شهدت العلاقات المصرية الأمريكية مدًا وجزرًا خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت خلالها الأصوات المطالبة بوقف ضخ المعونة الأمريكية التى تحصل عليها مصر سنويًا منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل فى عام 1979. فقد واجهت المعونة، البالغة 2.1 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار معونة عسكرية، و815 مليون دولار معونة اقتصادية، أكثر مرة تهديدًا بتجميدها، كما حصل فى أعقاب مداهمة منظمات المجتمع المدنى قبل شهور، ففى حينها برزت مطالبات بتجميدها ردًا على دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الحملة التى طالت المنظمات العاملة فى مجال دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقال أعضاء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكى وقتها، إن المعونة العسكرية الأمريكية السنوية لمصر "فى خطر حقيقى بسبب تحرش السلطات المصرية بالمنظمات الحقوقية الأمريكية غير الحكومية فى مصر". شركات الأسلحة الأمريكية ضغطت بشدة لاستمرار المعونة عقب أزمة منظمات التمويل بسبب الأضرار التى ستلحق بها ما لا يعرفه كثيرون أن هناك أطرافًا أمريكية تسعى ربما أكثر من الجانب المصرى تقاتل بضراوة من أجل استمرار المعونة، وتتمثل فى شركات السلاح الأمريكية التى مارست ضغوطًا على الإدارة الأمريكية، لمنع وقف المعونة العسكرية عن مصر فى أعقاب الأزمة، وبطبيعة الحال الهدف من ذلك هو الحفاظ على مكاسبها. وسرعان ما انقشعت الأزمة فى أعقاب قيام السلطات المصرية بترحيل المتهمين الأمريكيين إلى بلادهم، وتحت تأثير ضغوط مارستها شركات السلاح الأمريكية، خوفًا من أن يدفعها قطع المساعدات العسكرية عن مصر إلى إلغاء عقود شراء السلاح، وهو ما سيتسبب فى قطع خطوط إنتاج وتشريد عمال، الأمر الذى سيكلف دافعى الضرائب الأمريكيين نحو مليارى دولار كعقوبات تعاقدية إذا أوقفت جميع المبيعات فى وقت يسعى فيه الرئيس الأمريكى باراك أوباما لإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية. أموال المعونة العسكرية يتم تخصيصها بشكل أساسى فى تحديث المعدات العسكرية المصرية من خلال تغيير المعدات التى حصلت عليها من الاتحاد السوفيتى السابق بمعدات عسكرية أمريكية، والتى أضحت تشكل 52 بالمائة من مجموع المعدات العسكرية المصرية، استنادًا إلى إحصاءات أجريت فى أغسطس 2005. "جنرال دايناميكس"، هى واحدة من الشركات التى تعمل فى إطار تزويد مصر بالأسلحة وقطع الغيار فى إطار المعونة الأمريكية، وهى واحدة من أبرز الشركات العاملة فى إطار برنامج المعونة العسكرية لمصر، وهو ما دفعها إلى الضغط على المسئولين الأمريكيين لعدم الاستجابة للمطالبات بتجميد المساعدات، خوفًا من تضرر مصالحها وتكبدها خسائر إذا ما تم تجميدها. هذه الشركة جاءت فى المركز الخامس ضمن أكبر مائة شركة لبيع السلاح فى العام فى عام 2008، وقد حافظت على ترتيبها فى العام التالى 2009، وبلغت مبيعاتها حوالى 25 مليار دولار، وبلغت منها نسبة مبيعات السلاح 80 %. وقد أبرمت فى العام الماضى صفقة بلغت قيمتها 395 مليون دولار لتجميع 125 دبابة M1A1 Abrams، وتزويد الجيش المصرى بها، ليرتفع بهذا عدد الدبابات المصرية من هذا الطراز إلى 1130 دبابة، ومن المقرر أن تتم عمليات التسليم بين عامى 2013 و2016. وتعد الصفقة هى الحادية عشر منذ بداية الإنتاج المشترك فى عام 1992. علاء مبارك كان يعمل وكيلاً لشركة "لوكهيد مارتن" واختلف على عمولة صفقة مع شقيق بوتفليقة كانت سببًا فى أزمة حادة مع الجزائر أما "لوكهيد مارتن"، فتعد أكبر شركات العالم على الإطلاق فى مجال الصناعات العسكرية، وفى عام 2009 شكلت مبيعاتها العسكرية 74% من مجمل مبيعاتها، وكانت 7.1% من مجموع مدفوعات "البنتاجون" لهذه الشركة، حيث بلغت مبيعات الشركة لوزارة الدفاع الأمريكية فى عام 2009 38.4 مليار دولار، وهذه الشركة يوجد لها فرع بالقاهرة ومقره 19 شارع الشهيد حلمى المصرى مصر الجديدة. وفازت الشركة فى عام 2010 بعقد بقيمة 213 مليون دولار لتزويد الجيش المصرى ب20 طائرة مقاتلة من طراز إف 