أثارت فتوى ل «المجلس الإسلامي الأعلى» الجزائري التابع لرئاسة الجمهورية "تُحرّم الهجرة غير الشرعية، أو ما تُعرف ب «الحرقة» باللهجة العامية،حالة من الجدل والغضب على مستوى الأوساط الرسمية والإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي ، حيث رأى جزائريون أن الأولى تركيز الجهود على محاربة الفساد وتحريمه أولًا باعتباره أحد أهم أسباب «الحرقة». ففي 24 يناير الماضي قال رئيس المجلس، بوعبد الله غلام، لصحيفة «النهار» (خاصة)، إن «الهجرة غير الشرعية حرام شرعًا، وتؤدي بالنفس إلى التهلكة، لكن قضية تحريم الهجرة لا تكفي، وإنما يجب دراسة الظاهرة التي انتشرت، مؤخرا، بشكل رهيب، خاصة وسط الشباب».،وفقا ل"القدس العربى". وجاءت هذا الفتوى بعد ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين، عبر البحر المتوسط، نحو أوروبا، في الأشهر الأخيرة، في ظل أزمة اقتصادية تعانيها الجزائر منذ أكثر من ثلاث سنوات جراء تهاوي أسعار النفط عالميا. وفي اليوم التالي لما نشرته «النهار»، قال نور الدين محمدي، مدير التوجيه الديني في وزارة الشؤون الدينية، للإذاعة الحكومية، إن الوزارة تؤيد فتوى المجلس الإسلامي الأعلى بتحريم «الحرقة». ومضى محمدي قائلًا إن النصوص الشرعية كلها تحرّم الإلقاء بالنفس إلى التهلكة وإذلال نفس المسلم. بل إن وزير الشؤون الدينية، محمد عيسى، وفي اليوم نفسه، قال في تصريحات صحفية، إن «المجلس الإسلامي هو أعلى سلطة إفتاء في الجزائر، وعلى الجميع الامتثال لهذا الحكم الشرعي (فتوى تحريم الحرقة)».لكن في 3 فبراير الجاري، وعقب انتقادات واسعة في الصحف المحلية لهذه الفتوى، تبرأ الوزير الجزائري منها على حسابه في موقع «فيس بوك». وكتب عيسى: «بعد أسبوع كامل، لم نقرأ في الصحف إلا انتقادا للأئمة بسبب فتوى لم يُصْدِروها وهجوما متناغما على أسرة المساجد بسبب خُطَبٍ في هذا الموضوع لم يلقوها». وأردف: «وتناغمت أقلام بعض إخواننا في الإعلام ضدّ خطر أسلمة ممنهجة للمجتمع الجزائري أصبحت تهدِّدُ الجمهورية، وتعالت نداءاتهم بأن فتاوى التكفير قد عادت بفتوى الحرقة».وتحت وطأة الانتقادات أيضا، خفف رئيس المجلس الإسلامي الأعلى من خطابه، بقوله لصحيفة «الوطن» الناطقة بالفرنسية (خاصة)، إن «هؤلاء الشباب هم ضحايا أولئك الذين يصورون لهم أوروبا جنّة فوق الأرض». ودعا بوعبد الله غلام الله، يوم 4 فبراير الجاري، إلى «ضرورة مكافحة كل ما من شأنه تقسيم الجزائريين خاصة الطوائف والتيارات الدينية، التي تعمل لصالح الخارج ضد البلاد». وفق المستشار السابق بوزارة الشؤون الدينية الجزائرية، عدّة فلاحي، فإن «فتوى الحرقة تدل على الفوضى الحاصلة في المؤسسة الدينية بالبلاد، والتعاطي مع الشأن الذي يشغل الرأي العام فيما يتعلق بالفتوى». وتابع فلاحي، في حديث: «لو أن المؤسسات الدينية خاطبت الرأي العام والصحافة الأولى بالمعلومة عبر قنوات رسمية ما وقعت فوضى ولا تأويلات». واعتبر «ما حدث دليلا على أن المؤسسة الدينية غير قادرة على القيام بواجبها في هذا الميدان، لذلك ساد اللغط والصراع بين الوزارة الوصية والمجلس الإسلامي الأعلى». وشدد على