تستغل بعض الأحزاب والقوى السياسية ضعف ذاكرة المصريين فى متابعة تفاصيل ما جرى فى الفترة الانتقالية, لذلك فإن تلك القوى تحلل الأحداث وفق مصالحها, وهذا ما جرى فى تعليقها على حكم المحكمة الدستورية العليا، والذى أفضى إلى حل مجلس الشعب. صورت الأحزاب وتحديدًا الحرية والعدالة وبعض النخب السياسية الحكم السابق بأنه انقلاب عسكرى ناعم، جرى خلاله توظيف الحكم لصالح المجلس العسكرى, وتلك أكذوبة سياسية كبرى, لأن المتابع لمرحلة إعداد قانون الانتخابات البرلمانية العام الماضى, سيكتشف عدم مصداقية هذا الادعاء, ويكفى أن تدخل على محرك البحث (جوجل)على الإنترنت وتبحث فى كلمات (قانون انتخاب مجلس الشعب واعتراض الأحزاب)، حيث سيخرج أمامك كم هائل من أخبار وتحليلات سياسية تؤكد ذلك, سأوجزها على النحو التالى: 1- فى منتصف العام الماضى, جرت عدة اجتماعات بين المجلس العسكرى والأحزاب والقوى السياسية والنخب بهدف مناقشة قانون الانتخابات البرلمانية, ورأى المجلس العسكرى إجراء الانتخابات عبر تقسيم مقاعد البرلمان مناصفة بين الأحزاب والمستقلين, بينما اعترضت كل الأحزاب وأصرت على إجراء الانتخابات بنظام القوائم, بهدف غلق الباب أمام مرشحى النظام السابق، الذى أسقطته الثورة. 2-ثم أصدر مجلس الوزراء فى 25 سبتمبر الماضى مشروع قانون الانتخابات البرلمانية لعرضه على المجلس العسكرى لاعتماده, وأهم ما ورد فيه كان استمرار مبدأ مناصفة المقاعد بين المستقلين والأحزاب, وكذلك البند الخامس الذى منح نصف مقاعد البرلمان للمستقلين بشرط عدم انتمائهم لأى حزب سياسى، وأنه حال نجاحهم فى الانتخابات فإن عليهم الاحتفاظ بصفتهم المستقلة, وإلا سقطت عضويتهم البرلمانية فورًا حال انضمامهم لأى حزب. 3-عندما عرض المجلس الأعلى على القوى السياسية مشروع القانون, فقد أبدت الأحزاب اعتراضها وطالبت برفع نسبة القوائم فى الانتخابات إلى الثلثين مع تخصيص الثلث الباقى للمستقلين, وبعد مفاوضات وافق المجلس, ثم زادت الأحزاب من مطالبها وأعلنت ضرورة تعديل البند الخامس من قانون الانتخابات البرلمانية, بما يتيح للأحزاب السياسية منافسة المستقلين على المقاعد الفردية, أى خوض الأحزاب المنافسة على كل مقاعد البرلمان, وبالتالى تحصل الأحزاب على فرصتين للفوز (قوائم وفردى)، بينما يحصل المرشح المستقل على فرصة واحدة. 4-اعترض المجلس العسكرى على مطلب الأحزاب ورأى فيه شبهة عدم الدستورية مما يهدد استقرار السلطة التشريعية, المفاجأة أن الأحزاب السياسية لم تلتفت إلى اعتراض المجلس العسكرى وهددت بالنزول إلى الميادين لتعديل القانون بضغط الميدان, بل أعلنت عدم خوض الانتخابات البرلمانية حال عدم تعديل المادة الخامسة والسماح للأحزاب بالمنافسة على المقاعد الفردية. 5-تحت الضغط الحزبى, وافق المجلس الأعلى على تعديل المادة الخامسة من قانون الانتخابات البرلمانية، والتى منحت الأحزاب المنافسة على المقاعد المخصصة للمستقلين رغم علم الأحزاب باحتمالية كبيرة للطعن على عدم دستورية البرلمان, ثم جرت الانتخابات وفق هذا القانون المعيب دستوريًا, والذى طعن عليه أحد المحامين أمام القضاء الإدارى, الذى طلب من المحكمة الدستورية الفصل فى مدى دستورية قانون الانتخابات البرلمانية وصدر الحكم الخميس الماضى، والذى أفضى إلى حل البرلمان. استغلت الأحزاب السياسية مثل الحرية والعدالة وبعض النخب, حالة عدم إلمام المواطنين بتفاصيل ما جرى فى مرحلة إعداد قانون الانتخابات البرلمانية ووصفت الحكم ونتائجه بأنه انقلاب عسكرى ناعم, بينما الحقيقة لم تكن كذلك على الإطلاق, والتفاصيل قمت بسردها وفق تسلسلها فى السطور السابقة. عندما غلبت المصلحة الحزبية على المصالح العليا للبلاد وصلنا للكارثة الحالية, وعلى الأحزاب السياسية كلها أن تلوم نفسها؛ بسبب أطماعها وغبائها السياسى.