لا تندهش من وصفي للحقيبة المدرسية بأنها جبل!! نعم هي جبل إذا ما حملها ظهر طفل ، رغم أن وزنها لا يتعدي بضعة كيلوجرامات ؟! ، ذلك لأن الشيئ يُصبح ثقيلاً إذا كان حامله أضعف منه أو أن من يحمله ، يُعاني الوهن والضعف ، والطبيعي أن ظهر الطفل ليِن ورقيق ولا يستدعي تحميله فوق طاقته ، وكذلك العموده الفقري عند أي طفل ، يبدو ضعيفاً ويستدعي الرفق به . ورغم ذلك فإن ظهرالتلميذ وعموده الفقري ، يتحملا أوجاع حمل حقيبة المدرسة ، التي تحوي جميع الكتب الدراسية وملحقاتها من كتب التدريبات والكراسات والكشاكيل والمصحف الشريف ، وحافظة الأقلام وعلبة الألوان ، وكراسة الرسم والآلة الحاسبة ، وصندوق الغذاء ، وأكياس العصائر والأطعمه المجففة ، وزجاجة مياه للشراب ، بل ربما تحوي حقيبة التلميذ المدرسية أدوات أخري ، مثل هاتف التلميذ أو جهاز التابليت الخاص به أو بعض الكتب والمذكرات الخارجية ، وأحياناً الترنج الرياضي ، وكرة القدم ، وربما أكثر من ذلك !! ولعلك تعجب من الدافع الذي يدفع بالتلميذ ، لأن يجمع التلميذ كل هذه الأشياء معاً ، داخل حقيبته ، ويحملها ذهاباً وإياباً إلي المدرسة كل يوم ، علماً أنه ليس في حاجة إلي جميعها يومياً ، إلا إن كان يفعل ذلك جهلاً ، لعدم إدراكه بكيفية تنظيم الحقيبة المدرسية من خلال النظر في جدول الحصص اليومي الذي بحوزته ، كي يتثني له تحضير وإحضار الكتب اللازمة فقط ، بدلاً من أن يُبقِي داخل حقيبته ، كتب وأدوات أمس ، وهي بذلك عبء ثقيل علي ظهره ، علاوة علي إبقاء كتب الغد الذي لم يأتِ بعد ، داخل حقيبته ، إذن فالمطلوب من التلميذ بألا يُحضر إلا كتب يومُه فقط ، حتي لا يُتعب ظهره الضعيف ، الذي يكاد أن ينطق شاكياً ، من حجم المكتبة الضخمة التي يحملها ظهره يومياً ، ويظل بسببها مُتعباً يؤاسي الشقاء والشكوي طوال العام الدراسي !! وأحياناً أتعمد - أنا - أن أحمل أي حقيبة مدرسية ، أراها كبيرة الحجم ، لأختبر ثِقلها ، فأفاجئ - فعلاً- بأنها ثقيلة ، وهي بالطبع أثقل كثيراً علي ظهر تلميذ يتراواح عمره ما بين الست سنوات وحتي العشر سنوات ، ولذا فإن حتمية ضررها علي عموده الفقري واردة ، فتلك الحقيبة ، بمثابة العدو ، الذي يهدد ويتربص بصحة التلميذ وسلامته . ولذا فإن التلميذ ، عندما يصل بيته ، يسارع برمي حقيبته أو طرحها أرضاً من علي ظهره ، والعبوث يفترش وجهه من تلك الحقيبة الهائلة التي أثقلت ظهره ، وعكرت صفو سعادته !! وربما أن تلك المشكلة ، تظهر واضحة بصورة أكبر لدي تلاميذ الأرياف ، الذين يقطعون المسافات الطويلة ، من قُراهم إلي القري المجاورة ، سيراً علي الأقدام ، حراً وشتاءً ، وهم يحملون حقائبهم علي ظهورهم ، ليس أمامهم من بدُ غير ذلك ، وقد اعتادوا حمل الحقائب ، وقد كبتوا آلامهم وأوجاعهم ، ولو أن كل أسرة نظمت حقائب أبنائها ، مستعينين بجدول الحصص المدرسي ، حينها سيتقلص وزن كل حقيبة ، ولن يعد هناك ضرر أو أذي نخشي أن يصيب صحة أطفالنا البُرءاء . وقد تصبح معاناة حمل حقيبة المدرسة أكبر وأفظع ألماً ، لو حملها التلميذ علي جانب واحد من ظهره ، أي إذا علقها علي أحد الكتفين فقط ، فهو بذلك يركِز ثقلها علي ذلك الجانب ، مما قد يزيد شعوره بالأوجاع . وعندما يدق جرس الإنصراف ، يجري التلاميذ ، وحقائبهم الثقيلة علي ظهورهم ، فيُاجئهم الألم ، وهم لا يستطيعون أن يتخلصوا من تلك الحقائب ، كي يستمتعوا بفرحة الجري والمرح مع بعضهم البعض ، وكثيرهم يضطر لشد حقائبهم وجرها علي الأرض ، ليُريحوا ظهورهم من عناء حملها ، ولو شيئاً من الوقت . وكثيراً ما يقوم أولياء أمور التلاميذ بحمل حقائب أولادهم المدرسية ، علي ظهورهم ، رحمةً وشفقةً بفلذات أكبادهم ، فتجدهم يدخلون من باب المدرسة ، وكأنهم هُم التلاميذ أنفسهم ، فأفئدتهم فاضت حباً ورحمة بفلذات أكبادهم ، فحملوا حقائبهم ، فلا تتعب ظهور أبنائهم . وأحياناً يطلب أحد المُعلمين من التلميذ ، أن يحمل له داخل حقيبته كتاباً أو أكثر ، ثم يُحضرها معه في اليوم التالي ، مما يُثقل حقيبة التلميذ المسكين ، الذي يلبي أمر مُعلمه ، فرِحَاً راضياً ، أو ربما خوفاً من بطشه . وكثيراً ما يلجي المعلم لعقاب الطفل المشاغب أو كثير الضوضاء ، بإجباره علي الخروج من مقعده والوقوف بجوار باب الفصل، ثم يأمره - غاضباً - أن يحمل حقيبته من علي أرضية الفصل ، ثم يرفعها بذراعيه بضعاً من الوقت ، كي يتألم التلميذ ، ويشعر بالمهانة والذل أمام زملائه . وإذا زاد غضب المعلم علي تلميذه ، أمره أن يرفع حقيبته ، بذراع واحد فقط ، وإذا وصل غضب المعلم إلي ذروته ، أمر تلميذه أن يقف علي قدم واحده ، وهو حامل لحقيبته بذراع واحد ، حتي يشتد الألم علي التلميذ ، فيبكي مستعطفاً المعلم أن يعفو عنه ، إلا بعدما يُلقن التلميذ المُذنب درساً قاسياً في إحترام الحصة المدرسية ، وكثيراً ما يُصاب التلاميذ بأوجاع نفسيه ومعنوية ، إذا ما عوقبوا بأساليب غير تربوية !َ! مساكين أطفالنا ، كان الله في عونهم ، فَهُمْ يحملون أثقالاً صِعاباً تؤذي ظهور الأصحاء منهم ، فما بالكم بالمرضي والضعاف والعاجزين ، فلا معلم نصوح ينصحهم ولا ولي أمر فطِنْ ، فيُرشدهم وينبههم فتخِفْ أثقالهم ، وتصح ظهورهم ، فيسلموا ويسعدوا . [email protected]