"الهرم الرابع".. هكذا أطلق المصريون على النجم محمد صلاح مهاجم ليفربول الإنجليزي والمنتخب الوطني، الذي أصبح مصدر سعادة الشعب المصري بمختلف انتماءاته سواء الرياضية أو السياسية، بل نجح أيضا في توحيد الشعوب العربية، بعد أن فرقتهم السياسة، على مدار العصور الماضية. ولم ينتظر محمد صلاح كثيرًا لإدخال الفرحة على قلوب المصريين، بعدما فاز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا لعام 2017، والتي أقيمت في الرابع من يناير الماضى، في مدينة أكرا الغانية، بحضور عدد كبير من أساطير الكرة الأفريقية. وتفوق محمد صلاح على زميله فى فريق ليفربول، السنغالى ساديو مانى، والجابونى أوباميانج مهاجم بوروسيا دورتموند الألماني، فى سباق الحصول على جائزة أفضل لاعب فى افريقيا، ليكون المصري الثاني بعد الأسطورة محمود الخطيب، الذي أحرزها عام 1983. بداية القصة.. قبل 12 عامًا قرر «صلاح غالي»، أحد أبناء قرية «نجريج» التابعة لمدينة «بسيون» بمحافظة الغربية، أن يحقق حلمه القديم، وأن يبذل كل ما في وسعه من أجل رؤية نجله في المكانة التي فشل أن يصل إليها هو شخصيًا حين كان صغيرًا. ملً الرجل من إرهاق ومشقة الطريق من «بسيون» إلى «المحلة» التي يذهب إليها يوميًا لإلحاق طفله «محمد» بفريق «البلدية»، لكن الأمل دبً في نفسه من جديد عندما علم بوجود أكاديمية نادي «المقاولون العرب» فى مدينة طنطا، ليبدأ فيها الطفل الصغير أولى فصول أجمل رواية في حاضر المصريين اسمها «محمد صلاح». كل أماني «الحاج صلاح غالي» - كما يناديه أهل قريته- اقتصرت على رؤية نجله يلعب لأحد أندية الدوري المصري، ويجلس أمام التلفاز يشاهده ويتحاكي به وسط الأهل والأقارب، لم يدرٍ أبدًا أن سهره وسفره وتعبه كان مقدمة لحدث سيغير مصير وأقدار المصريين، ولحكاية ستبقي خالدة تتوارثها الأجيال وتتحاكى بها الكتب والصحف والقنوات. مسيرة صلاح.. لعب لمركز شباب نجريج، ثم انتقل إلى نادي اتحاد بسيون، القريب من قريته، وكعادة كثير من الموهبين لا يجري تقدير موهبتهم في البداية، تعرض صلاح لتجاهل من أندية لها تاريخ كروي في مصر: طنطا وغزل المحلة وبلدية المحلة، غير أن نادي "اتحاد عثماثون" بطنطا منحه الفرصة. ولأن "عثماثون" هو فرع لنادي المقاولون العرب، انتقل صلاح بسرعة، وهو في سن 14 عاما إلى النادي الأم في القاهرة، وأظهر الجلد والصبر، على تحمل مشاق السفر، وقال بنفسه إنه كان يصعد ويهبط بين وسائل المواصلات، تصل أحيانا لخمسة، في رحلة تستغرق في اليوم الواحد أربع ساعات حتى يصل لناديه بحي مدينة نصر، ثم يحدث نفس الأمر عندما يعود إلى قريته. ثماني ساعات يوميا في وسائل المواصلات وذلك لخمسة أيام في الأسبوع، تعب لا يقدر عليه سوى الكبار، وإن كانوا صغار السن. كما أنه لم يضع هباء، ففي المقاولون تألق الفتي الريفي وصعد إلى الفريق الأول عام 2010، ليلفت إليه الأنظار بمهاراته الكروية وسرعته كجناح أيسر في الدوري المصري. وكانت أول أهدافه في فريق النادي الأهلي العريق، ليدشن مولد نجم جديد. بعد عامين مع الفريق الأول في الجبل الأخضر (معقل المقاولون العرب) انتقل صلاح في 2012 إلى بازل السويسري وأحرز معه