16 سى/ دى بلوك 52، وهذا الطراز من الطائرات الأمريكية هو الأحدث بالعالم، وتعتبر مصر من أولى الدول على مستوى العالم التى يسمح لها "البنتاجون" باستيراد هذا النوع من الطائرات الحربية. وهذه الشركة التى كان علاء مبارك وكيلاً لها فى مصر كانت سببًا فى خلافات بين نجل الرئيس المخلوع وسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة بسبب صفقة طائرات تقدر قيمتها بمليار دولار كان من المفترض إبرامها بين وكيل شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية بالقاهرة (علاء مبارك) وبين الجزائر مقابل حصول نجل الرئيس المخلوع على عمولة تقدر بمائة مليون دولار. ومع اقتراب إتمام الصفقة بين علاء كممثل للشركة بالمنطقة وبين الجزائريين، تدخل شقيق الرئيس الجزائرى وتعاقد مع وكيل فرنسى لتوريد تلك الصفقة الضخمة لبلاده وأخذ العمولة لنفسه والتى كان من المفترض أن يحصل عليها علاء مبارك. وتسبب هذا الأمر فى تدهور كبير فى العلاقات بين البلدين، وتدخل العقيد الليبى الراحل معمر القذافى لتنقية الأجواء ورتب لقاء فى طرابلس بين مبارك وبوتفليقة. شركة "سيفين" تتحدى القوانين وتقوم بفصل العمال المصريين "تعسفيًا" وتحرمهم من امتيازاتهم المادية أما شركة "سيفين"، وهى واحدة من الشركات العاملة فى إطار برنامج المعونة فقد اختارت حى المعادى الهادئ ليكون مقرها الرئيسى فى مصر ولها مقر ثان فى حى مصر الجديدة بأبراج عمارات طلعت بشارع عثمان بن عفان أمام مقر الكلية الحربية بجانب مقرين آخرين بالإسكندرية والإسماعيلية. وهذه الشركة تقدم خدمات لخبرائها المتعاونين مع القوات المسلحة المصرية فى إطار برنامج المعونة العسكرية من غذاء وخدمات طبية، وتقوم باستقدام خبراء أمريكيين تحت مسمى تطوير أسلحة وتدريب أفراد، ومعظم هؤلاء عديمو الخبرة، لكنهم فرضوا على الجيش المصرى فى إطار برنامج المعونة العسكرية. وتضم الشركة وملفها التأمينى يحمل رقم 1013026 مكتب تأمينات مصر الجديدة 1800 عامل مصرى، وهى لا تخضع لرقابة الأجهزة الرقابية فى مصر، وتعتبر شركة ذات سيادة أمريكية خالصة فوق الأراضى المصرية. وشهدت شركة سيفين الكثير من الاحتجاجات العمالية خاصة فى فرع الشركة بالإسماعيلية، فى يونيه2010، حيث اشتكى العمال من ممارسات إدارة الشركة فى مواجهتهم، وانتهاكها لقانون العمل، بفرض ساعات عمل إضافية، دون تقديم بدلات لهؤلاء العمال، كما تعددت الشكاوى من عمليات الفصل التعسفى بمساعدة مكتب "بيكر آند ماكنزى" فى مصر، فقد قامت الشركة بالفصل التعسفى لكثير من العمال، بالإضافة إلى حدوث تجاوزات أخلاقية كثيرة من أحد الخبراء الأمريكيين. وقد تقدم الموظفون بالشركة بمذكرة تفصيلية للدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء السابق بالمحضر رقم 29 محرم بك بتاريخ 7/12/2011، وكذلك للدكتور كمال الجنزورى رئيس مجلس الوزراء الحالى، تتضمن شكاوى من عمليات الفصل التعسفى وعدم استلام مستحقاتهم وإجبارهم على توقيع إيصالات أمانة لكى لا يطالبوا بمستحقاتهم وإجبارهم على التوقيع على "استمارة 6". وتنصلت الشركة من جميع الحقوق بحجة عمل عقود عمل مؤقتة، على الرغم من وجود رقم تأمينى لهؤلاء العمال ولم تمنحهم مكافأة نهاية الخدمة أو مقابل رصيد الإجازات، وفقًا لقانون الضرائب والعلاوات الخاصة لرقم 149لسنة 1988. كما اتهم العاملون بالشركة بعض الأمريكيين المسئولين عن إدارتها، بالتورط فى قضية تهريب آثار، حيث أكدوا أن الشرطة العسكرية قامت بضبط قطع آثار مهربة فى خلال أحداث ثورة يناير، بعد أن قام الثوار فى ميدان التحرير بمداهمة سيارة تابعة للشركة، تم الاشتباه فيها، نظرًا لأنها من نفس موديل السيارة التى قامت بدهس المتظاهرين، وبعد قيام الشرطة العسكرية بتفتيشها، تم العثور على آثار مهربة، وتم تحرير محضر بذلك. والسؤال الذى يطرح نفسه: كيف يتم التعامل مع الشركات الأمريكية والموجودة على الأراضى المصرية؟! ولماذا لا تخضع هذه الشركات لرقابة الأجهزة السيادية ووزارة القوى العاملة؟! وإلى من يلجأ العامل المصرى إذا تعرض لظلم وضياع حقوقه داخل هذه الشركة والشركات الأمريكية الأخرى؟