أن «الإعلام الديني لا يزال بعيدا عن اهتمام المؤسسات الدينية، التي دائما ما تتباكى على أنّ المرجعية الدينية في خطر». ولفت فلاحي إلى أن «الوزير أشار ضمنيا في آخر تصريحاته إلى أن إطارات سابقة بوزارته التحقت مؤخرا بالمجلس الإسلامي الأعلى هي سبب الصدام بين الهيئتين». ووصف المستشار السابق بوزارة الشؤون الدينية هذا الأمر ب»الخطير بعدما تحول إلى صراع مصالح». فيما قال محمد طيبي، وهو مختص جزائري في علم الاجتماع، إن «فتوى تحريم الهجرة السرية لم تُصدر المصوّغات والحيثيات الشرعية والإسنادات الخاصة بها». وشدد طيبي، على أن «هذه الفتوى تشوبها عيوب كثيرة، من حيث المساند والنطق ومشروعيتها».واعتبر أنها «تبقى مجرد رأي، لأنّها صدرت عن مسئول، وليس رجل دين». ومنذ نشر هذه الفتوى تتصاعد حالة من الغضب بين نشطاء جزائريين «فيس بوك» و»تويتر» و»يوتيوب».فعلى «تويتر»، قال الناشط يوسف علي: «المجلس الإسلامي الأعلى يصدر فتوى تحرّم الحرقة، وقد نسي تحريم الحرقة بجواز سفر دبلوماسي (يقصد انتقال مسئولين سابقين للعيش في الخارج)». وعلّق آخر يدعى «حساب مغلق»: «فتوى الوزارة صحيحة ولا جدال فيها، لكن حرّموا الفساد أولا».فيما تهكم المدون «يوسف مدريد» على الفتوى قائلا: «الجمل كره العيش، وقرر الحرقة إلى ما وراء البحار؟». ورفض رئيس الحكومة الجزائرية، أحمد أويحيى، السبت الماضي، تحميل الحكومة مسؤولية زيادة عدد «الحراقة» بين شباب الجزائر مؤخرا، وفق صحيفة «الشروق اليومي» الجزائرية. وخلال اجتماع مع أعضاء المكتب الوطني لحزبه التجمع الوطني الديمقراطي في العاصمة، قال أويحيي إن الفقر والظروف الاجتماعية الصعبة لم تكن يوما سببا مقنعا للانتحار غرقا في قوارب الموت.وفي المقابل حمل المسؤولية للعائلات بقوله: «على الأمهات والآباء توعية أبنائهم وإقناعهم بأن العيش في أوروبا مجرد وهم». ولا توجد إحصاءات رسمية جزائرية بشأن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين. ومطلع الشهر الجاري، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية أن قوات خفر السواحل أنقذت، خلال يناير الماضي، 250 مهاجرا غير شرعي من الغرق عبر السواحل الجزائرية. وقبل أيام، قالت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان إن خفر السواحل منع محاولة 3109 أشخاص من ركوب البحر سرًا نحو أوروبا، بينهم 186 امرأة و840 قاصرًا، وهو عدد قياسي.كما أفادت المنظمة بإحباط محاولات 1206 أشخاص للهجرة غير الشرعية، عام 2016. وأعلنت شرطة مدينة كاغلياري الإيطالية، عام 2017، أن أعداد المهاجرين الجزائريين الذين وصلوا إيطاليا، خلال 2016، بلغ 1133 مهاجرا.ولا تعكس تلك الأعداد الحجم الحقيقي للظاهرة، إذ إن من يفلتون من الرقابة البحرية يقدر عددهم بالآلاف. واحتلت الجزائر المرتبة التاسعة بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية عبر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وفق تقرير نشرته في نيسان 2015/أبريل منظمة «ألجيريا ووتش» (غير حكومية)، استنادا إلى الوكالة الأوروبية لتسيير التعاون العملياتي بشأن الحدود الخارجية (فرونتاكس).