أقل من ثلاثة أسابيع تفصلنا عن أهم استحقاق انتخابى فى تاريخ مصر منذ ما يقرب من ستين سنة، بل هذا الاستحقاق يمثل أهم المنعطف التاريخى الحقيقى لمصر بعد ثورة يناير. أقل من ثلاثة أسابيع تحدد وجهة مصر الحقيقية، أو إن شئنا الدقة معركتها الحقيقية بين الثورة والثورة المضادة. مصر على مفترق الطرق وهى لحظة فارقة وحرجة فى مسيرتها. مصر لا تختار بين اثنين مرشحين بل بين نهجين وطريقين وفريقين. لقد تمت انتخابات الجولة الأولى فى درجة من درجات الحرية النسبية وإن لم تكن نزيهة تمامًا والشواهد على ذلك كثيرة منها الحقيقى والذى يحتاج إلى تأمل ودراسة بل والبحث فى جذوره القانونية ومدى طعنه فى صدقية نتائج تلك الانتخابات، ومنها الذى يندرج فى تعداد القرائن. أنقل من على حساب الأستاذ أحمد نزيلى على فيس بوك، يقول: هل تعلم: عدد الناخبين المسجلين فى الكشوف فى الانتخابات البرلمانية سبتمبر 2011 كان 45 مليون مواطن مصرى. هل تعلم: عدد الناخبين المسجلين فى الكشوف فى الانتخابات الرئاسية مايو 2011 هو 53 مليون ناخب. ... معنى هذا أنه قد تم إضافة متوسط 8 ملايين مواطن بلغوا سن 18 سنة خلال الستة أشهر الماضية أى من مواليد عام 1993. وهذا يعنى أن عدد مواليد مصر عام 1993 هو 8 ملايين نسمة. وهل تعلم: أن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء يقول: إن عدد مواليد مصر عام 1993 هو 759 ألف طفل فقط لا غير. أيضًا ما تردد عن استخراج بطاقات الرقم القومى بمهن غير عسكرية لمئات الألوف لمجندى الأمن المركزى وأمناء الشرطة (شفيق طلع الأول فى كل المناطق التى بها معسكرات للأمن والجيش). لقد جرت انتخابات الجولة الأولى وقد تمت هندستها سلفًا ليس بالتزوير الخشن (تزوير عصر مبارك) الغبى الفج وليس بالبلطجية يشهرون أسلحتهم وليس بشراء الأصوات فى المزاد العلنى، إنما تمت هندسة النتائج بالتزوير الناعم الذى يجرح شرعيتها، إنما لا يسيل دماءها. لقد تم العمل على إخراج نتائج تبدو للرائى نزيهة وإن لم تكن كذلك. وأحسب أن كثيرًا من تلك الحقائق والأدلة والشواهد والقرائن سيكون مدخلاً للطعن فى شرعية نتائج الانتخابات كلها فيما بعد، وما دعوات حمدين صباحى بوقف الجولة الثانية إلا أثر من تلك الآثار. إنما على فرض استمرار الأمر الواقع ومد الخط على استقامته وتحصين تلك النتائج المعيبة بالصلاحيات الإلهية لنتائج اللجنة العليا للانتخابات تظل الثلاثة أسابيع القادمة تحتاج إلى جهد مكثف من جميع الأطراف. يقول أستاذنا الدكتور سيف الدين عبد الفتاح: "الإخوان ليست لهم اليد الطولى.. هذا ما يؤكده فارق النصف فى المائة لشفيق.. والفارق الكبير الذى يمثله إجمالى أصوات حمدين وأبو الفتوح عن أصوات محمد مرسى.. نعم: الإخوان فقدوا نصف قوتهم التصويتية! إذا قرأنا الانتخابات قراءة صحيحة سننتج قرارًا صحيحًا بشأن مرحلة الإعادة.. بغير ذلك لن نمضى صكًا على بياض للإخوان.. يجب أن يقرأ الإخوان النتائج قراءة صحيحة لعلهم ينتجون خطابًا جديدًا قادرًا على إقناع الناس بالتوافق الوطنى الحقيقى. مصر على مفترق الطرق وهى تحتاج من كل الأطراف الإسلامية والثورية والوطنية إلى التحلى بقدر من شجاعة الاعتراف بالأمر الواقع.. إن فصيلاً وحده غير قادر على حسم معركة الإعادة أمام الفل الكبير أحمد شفيق رئيس وزراء معركة الجمل والذى يريد أن يعيد إنتاج نظام مبارك. مصر على مفترق الطرق، وهى تحتاج من كل الأطراف الإسلامية والثورية والوطنية التفاهمات حول "مشروع" كبير يجمع مختلف الأطراف ويجد كل فريق مكانًا محترمًا فيه، بلا إقصاء ولا تهميش ولا ترضيات زائفة لتمرير اللحظة أو الخداع لكسب الأصوات ثم قلب ظهر المجن. تفاهمات حقيقية حول مستقبل مصر كيف يكون وبأى شكل تسير مرحلة الثلاثة أسابيع القادمة الحاسمة وبعد هزيمة الفل الكبير بتحالف قوى وحقيقى له جذوره وواقعه على الأرض، تحالف يضم كل الحالمين بمستقبل أفضل لهذا البلد. لسنا فى لحظة عناد ولا غرور كاذب لا تحتملهما الأيام والأسابيع الحالية. وليس هناك طرف يعيش أوهامًا كاذبة بالنصر (فليس هناك نصر أصلاً) ولا حتى فارق كبير فى الكتلة التصويتية. الخطر يعيشه الجميع وعلى الجميع أن يستشعره بصدق.