كل الذين فرحوا بأول «برلمان» منتخب، وهللوا له، إلى حد الدعوة إلى استلامه السلطة التنفيذية من المجلس العسكرى، ربما يحزنهم كثيرا حكم المحكمة الإدارية العليا، الصادر يوم الاثنين الماضى، بإحالة بعض نصوص قانون انتخابات مجلس الشعب إلى المحكمة الدستورية العليا، لبيان مدى دستوريتها، وهو ما اعتبره قانونيون «مسمارا فى نعش البرلمان»، ينتظر من يدقه فى جسد «الوليد»، الذى خرج إلى الوجود محاطا بالكثير من الشكوك منذ يومه الأول. وسط تخبط فى صياغة المرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011، دفع المجلس العسكرى إلى تعديله فى مرسوم آخر برقم 123 لسنة 2011، وهو التخبط الذى كشفه المستشار مجدى العجاتى رئيس المحكمة الإدارية العليا، الذى أكد فى حيثيات الحكم أنه تبين للمحكمة «عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون، والفقرة الأولى من المادة السادسة، والمادة التاسعة «مكرر أ»، لأنها سمحت للأحزاب السياسية بمنافسة المرشحين المستقلين على نسبة ثلث مقاعد مجلس الشعب، مما يترتب عليه مزاحمة المستقلين فى مقاعد كان يجب أن تخصص لهم». ويكشف الحكم واحدة من الأزمات التى فجرها تخبط المجلس العسكرى، الذى أصدر فى البداية مرسوما بقانون لتعديل أحكام قانون مجلس الشعب، الصادر بموجب دستور 1971 الذى تم تعطيله فى 13 فبراير 2011، فقد تضمن المرسوم الأول أن يتم اقتسام مقاعد المجلس بالتساوى ما بين المستقلين والقوائم الحزبية، ولكن تحت ضغوط القوى السياسية، أصدر المجلس العسكرى مرسوما جديدا بتعديل المرسوم السابق، ويقضى بتخصيص ثلثى عدد المقاعد للقوائم، والثلث الباقى للمستقلين، وهو ما اعتبر حكم الإدارية العليا، أنه ينطوى على تمييز لفئة على أخرى، على أساس الانتماء الحزبى، الذى لم يفرضه القانون. وتثير إشارة «الإدارية العليا» إلى التمييز ضد المستقلين، وجود العديد من الخيارات التى رفضها المجلس العسكرى، قبل صياغة قانون مجلس الشعب، وهو خيار أن تجرى الانتخابات بالكامل بنظام القوائم، مع السماح للمستقلين بتشكيل قوائم خاصة بهم، وهو ما رفضه المجلس لأسباب غير واضحة. التخبط فى صياغة قانون مجلس الشعب، ربما يكون واحدا من أعراض الأزمة التى صنعها المجلس العسكرى نفسه، بالاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس الماضى، وهى التعديلات التى اختار بها طريقا معوجا للمرحلة الانتقالية، على الأقل بالنسبة للكثير من المصريين الذين رفضوا الاستفتاء، قبل أن يتجاهله المجلس العسكرى بنفسه، ويصدر الإعلان الدستورى فى 30 مارس الماضى، فالمسار المعوج للمرحلة الانتقالية، الذى خطه المجلس العسكرى، قاد إلى الكثير من الأزمات، ربما يكون أبرزها الإجهاز على شرعية مجلس الشعب، فى حالة إقرار «الدستورية العليا» لحكم «الإدارية العليا» بعدم دستورية المواد المشار إليها فى الحكم القضائى، لتفجر «خريطة الطريق» التى رسمها المجلس العسكرى منفردا، أو بالتوافق مع القوى السياسية التى استفادت وحدها من الانتخابات البرلمانية، ويعود المصريون إلى المربع رقم واحد. السنة الخامسة - العدد 343 - الاثنين - 27/02/2012