في (مناطق الجيزة مثل البدرشين وطرقها السريعة) محيطها شهد العديد من العمليات الإرهابية خلال الأشهر الماضية ، وهي عمليات جبانة راح ضحيتها بعض رجال الشرطة ، ومن الواضح أنها عمليات مخططة ودرست المكان والزمان وحركة الكمائن وأوقات تغيير الورديات وطرق الهروب من المنطقة ونحو ذلك مما نشرته الصحف نقلا عن المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية أو المصادر الأمنية المسئولة التي لا تريد لأمر ما أن تكشف عن اسمها ، والجريمة الإرهابية الجبانة التي وقعت فجر اليوم كانت تحمل نفس ملامح العمليات السابقة في تلك المناطق ، وراح ضحيتها أحد الضباط الشبان وأصيب أربعة آخرون ، المفارقة هنا أن السيد وزير الداخلية ، أمس ، وقبل ساعات من وقوع العملية الإرهابية ، كان يتفقد قوات الأمن ويتابع يقظتها ويهنئها على الدور البطولي الذي تقوم به من أجل الوطن ، غير أن تلك الجولة الأمنية الرائعة كانت في ميدان التحرير ، حيث تم قمع ومنع مظاهرات سلمية مفترضة تعترض على اتفاقية تيران وصنافير ، ولم تكن جولة السيد الوزير على مناطق الخطر الحقيقي والتحديات الإرهابية المتكررة في أوتوستراد المعادي ومحيطه . المفارقة ربما تساعد على معرفة أولويات السلطة الحالية في التحديات التي تواجهها الدولة ، وما يشغلها بالأساس ، وما تعطيه اهتماما استثنائيا وتكافئ عليها رجالها ، وبوضوح ، تكشف تلك المفارقة عن أن الأولوية الفعلية ليست مواجهة الإرهاب الدموي الغادر ، وإنما مواجهة القوى الوطنية المعارضة لبعض الاختيارات السياسية للنظام وبعض قراراته ومواقفه ، ليست ملاحقة الإرهابيين القتلة وأوكارهم وخططهم ، وإنما ملاحقة النشطاء السلميين الذين يرفضون اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير ، والقبض عليهم من بيوتهم ومن أماكن عملهم ، أولويات السلطة الآن ليست تأمين الكمائن الأمنية والطرق السريعة من مخاطر الإرهاب الغادر ، وإنما تأمين سلالم نقابة الصحفيين لمنع ظهور حناجر وأصوات تهتف : مصرية مصرية . تعبنا وتعب غيرنا من الناصحين من التأكيد في كتابات سابقة على خطأ استنفاد جهد كبير وطاقة هائلة للمؤسسة الأمنية في معارك سياسية لا تقتضي ذلك الجهد كله ، بينما البلد تواجه خطر الإرهاب الجديد والذي يزداد توحشا بصورة متنامية ، وتتسع جغرافية نشاطه الإجرامي ، والذي تمدد من سيناء إلى الدلتا ثم القاهرة ثم صعيد مصر ثم الصحراء الغربية ، بينما الخطط الأمنية تزداد استنفارا لملاحقة النشطاء السياسيين ، وخاصة المؤمنين بثورة يناير وأهدافها ، وترهيب أي وقفة احتجاجية سلمية مهما كانت محدودة ورمزية ، ورصد الجمعيات الأهلية "المتمردة" وخاصة المهتمة بقضايا حقوق الإنسان وإدراج نشطائها على قوائم المنع من السفر مثلهم مثل الإرهابيين ، وملاحقة الصحفيين والقبض على بعضهم أو محاكمة آخرين وسجنهم وتشديد الرقابة على الصحف المتبقية ، وغلق المواقع الإخبارية للصحف وغيرها التي لا تأتمر بأوامر الباشوات الجدد ، واستجلاب أحدث التقنيات لمراقبتها أو حجبها أو اختراق حسابات أصحابها والعبث بها ، وغير ذلك من أمور لا تليق أبدا بدولة تواجه خطرا إرهابيا متناميا ، ولا تعطي انطباعا عن جدية جهودها في حماية الوطن من خطر الإرهاب ، بقدر ما هي معنية بحماية النظام من ضغوط معارضيه السياسيين .... إلى هنا انتهى نص المقال . كتبت هذا المقال ونشرته بنصه الكامل في هذه الزاوية قبل ثلاثة أسابيع تقريبا ، بتاريخ 18 يونيه 2017 الماضي ، ولم أغير فيه حرفا ، إلا أني وضعت البدرشين مكان المعادي : (جريمة المعادي الإرهابية وأولويات السلطة الأمنية)، ويمكن للقارئ الكريم ملاحظة أنه كأنما كتب لحادثة اليوم ، فهل تغير شيء ؟ وهل تعدلت أولويات السلطة الأمنية ؟ وهل وضعنا الوطن قبل الكراسي ، وهل تطور شيء في مواجهة الإرهاب ، وهل اهتم أحد بسد الثغرات الأمنية ، وهل اهتمت القيادة السياسية بمحاسبة أي مقصر في دم أبنائنا ، وهل راجع أحد أحدا ، مع الأسف ، وحده الإرهاب ، هو الذي يتطور ويصعد ويوسع عملياته التي أصبحت شبه أسبوعية . رحم الله شهداء الوطن والواجب ، وألهم أهلهم الصبر ، وخفف عنهم آلامهم ، وعوضهم خيرا . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1