مقر الأممالمتحدة في نيويورك يوم الخميس 21/12/2017 كان ساحة لهزيمة مذلة للرئيس الأمريكي ترامب، وإدارته، وفشل لمنطق البلطجة الذي يسيطر عليهم في التعامل مع العالم الخارجي، خصوصاً العرب والمسلمين، فهم الحلقة الأضعف، والمنطقة الرخوة، لإدارة تحكم بمنطق العصابة. وكانت المنظمة الدولية ساحة أيضاً لانتصار فلسطيني عربي إسلامي كبير بدعم من دول العالم المحبة للعدل والحق والسلام، والمنزعجة من سلوك البيت الأبيض، وإهدار القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن، والرافضة للاحتلال الإسرائيلي، وضم أراضي الغير بالقوة، وخارج الشرعية الدولية. صوتت الجمعية العامة بأغلبية كاسحة لصالح مشروع قرار يتعلق بعدم تغيير الوضع القائم في القدسالمحتلة على خلفية قرار ترامب بالاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، قرار غبي لم يستفد منه شيئاً، بل بسببه يتعرض لمزيد من الانكشاف في الافتقار للرؤية والخبرة والحكمة السياسية والمسؤولية والظهور ضئيل مقارنة بأسلافه في قيادة الدولة العظمى والعالم. حارب ترامب ومندوبته في الأممالمتحدة نيكي هايلي بأكثر الوسائل انحطاطاً لمنع التصويت لصالح القرار، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً، تهديد مباشر وفج ووقح للدول الأعضاء بأنهم مراقبون وتصويتهم مرصود وأسمائهم ستُسجل والعقوبات تنتظرهم والأموال ستُقطع عنهم ولن يجدوا مساعدات ولا دعم من أمريكا عندما يأتون إليها، ولم تكن هايلي لوحدها التي تقول ذلك، إنما ترامب بنفسه أيضاً متصوراً أنه صار ملكاً متوجاً على العالم، أو وصياً عليه، أو مستعمراً له، أو أن القوة الهائلة لبلاده وحدها كفيلة بجعل كل البلدان ترضخ وتنحني متجاهلاً هذا الجهول في السياسة والعلاقات الدولية أن القوة لا بد أن تكون مقرونة بالشرعية وبالقيم الأخلاقية حتى تكون فعالة وتؤتي ثمارها. 128 دولة صوتت مع القرار من بين 172 دولة شاركت في الجلسة الطارئة، وهذه نتيجة كبيرة جداً، وفي ظل النشاط المحموم لإدارة ترامب، والتحركات الإسرائيلية الواسعة، ورفع سيف التهديد، فقد خشيت أن يُخفق القرار في تحقيق نتيجة محترمة تنصف الحق الأصيل للفلسطينيين والعرب والمسلمين في قدسهم ومقدساتهم، لكن لاتزال هناك إرادة دولية صلبة لا تعبأ بالوعيد حتى لو كان مصدره الكاوبوي الذي يدوس على كل القيم والمبادئ في سبيل أن يتسيد على الآخرين، وأن يفرض إرادته حتى لو كانت على باطل. الذين عارضوا القرار 9 دول فقط، كان معروفاً أن أمريكا وإسرائيل ستعارضان، والبلدان السبعة الأخرى التي انحازت للباطل تقع على هامش خريطة دول العالم، أسماء ربما نسمع عنها لأول مرة، كيف صارت دولاً؟، ومنذ متى؟، وكيف اكتسبت عضوية الأممالمتحدة؟، وغالباً هذه الكيانات المحدودة ليس لها سفارات في الخارج، ولا في إسرائيل نفسها حتى تنقلها للقدس، وإن كنا نتوقع أن تساعدها أمريكا وإسرائيل لإقامة سفارات شكلية في القدس حتى لا تبقى السفارة الأمريكية وحيدة بلا جار ولا ونيس عندما يتم نقلها. الذين امتنعوا عن التصويت كانوا 35 دولة، وهذا العدد أكبر مما يجب، موقفهم ضبابي، لا هم مع، ولا ضد، وفي القرارات الدولية المتعلقة بقضايا تاريخية وصدرت بشأنها قرارات من مجلس الأمن، وتتعلق بشعب محتل مضطهد من أبشع استعمار يمر على الأرض فإن الامتناع عن التصويت يخدم الطرف الظالم المعتدي، لو الممتنعين انحازوا إلى جانب الحق الفلسطيني في القدس، لكان عدد المؤيدين لقرار الجمعية العامة بات مذهلاً، لا نخفي أن دولاً منها تسيطر عليها أنظمة تخضع لإسرائيل، أو تقيم علاقات وثيقة معها، وبينها أنظمة لديها توجهات يمينية متشددة، وأخرى تخشى أمريكا وعقابها فعلاً، وهؤلاء لا يجب تركهم يمرون هكذا، بل على الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي التواصل معهم وتعزيز العلاقات لجذبهم قدر الإمكان إلى جانب الحق الفلسطيني والقضايا العربية والإسلامية العادلة. نعم، قرارات الجمعية العامة غير ملزمة، لكن هناك من يقول إن هذا القرار له حجية قانونية، خصوصاً وأن مضمونه يتعلق بقضية القدس، والأراضي المحتلة التي صدرت بشأنهم قرارات من مجلس الأمن، وفي الخلاصة، وأيا كان الوضع، فإن قرار الخميس هو انتصار سياسي وقانوني وأخلاقي وأدبي كبير للشعب الفلسطيني، لأنه يعكس موقفاً دولياً واسعاً قوياً ومتماسكاً ضد الغطرسة الأمريكية، والاحتلال الإسرائيلي، وانتهاك الحقوق بالقوة خارج الشرعيات والمواثيق والعهود والقوانين. ولو لم يكن القرار والتصويت عليه مهم جداً، فلماذا كان ترامب وهايلي يتصرفان كالمجانين لإفشال القرار، ويرفعان سقف التهديد والوعيد في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ أمريكا، والأممالمتحدة؟، ترامب لم يكن يريد أن ينكشف أمام ناخبيه، ولا العالم، بأن قراره خاطئ تماماً، وربما خياله السياسي المحدود صور له أن قراراته محصنة دولياً، ولا يجب أن تلقى معارضة من أحد باعتباره مثلاً ملك ملوك العالم، لكن تأتيه المعارضه من الجميع، وعلى رأسهم أقرب وأوثق حلفائه وداعميه عربياً وإسلامياً ودولياً، وتلك قاصمة له. [email protected]