لقب الدوري السويسري عام 2013، ثم فاز بلقب أفضل لاعب في الدوري السويسري 2013، ومن سويسرا ظهر على الساحة الأوروبية بقوة خلال الدوري الأوروبي، عندما سجل في مرمى تشيلسي ذهابا وإيابا، ما دعا مورينينو مدرب الفريق آنذاك إلى طلب ضمه، وهو ما حدث في بداية 2014. غير أنه ظل في لندن على مقاعد البدلاء معظم الوقت، فرحل بعد عام إلى فيورنتينا الإيطالي على سبيل الإعارة 2015 ليظهر أكثر نضجًا، وينتقل إلى روما في نفس العام ويبقى به عامين خاض خلالها 69 مباراة سجل فيها 29 هدفا ويصبح موضوع الحديث في إيطاليا. في صيف 2017 انتقل صلاح إلى ليفربول، بطلب من المدرب يورجن كلوب، وقد انتقد البعض كلوب على هذه الخطوة لأن مشكلة ليفربول "هي الدفاع"، وليس الهجوم. لكن صلاح لم يخذل المدرب الألماني، وتطور وأصبح أحد أبرز اللاعبين في إنجلترا والعالم كله، وتتغنى جماهير "الريدز" كل مرة هاتفة "مو مو"، وهو الاسم الذي يطلقونه على صلاح، الذي ظل حتى فترة قريبة هداف الدوري الإنجليزي. حامل آمال مصر.. انضم صلاح لمنتخب الشباب المصري تحت 20 عاما، وبرز خلال كأس العالم للشباب بكولومبيا عام 2011، وحصد الفريق المركز الثاني في مجموعته خلف البرازيل بفارق الأهداف، لكنه بعد ذلك برز بقوة مع منتخب مصر خلال أولمبياد لندن 2012 وواجه البرازيل، وحلت مصر ثانية في المجموعة خلف البرازيل أيضا. ولا ينسى أحد من المصريين صورة صلاح، والدموع في عينيه ونجم مصر آنذاك، المعتزل حاليا، محمد أبو تريكه يواسيه، بعد الخسارة التاريخية لمصر أمام غانا 1-6 في المباراة قبل الأخيرة في التصفيات المؤهلة لمونديال البرازيل 2014. وكان من بين ما قاله أبو تريكه لصلاح إن المستقبل أمامه "وستقود مصر للصعود لكأس العالم". كانت كلمات أبوتريكة، ربما حافزا أو نبوءة من شخص يحبه. فبعدها بأربع سنوات افتتح صلاح التسجيل لمصر في مباراة الكونغو على ملعب برج العرب (الثامن من تشرين الثاني/ أكتوبر 2017) في المباراة قبل الأخيرة أيضا لتصفيات مونديال روسيا. وكان فوز مصر يعني صعودها بغض النظر عن مواجهتها مع غانا في نهاية التصفيات. لكن في لحظة ما دب اليأس في نفوس ملايين المصريين بعد تعادل الكونغو في الدقيقة 87، قرب نهاية المباراة. ارتمى صلاح على الأرض من هول الصدمة، لكنه نهض بسرعة وأخذ يحفز زملائه والجماهير، ليحصل تريزيغيه على ركلة جزاء، فيسددها نجم ليفربول في شباك الكونغو بكل ثبات وتنطلق صافرة الحكم معلنة فوز مصر 2-1 بهدفي صلاح، والصعود للمونديال لأول مرة منذ عام 1990. سادس أفريقي يفوز بجائزة الكاف وال«بي بي سي» في عام واحد.. بات الفرعون المصرى محمد صلاح، سادس لاعب أفريقى يجمع بين جائزتى ال «بى بى سى»، ولقب أفضل لاعب أفريقى فى عام واحد. وجمع خمسة لاعبين بين الجائزتين فى عام واحد وكانت البداية عام 2000 مع الكاميرونى باتريك مبومبا، لاعب بارما الإيطالى. وفى 2002 جمع السنغالى الحاجى ضيوف مهاجم ليفربول بين الجائزتين وتبعه فى 2009 الإيفوارى ديديه دروجبا مهاجم تشيلسى، ثم مواطنه يايا توريه، لاعب مانشستر سيتى عام 2013 والجزائرى رياض محرز مهاجم ليستر سيتى العام الماضى وأخيراً 2017 محمد صلاح.