المتأمل للمشهد السياسى فى مصر الآن يجد أننا كنا ولا نزال نعيش فى صراعات دامية وطاحنة بين مختلف القوى السياسية.. ولا تزال تلك القوى تتبادل الاتهامات بالعمالة والتخوين والتخطيط لتدمير البلد وتنفيذ مخططات وأجندات خارجية.. إلخ. وعلى الجانب الآخر نجد أن هناك تضاربًا رهيبًا ليس فى الآراء والتوجهات السياسية فحسب ولكن فى تفسير الأحكام القضائية والتعامل معها من زوايا مختلفة وكأنها وجهات نظر شخصية وليست أحكاماً قضائية لا تقبل التشكيك لأنها صادرة بناء على قوانين سبق أن أقرها مجلس الشعب وبعضها تمت مراجعته داخل المحكمة الدستورية العليا. ما دفعنى للحديث عن ذلك ما حدث فى الأيام الماضية عقب صدور قرار الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، بعودة مجلس الشعب لممارسة مهامه لحين إجراء انتخابات جديدة عقب الانتهاء من وضع الدستور الجديد لمصر.. وما أفزعنى هو التضارب الشديد فى التفسيرات والآراء التى صدرت عن شخصيات سياسية وقضائية وأساتذة القانون الدستورى. فقد تضاربت الآراء ما بين مؤيد لقرار الرئيس واعتباره انتصاراً لبرلمان شرعى جاء بالانتخاب الحر من جانب 30 مليون مواطن مصرى وأنه لا يتناقض مع حكم المحكمة الدستورية، الذى قضى بحل المجلس.. وعلى الجانب الآخر وجدنا اتهامات تكال يميناً وشمالاً للرئيس مرسى وتتهمه بالخيانة العظمى والحنث باليمين التى أقسم عليها باحترام الدستور والقانون.. وآخرون طالبوا بعزله باعتبار أن قراره إهدار لدولة سيادة القانون وأنه اعتداء صارخ على سلطات واختصاصات وأحكام المحكمة الدستورية الواجبة النفاذ، والتى لا يجوز الطعن عليها. موضوع آخر يتعلق بهذه المشكلة الخاصة بتضارب التفسيرات والأحكام.. ففى هذا الأسبوع كانت هناك قضيتان موضوعهما واحد وهو حق الضباط الراغبين فى إطلاق (لحاهم) أثناء وجودهم فى الخدمة، والذين تمت إحالتهم إلى التأديب بوزارة الداخلية.. المفاجأة أن القضيتين اللتين كانتا تنظران فى نفس اليوم أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة بالقاهرة، والقضاء الإدارى بالإسكندرية صدرت فيهما أحكام متضاربة.. حيث إن المحكمة الأولى حكمت بصحة قرار إحالة هؤلاء الضباط للتأديب لمخالفتهم لوائح العمل بالوزارة, فى حين أن محكمة الإسكندرية قضت بحق أى ضابط فى إطلاق لحيته لأنه ليس هناك ما يمنع أو يجرم ذلك. إن مثل هذه الأحكام المتضاربة تؤدى إلى حدوث فتن ومعارك وأزمات لا تنتهى داخل, لأن هذا التضارب جعل الكثيرين يؤكدون أن الأحكام القضائية فى مصر أصبحت تصدر(حسب المزاج) وليس وفقاً لنصوص قضائية دامغة وحاسمة. لذلك أقول إننا ونحن على أعتاب مرحلة جديدة نقوم فيها حالياً بكتابة ووضع دستور جديد لمصر علينا أن نتنبه لمثل هذه القضايا المهمة حتى لا تستمر هذه المهازل، التى كانت ولا تزال (عرفاً) مصرياً ليس له مثيل فى العالم. وأتمنى أيضاً أن يكون مجلس الشعب الذى عاد لممارسة مهامه رسمياً هذا الأسبوع حريصًا فى التعامل مع القضايا والقوانين، التى سوف يصدرها حتى لا يتم الحكم ببطلانها وعدم دستوريتها فيما بعد وندخل فى دوامات جديدة نحن فى غنى عنها حالياً لأن هدفنا يجب أن يكون بناء مصر وليس تفتيتها وإشعال الفتن، التى تهدد حاضرها ومستقبلها.