لا أعول كثيرا على نتائج زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لأمريكا اليوم ، ولا أظن أني وحدي في ذلك ، بل لاحظت أن وهج تلك الزيارة لدى أنصار السيسي نفسه أقل كثيرا مما كان يحدث سابقا ، واختفى الحديث عن "الزيارة التاريخية" ، خاصة وأن المعلن عن الزيارة غامض ، ولا يحمل أي ملفات محددة أو واضحة ، أو تحظى بأهمية استراتيجية لمصر ، كما أن الرئيس المصري وهذا هو الأهم لا يحمل في يده وهو يلتقي ترامب أي أوراق ذات قيمة كبيرة لدى صانع القرار الأمريكي . الملفان الأساسيان اللذان يهتم بهما السيسي في زيارته هما : الاقتصاد والإرهاب ، وفي كلا الحالتين لا يوجد أي مشترك كاف بين الجانبين ، فلا التصنيف الأمريكي للإرهاب يتماهى مع الرؤية المصرية ، وخاصة في موضوع الإخوان ، ولا الأولوية الأمريكية لتنشيط الداخل وتوفير فرص عمل للأمريكيين تحفل بهموم مصر ورئيسها الاقتصادية ، فضلا عن أن تكون مستعدة لمساعدته في ذلك ، فترامب منذ مجيئه وهو يتعامل كتاجر يبحث في مجال التصدير ونقل النشاطات الصناعية لبلاده لتوفير فرص عمل لمواطنيه ، هذا فضلا عن سمة التردد الواضحة على إدارة ترامب في قراراتها على مختلف الأصعدة ، بل وتراجعها عن قراراتها أو تعديلها باستمرار ، سواء في الشأن الداخلي أو في الشئون الدولية ، وموقفها المرتبك والغامض من الملفات التركية والإيرانية والسورية والليبية واضح بما يكفي . واشنطن استبقت زيارة السيسي بالإعلان عن تجميد فكرة تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية ، وهو الأمر الذي مثل صدمة كبيرة ، لأن الإدارة المصرية كانت تحتفل مبكرا جدا بهذا القرار وأنه شبه مفروغ منه ، وأن ترامب هو حليف السيسي في حربه على الإخوان ، كما أن الحديث في واشنطن يدور حول المعونة العسكرية لمصر ، وليس أي شيء آخر ، وبالنظر إلى أن مشكلة مصر الآن ليست عسكرية من أي وجه ، خاصة وأن البلد لا تتعرض لأي تهديد بحرب تقليدية واسعة من أي جار ، ولسنوات طويلة مقبلة ، وإنما معارك صغيرة مع تنظيمات إرهابية محصورة في مساحات صغيرة من الأرض وسط تفوق تسليحي هائل للجيش ، وإنما الدعم الذي تبحث عنه مصر ويمثل إنقاذا حقيقيا هو الدعم الاقتصادي ، وهو ما لم تقدمه ولا حتى وعدت به الإدارة الأمريكية الجديدة . السيسي في رحلته سوف يتحدث لوسائل الإعلام كما يلتقي رجال أعمال ومستثمرين ، والإعلام الوحيد الذي يحتفي به هناك الآن هو إعلام اليمين المتطرف المعادي للعرب والمسلمين ، وقد حجزت قناة "فوكس" رأس حربة هذا الجناح موعدها في لقاء مع الرئيس المصري ، وبالنظر إلى أن غالبية الإعلام الأمريكي في خندق الصراع المرير مع ترامب وإدارته وأسلوبه وحلفائه ، فلك أن تتصور نظرتهم للسيسي الذي يقدم نفسه كحليف وصديق حميم لترامب . وبخصوص رجال الأعمال ، فما الذي عسانا نقدمه لهم الآن ، وإذا كان رجال الأعمال المصريون يعانون ويضجرون بالشكوى من العقبات الإدارية والقانونية والبنكية والمخاوف على كل الصعد ، فما هو المغري للخواجات لكي يغامروا بأموالهم هنا ، وكذلك توسع السلطة هنا في تسييس العلاقة مع رجال الأعمال وإخضاعها لموازين وحسابات ولائية وليست اقتصادية أو علمية ، هو توجه يقلق أي مستثمر محلي أو أجنبي ، هذا فضلا عن فوضى القرارات الاقتصادية في مصر طوال الأعوام الثلاثة الماضية ، ودخول الدولة في مشروعات ضخمة بدون أي دراسات جدوى حقيقية ، واختلاط الأهداف المعنوية والسياسية مع منطق الجدوى الاقتصادية مما تسبب في تجميد مشروعات وإلغاء أخرى عمليا ، واضطراب الرؤية حتى لدى المواطن العادي فيما يمكن أن يحدث غدا . ملف واحد سيكون المحور الأهم في تلك الزيارة من المنظور الأمريكي ، وهو الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" ، فشعار ترامب الأعلى طوال مشواره الانتخابي وبعد نجاحه هو التخطيط لفرض سيادة "إسرائيل" على كل جيرانها ، وضمان تفوقها الشامل في جميع المجالات العسكرية وغيرها ، وفي هذا الإطار وحده سيكون لقاء السيسي / ترامب . https://www.facebook.com/gamalsoultan1/