دخلت القوات الأمريكية وحلفاؤها في سوريا مرحلة مهمة للسيطرة على مدينة "الرقة" المعقل الأهم والأخير لتنظيم داعش في الشام ، ومن المنتظر أن يتم تدمير المدينة وتحويلها خرابا ، وإعادتها مائة عام إلى الوراء في نهاية المطاف ، ومع خروج آخر مقاتل من داعش ، وهم قطعا سيخرجون منها كما خرجوا من جميع المدن التي دخلوها سابقا . الرقة لم تكن الحاضرة السنية الوحيدة التي تم تدميرها باستخدام "فزاعة" داعش ، فقد سبقتها مدن عدة ، لعل أبرزها مدينة الفلوجة العراقية التي دمرت بصورة شبه كاملة بعد أن دخلتها داعش ، ثم كانت معركة الموصل التي تم تسليمها لعدة مئات من مقاتلي داعش مع مئات الأطنان من العتاد والذخيرة بشكل غريب ما زال يمثل لغزا أمام المحللين ليعلنوا فيه دولة خلافتهم ، ثم تم حشد ستين دولة مع الجيش الطائفي في العراق لدخول المدينة لتطهيرها من داعش ، وبعد عدة أشهر لم تعد هناك مدينة تدعى الموصل غالبا ، حيث تحولت أحياؤها إلى دمار وحطام وبقايا حاضرة إنسانية ، وبدأ فصل جديد حاليا بعد "زرع" عناصر من داعش في الأنبار ، وبداية حملة إعلامية للحديث عن ضرورة تطهير الأنبار من التنظيم الإرهابي ، والآن تجري كما أشرنا معركة تدمير ومحق مدينة الرقة . داعش التي ولدت في العراق وتمددت في سوريا ، كانت حبل الإنقاذ الأهم لنظام القاتل الدموي بشار الأسد ، وبعد أن كان العالم في سنوات الثورة السورية الأولى ، وقبل ظهور داعش ، في إجماع على ضرورة رحيل بشار لوحشيته ودمويته وتورطه في جرائم ضد الإنسانية ، تراجعت بعد ذلك عواصم غربية عديدة عن جعل رحيله أولوية ، لأن داعش أصبحت هي الأولوية ، بعد الصورة الوحشية التي قدمت بها نفسها للعالم في استعراض للدم والكراهية بصورة غير مسبوقة ، كما كانت داعش هي مسمار التثبيت للنظام الطائفي في العراق ، حيث كان هناك توافق أمريكي أوربي على أهمية ذلك حتى لا يسقط العراق فريسة لتنظيم داعش ، فالنظام الطائفي بوحشيته وخروجه على أبجديات المدنية والحضارة أخف الضررين في نظرهم ، كما أن تنظيم داعش يمثل الآن حبل الإنقاذ الأساس الذي تتعلق به معظم النظم الديكتاتورية في المنطقة ، فكلهم يدعي وصلا بالمعركة ضد داعش وإرهابها ، وكل ديكتاتور يؤسس شرعيته الآن على حماية البلاد من خطر الإرهاب الداعشي ، وهو يضمن بذلك كامل الدعم من الخارج والتسامح مع جرائمه ضد شعبه أيا كانت . داعش يتمدد الآن في أماكن أخرى ، فقد زرعوه في أفغانستان ، بعد أن أعياهم تدمير حركة طالبان وكسر شوكتها ، وظهور اقترابها من استعادة السيطرة على البلاد ، وها هي داعش الأفغانية تنشر فيديوهات ذبح كوادر ومقاتلي طالبان وتفجير المدنيين ، ويستغرب العقلاء أي معنى لوجودها هناك ، ولكن يبدو أن "المحترفين" رأوا أن استنباتها هناك هو الحل لتدمير طالبان وأفغانستان معها ، وهناك الآن بوادر لظهور الدواعش في الهند وفي الصين خاصة إقليم تركستان حيث يعاني المسلمون الإيجور من التمييز العرقي والقهر الديني ، وبظهور داعش ستتحول معركة الصين إلى معركة أخلاقية ، لأنها ضد الإرهاب وليست ضد مطالب مشروعة لشعب معتدى عليه في دينه وهويته . داعش تم توظيفها أيضا لنشر الكراهية ضد العرب والمسلمين في أوربا وأمريكا ، من خلال عمليات قتل همجية يقوم بها أفراد معظمهم منحرفون سلوكيا وحشاشون ومرتادو ملاهي ليلية ومتهمون بالسرقة بالإكراه وغير متعلمين أو أنصاف متعلمين ، ثم ظهرت عليهم فجأة علامات التدين ، وإذا بهم يفجرون أنفسهم في منشآت أو مطاعم أو يدهسون الأبرياء في الطرقات بصورة عشوائية ، والغريب أن تلك العمليات الإجرامية كانت في العواصم التي عرفت بموقفها المتشدد ضد نظام بشار الأسد وتعاطفها مع الشعب السوري والمطالبة بإنقاذه من الجلاد وزبانيته ، مثل باريس وبرلين ولندن ، وقد نجحت تلك الأعمال الغامضة في تحقيق عدة أهداف أهمها محاصرة النشاطات الإسلامية في الغرب وفرض رقابة شاملة على أي وجود عربي وإسلامي وصدور تشريعات جديدة عاجلة ضد المظاهر الإسلامية مثل الحجاب والنقاب والتشدد في دخول وخروج المسافرين العرب والمسلمين وطرد الآلاف من اللاجئين وإعادتهم لبلدانهم وغير ذلك من إجراءات مثلت ضررا فادحا بالوجود العربي والإسلامي هناك ، إضافة إلى النجاح في تقوية التيارات اليمينية المتطرف في العواصمالغربية ، وتخفيف الضغط الدولي عن بشار الأسد وبقية الديكتاتوريات المشابهة في المنطقة . ظهر خليفة داعش أبو بكر البغدادي مرة واحدة ، في خطبة غامضة بالموصل ، وبعدها اختفى تماما ، ولا يعرف أحد هل هو حي أم ميت الآن ، حيث كثرت الأخبار المتعارضة ، ولكن الحقيقة أنه عاجز عن أن يظهر ولو مرة واحدة ، كما أن هياكل قيادة التنظيم الدولي غير معروفة ، فهل هي بقايا من حزب البعث العراقي ، وهل هي اختراقات من كوادر بالاستخبارات السورية ، وهل هي صناعة أجهزة استخبارات دولية عالية الاحتراف ، غالبا لن يتم الكشف عن تلك المعلومات الآن ، ربما بعد عشر سنوات أو أكثر ، تكون الصفحة قد طويت ، وتم رسم الخريطة الجديدة للشرق الأوسط لمائة عام أخرى مقبلة ، فيتحدث المؤرخون عن حكايات الخليفة أبو بكر البغدادي وقصص داعش كفصل جديد من حواديت ألف ليلة وليلة . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1