون؛ فمنذ أن تم إقصاء الإسلام من الحياة العامة بعد سقوط الخلافة الإسلامية وأصبحت الحياة مرتعًا لهم يفعلون ما يشاؤون ومع ذلك أثبتوا بجدارة أنهم فشلة وفارغون يعشقون التودد للغرب ويرضون بما بقي لهم من فتات وشدد على أن "الفساد المالي والإداري وإذلال المواطن من انتشار الجهل والمرض والتخلف بين أبناء الشعوب العربية, بالإضافة إلى انتشار مظاهر الفساد كبديل عن المساجد مثل المقاهي والشيشة والكافيهات، وغير ذلك هي من نتائج مصائبهم الشاهدة عليهم, وفي عالم الفكر والإبداع انتشرت الروايات الهابطة، وسيطر الجهلة على الإعلام بكل أنواعه، حتى تراهم يقدمون جوائز الدولة لكُتَّاب الشعر الهابط العامي مما أضعف اللغة العربية". وتساءل محمد مأمون ليلة، مدرس مساعد بجامعة الأزهر: "كيف لأستاذ جامعي أن يصف الشيخ الشعراوي بأنه عمل بكل قوة عن قصد أو بغير قصد في تغذية روح الهوس الديني لدى الشعب المصري وتدعيم تيار الإسلام السياسي". وأضاف ليله ل"المصريون": "المعروف عن الشيخ الشعراوي أنه لم ينتمِ يومًا لجماعات الإسلام السياسي، بل كان الرجل صوفيًا طوال عمره، ومواقفه وانتقاداته للجماعات الحزبية معروفة مشهورة، كما كان معروفًا بأسلوبه المبتكر في تفسير القرآن الكريم، مع خواطره التي تدل على حال له مع ربه تعالى، وكان يحسن إيصال المعلومة الدينية للعوام والخواص، فاجتمع الناس حوله من جميع طبقاتهم، وكان منهجه سهلا ميسرا لا يميل للعنف، ولا يدع إلى إرهاب، وكان الرجل مفكرا كبيرا لا شيخا عاديا. وتابع ليلة: "كان الشيخ يمتلك حمية دينية قوية، وموهبة في الشعر والأدب عظيمة، وتولى عدة مناصب أثبت جدارته فيها، وكان منذ صغره شخصية قيادية حيث تولى اتحاد الطلبة في المعهد الثانوي الأزهري، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق، ومواقفه السياسية مشهورة معروفة". وأكد أن "شخصية كهذه لاشك أن الناس سيجتمعون حولها؛ لأنها نادرة الوجود، ولا تتكرر كثيراً، وهي هبة من الله عظيمة، وعطية من عطايا رحمته كبيرة، ولو كان الشيخ مما يسعى للمناصب؛ لتولى مشيخة الأزهر الشريف لما عرضت عليه كما يقال، أو لما ترك وزارة الأوقاف وهجرها كما اشتهر وذاع، ولو كان يسعى إلى الفتن؛ لألب الناس على من بينه وبينهم مشاحنات". وقال ليلة: "لو كان الشيخ دجالاً ما كرمته الأمة بالأخذ منه وقبوله، وما أثنى عليه العلماء واشتهر عنهم تعظيمه، وما كرمته الدولة بوسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وبوسام الجمهورية من الطبقة الأولى"! وفسر ليله سبب الهجوم عليه الآن بأنه مرتبط مصالح حزبية، أو لانتماءات فكرية، أو لشيطنة كل تجديد وصحوة إسلامية علمي.ة صبرة القاسمي، الباحث في الحركات الإسلامية قال إنه لا يقدح في الشيخ الشعراوي إلا ناقصي الدين والإيمان، واصفًا إياه بأنه "قامة كبرى أثرت الحياة العامة والحالة الدينية في مصر". وأضاف أن "نهجه القويم الوسطى سيظل خالدًا وكل منتقصيه إلى سلة مهملات التاريخ وسيظل هو أبد الآبدين". وتابع: "عند الله تلتقي الخصوم فهو في دار الحق لن يستطيع الرد على أمثالهم ولكن الرسالة في الدنيا لهم : ليس من الشهامة أو الأخلاق أو من صفاتنا المصرية الأصيلة مهاجمة الموتى للتسلق أو التزلف على جثثهم ومن كان لديه علم فليظهره و ينتقد المنهج".