هل واجبٌ على د. محمد مرسى أن يستقيل من حزب الحرية والعدالة؟ بالطبع لا.. ولو قلنا إنّ الواجب عليه أن يتمسك باستمراره عضوًا فى الحزب لكان أقرب للعقل والمنطق. الذين انتخبوا الرئيسَ انتخبوا فيه مشروع النهضة، لذلك فالصواب أن نُحاسبه على مدى ما تحقق من هذا المشروع، والصواب أن يظلَّ هو محسوبًا على التيَّار الذى دفع به مُنافسًا على مقعد الرئاسة، وهو ما يحدث فى كل الديمقراطيات العريقة فى العالم. وكما كنَّا نتندَّرُ على النوَّاب الذين ينجحون مستقلِّين ثمَّ ينضمون إلى الحزب الوطنى الغابر؛ فيجب أن نتندَّر على من يُطالبون الرئيس بالتخلِّى عن انتمائه الحزبىّ، فهذه كتِلك. ولا يمنعه انتماؤه الحزبى أن يكون رئيسًا لكلِّ المصريين. وإنى لأعجبُ كذلك؛ من أولئكَ الذين لم ينتظروا حتى يتسلَّم الرجل مهامَّه الفعلية ليدشنوا مواقعًَ وائتلافاتٍ لمحاسبة الرجل ومراقبة أدائه، وهُم فى الوقت نفسه يُلوِّحون بالحراب المسنونة فى وجهه تهديدًا إذا جاءت الحكومة على غير هواهم! بل وذهبوا لأبعد من ذلك بفرض أسماءٍ يعرف القاصى والدانى أنها لشخصياتٍ غير مقتنعة جملة وتفصيلاًَ بفكر مشروع النهضة، فهل يُعقل هذا؟! لا شكَّ أنَّنا نسعى جميعًا أن يكون التشكيل الوزارى توافقيًّا قدر الإمكان، ولكن يجب ألا نغفل فى الوقت ذاته عدة أمور: الأول: أنَّ التوافق المطلق مستحيل، فلا يمكن لأحدٍ أن يُرضى كلَّ الناس طول الوقت. الثانى: أنَّ الرئيس جاء كمرشَّح عن حزبٍ ببرنامج واضح ومحدَّد، لذلك يجب أن يكون كل وزير فى التشكيل يحمل الحد الأدنى من الانسجام مع هذا البرنامج. الثالث: أنَّ الرئيس لو جاء بمن لا يحمل هذا الحد الأدنى من الانسجام مع المشروع فإنَّ الرئيس - ومن ورائه الحرية والعدالة - سيحملون وِزر فشل أى وزير، ولو جاء تشكيل الحكومة ب 99% من خارج الإخوان و1% فقط منهم ثمَّ فشلت – لا قدَّر الله – فإنَّ الفشل سيُنسب لهم؛ بل لمشروع الإسلام السياسى ككلٍّ. وعلى الجانب الآخر إن وُفِّق وزيرٌ فى أداء مهامه فلن يعجز إعلاميّو التهييج والتدليس أن ينسبوه لذلك الوزير ولكفاءته، لا للرئيس الذى اختاره، ولا للمشروع والبرنامج الذى يعمل من خلاله. كلُّ هذه الأمور تضع الرئيس فى موقفٍ لا يُحسد عليه، إذ عليه أن يفكِّر ألف مرة فى اختيار رئيس وزرائه، ملتزمًا بوعده ووعد حزبه بألا يكون رئيس الوزراء شخصية ذات انتماءات حزبية، وأن يكون من القامات الاقتصادية والإدارية المشهود لها بالخبرة والكفاءة، وأن يكون على درايةٍ كافيةٍ بخفايا الفساد وبؤره وخلاياه السرطانية حتى يستطيع استئصالها بلا رجعة، وقبل كل هذا؛ أن يكون من الشخصيات التى لا يُختلف على وطنيتها، والتى لا تحمل عداواتٍ لتيَّارٍ بعينه، وألا يكون محسوبًا – بصورةٍ مباشرةٍ– على النظام السابق. ولا شكَّ أن مِصر مليئة بالشخصيات التى تنطبق عليها تلك الشروط، ولكننى حين أُعيد قراءة هذه الشروط بتأمل ورويَّةٍ يتردد فى ذِهنى وبقوةٍ اسم عبد الخالق فاروق الخبير الاقتصادى والباحثِ الجادِّ فى شئون الفساد الإدارى والاقتصادى والسياسى، وصاحب المواهب المتعددة والاهتمامات المتنوعةِ، والذى كان من أشدِّ المحاربين للفساد فى أوج عنفوان النظام الساقطِ، وأتمنى إن لم نَرَهُ رئيسًا للوزراء فليس أقلَّ من وزيرٍ للاقتصاد.