مناقشة عقوبة الإعدام هذه الأيام أمر شديد الصعوبة في ظل تصاعد أعمال الإرهاب الذي يعصف بحياة الأبرياء من المواطنين مسلمين ومسيحيين وأفراد وضباط الجيش والشرطة، فلا يزال البعض يعتقد أن تنفيذ أحكام الإعدام يؤدى إلى تحقيق الردع العام، بينما يرى البعض وعلى رأسهم منظمات حقوق الإنسان إن هذا الأمر يدخل البلاد في دائرة مفرغة من العنف الدموي، فمن وجهة نظر حقوق الإنسان- التي تتبنى مطالبة واضحة لإلغاء العقوبة واستبدالها بالعقوبات السالبة للحرية منذ إصدار البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسة عام 1989، ونص هذا البرتوكول في مقدمته أن الدول الأطراف في هذا البرتوكول إذ تؤمن بان إلغاء عقوبة الإعدام يسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان. وحماية الحق في الحياة الذي هو أسمى الحقوق، كما أن العقوبة في الحقيقة لا يمكن الرجوع فيها حالة إثبات أن المتهم برئ أو ظهور أدلة جديدة -بعد تنفيذ الحكم - بان المتهم كان برئ لاسيما وان القانون يعتمد الأدلة في إثبات التهمة على شهادة شهود أو أدلة مادية يمكن العبث بها لإثبات التهمة على شخص قد يكون برئ. في الحقيقة فان هذا التوجه الذي تبنته المواثيق الدولية وبشكل الخاص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسة في المادة 6 والتي أشارت إلى إلغاء عقوبة الإعدام وبشكل اختياري للدول قد تبنته الكثير من الدول فألغت كل الدول الأوربية عقوبة الإعدام وفى الولاياتالمتحدة هناك ولايات ألغتها بينما أبقت بعض الولايات على تطبيقها، ومهم أيضا هنا الإشارة إلى موقف دولة الجزائر التي أصدر الرئيس بوتفليقة قرار بوقف تنفيذ العقوبة أي بقاء العقوبة في نصوص قانون العقوبات لكن تجميد تنفيذ الأحكام التي صدرت بالإعدام. وتكتسب تجربة الجزائر أهمية خاصة لتشابه الوضع الذي تم وقف العقوبة فيه بالموقف في مصر الآن حيث تصاعدت أحداث العنف الدموي بعد إنهاء حكم جبهة الإنقاذ الجزائرية ذات التوجه الإسلامي الأمر الذي أدى إلى تكوين تنظيمات مسلحة ارتكب جرائم بالاغتيال والقتل لممثلين في الدولة والجنود والضباط وظلت لأكثر من عشر سنوات ارتكبت فيها جرائم شديدة الخطورة وعصفت بأرواح المئات من الأبرياء وصدرت بناء على ذلك مئات الأحكام بالإعدام، فجاءت مبادرة الدولة الجزائرية بتجميد تنفيذ الأحكام وأعقبها مبادرات لوقف العنف وتسليم الإرهابيين أنفسهم وأسلحتهم والتي نجحت إلى حد بعيد لوقف الحقبة الدموية في الجزائر. الموقف الداعم لعقوبة الإعدام في الحقيقة يتبنى نظرية الردع العام للعقوبة وهذا الأمر في الحقيقة يدعونا بالأساس إلى مناقشة فعالية العقوبة في تحقيق الردع العام فهل مواجهة الإرهاب الذي يتبنى عقيدة الموت والانتحار مؤسسة على اعتقادات دينية يمكن أن يتحقق معها الردع بعقوبة الإعدام أم أن هذا الأمر يؤدى إلى زيادة الأعمال الإرهابية بدافع إضافي هو أن الإرهابي إذا قبض عليه وتمت محاكمته فهو محكوم عليه بالإعدام وبالتالي فليس له إلى إمكانية للمراجعة أو التراجع وانه ميت ميت فليمت وهو يقاتل وينتقم لنفسه ولزملائه وفى حالة إعدام زملاء له فهو يقوم بأعمال جديدة إرهابية يستهدف بها مزيد من الأبرياء في دائرة من الدم لا تتوقف. في الحقيقة الحرب على الإرهاب تستهدف أن يكون لنا استراتيجية متعددة للمواجهة طبعا منها المواجهة الأمنية لكن أيضا هناك بعد آخر يناقش الأفكار المؤسسة لاستخدام العنف والإرهاب لتجفيف منابع التجنيد لعناصر جديدة أيضا وقف شهوة الانتقام الأمر الذي يتطلب أن لا نتسرع في تنفيذ الأحكام بالإعدام وان تظل لدى الدولة القدرة على تقديم مبادرات لكل من تبنى عقيد العنف والإرهاب بان يتراجع فعقوبة السجن المؤبد قد تكون فاعليتها اكبر كعقوبة مشددة وفى نفس الوقت لا تؤدى إلى توسيع الرغبة في الانتقام وهنا يجب الاسترشاد بالتجربة الجزائرية في تجميد عقوبة الإعدام وما تلاها من مبادرات أدت إلى وقف دائرة العنف الدموي.