لاريب أن ما أعلنه نادي القضاة بالأمس عن تزوير نتيجة الانتخابات في دائرة بندر دمنهور بإسقاط المرشح الناجح الذي نال أغلبية كاسحة من الأصوات، وإنجاح المرشح الراسب الذي حصل على أصوات متدنية تبلغ ربع ماحصل عليه حشمت؛ تمثل فضيحة كبرى داوية للنظام الاستبدادي الذي لايقبل الآخر المختلف معه ، ولا يؤمن بالعدل منهجا يؤسس للحكم الناجح ،كما في كل الدنيا . لقد قام نادي القضاة بطلب شهادة القضاة الذين أشرفوا على الدوائر الفرعية في دائرة بندر دمنهور ، وشهد كل منهم بالأرقام الحقيقية التي حصل عليها كل من المرشحين ( حشمت ومنافسه) ، وتم تجميع ماحصل عليه كل منهما في سبعة وثلاثين ومائة صندوق ، باستثناء بعض الصناديق القليلة التي لم يتمكن النادي من الوصول إلى معرفة أعدادها ، وعلى فرض أن هذه الصناديق كانت كلها لصالح المرشح المنافس لحشمت فإن الفارق يظل بينهما كبيرا للغاية ، فقد كان مجموع ماحصل عليه حشمت في الصناديق التي شهد القضاة الذين اتصل بهم النادي تقول إن حشمت حصل حسب هذه الصناديق على مايزيد على أربعة وعشرين ألف صوت، وحصل المنافس على ما يقرب من تسعة آلاف صوت ، وهو ما حدا بالقضاة في ناديهم إلى مخاطبة السادة وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء والنائب العام لاتخاذ واحد من قرارين: إعلان النتيجة الصحيحة القاضية بفوز حشمت أو إعادة الانتخابات في دائرة بندر دمنهور ؛ مع محاسبة المسئول عن إعلان النتيجة غير الصحيحة ، وكان دافع القضاة في هذا السياق هو الحرص على سمعة القضاء المصري الذي من مهامه الأولى إقامة العدل وإنصاف المظلومين ، والوقوف ضد الجريمة والمجرمين أيا كانت مناصبهم وانتماءاتهم .. إن القضاة كما قال بيانهم ليسوا مجتمعا من الملائكة ، ولكنهم مجتمع طاهر ينقي نفسه بنفسه ؛ ليبقى ثوبه الذي يرتديه أو يشرف بارتدائه " ناصع البياض".. إن القضاة حين يطالبون بالتحقيق فيمن كان وراء جريمة التزوير الفاضح ، وتطبيق المادة 46 من القانون 73 للعام 1956والقاضية بحبس كل من يخالف نظام الانتخابات إجراء أو سلوكا إنما يعلنون عن المنهج الطبيعي لحراس القانون ، ويعبرون عن ضمير المجتمع الذي يرفض الجريمة ويكره المجرمين ، ولا أظن هناك جريمة اخطر مجرمين أشد إجراما من هؤلاء الذين يثق الناس في قيادتهم للبلاد بالعدل والحق وهم في واقع الأمر يزيفون إرادته ويدلسون عليه ، ويقهرونه على تقبل إرادتهم الظالمة المستبدة ! من المؤكد أن خطوة نادي القضاة في بيانه الذي نزل بردا وسلاما على صدر الأمة كان بمثابة طوق النجاة لمؤسسة ظل الناس في كل الظروف الصعبة التي مروا بها ينظرون إليها نظرة المنقذ من الضلال والظلم والقهر ، وقد جاء هذا البيان بعد الشهادة الشجاعة إلى أدلت بها المستشار نهى الزيني نائب رئيس النيابة الإدارية ، التي أعلنت عن فوز حشمت ، وأحقيته في مقعد البرلمان بأغلبية ساحقة ، وقد أعلنت شهادتها إبراء لذمتها أمام الله والمجتمع ، حتى لايقال إن القضاة أرغموا على التزوير وصمتوا ! إن لجوء السلطة المستبدة إلى التزوير الفاضح المكشوف أزاح عنها ورقة التوت التي تحتمي بها من خلال أجهزة الدعاية التي تسيطر عليها، أعني ادعاءها أنها تجري انتخابات شفافة ونزيهة ! فقد سقطت سقوطا داويا على مرأى ومسمع من الشعب أولا ومن العالم ثانيا وأثبتت أنها لايمكن أن تكون صادقة في كلامها ، أو أنها جادة في عملية الإصلاح التي تصدع بها رءوس الناس ليل نهار ، فهي محترفة للكذب ، وهي لاتريد الإصلاح ولاتسعي إليه ، لسبب بسيط جدا وهو أن الإصلاح سيهدد مصالح العناصر المهيمنة ، وسيوقف عملية النهب التي يقومون بها تحت مظلة القانون ، وسيفقدهم نفوذهم الذي يظلمون به الشعب ويبغون في الأرض فسادا ! كان يمكن لهذه السلطة الفاسدة لو كان لديها بعض الذكاء أن تعين خدامها الذي يهيمون حبا بها وبفسادها ويتعلقون بأذيالها من أجل شيء من النفوذ والسطوة في مجلس الشعب ، ولكنها تفضل أن تمارس غباءها الساطع لتفضح نفسها أمام شعبها وأمام العالم بأسره.. لقد لجأت إلى حيلة مكشوفة لتغطي جريمة التزوير في النتائج والبلطجة في الانتخابات ، حين وظفت مجموعة من خدامها المرتزقة في مجال الصحافة والكلام كي تهاجم الإسلام والمسلمين عبر صحفها وإذاعاتها المرئية والمسموعة ، ولا تسمح لأحد بالرد عليهم أو توضيح الحقيقة ، وظنت أنها بذلك ستحقق غاياتها الإجرامية دون أن تنال أي عقاب ، ولكن خاب سعيها ، فشعبنا من أذكي الشعوب التي تعرف ماوراء السطور والكلام ، وكان رد فعله الطبيعي إسقاط رموز السلطة في الانتخابات ، ورفضهم رفضا قاطعا ، والإعلان عن هويته الحقيقية وأشواقه المشروعة من خلال شعار " الإسلام هو الحل " ولو كره الشيوعيون والعلمانيون ، وخدام كل الأنظمة !! ولا أظن أن هذه الفضيحة الداوية يمكن أن تمر بهدوء ,وأن يستمتع اللص بما سرق من إرادة شعبية ترفضه وترفض نظامه، وظني أن المنظمات الشعبية لحقوق الإنسان والنقابات المهنية ، ومؤسسات السهر على رعاية الضمير الإنساني في مصر والعالم ستترك الفضيحة تمر دون تحقيق،أ وكشف للحقيقة ، ولن ينفع النظام ما يملكه من قبضة حديدية يتحرك بها للقبض على الشرفاء والأطهار ، وترك البلطجية والمجرمين يسرحون ويمرحون ويخيفون الناس ويروعونهم ، ويمنعونهم من الإدلاء بأصواتهم .