يرتكز الخطاب الرسمي المصري في موقفه المشين تجاه محنة الشعب السوري على فرضية أن نظام بشار الأسد الدموي الإجرامي يحارب الإرهاب في سوريا ، وأن أزمة سوريا تتلخص في الإرهاب والتنظيمات الإرهابية ، وهذا ما يردده إعلام الأجهزة هنا في القاهرة ، والمؤسف أن هذه رؤية شديدة السطيحة تجاه أزمة سوريا ، ويكفيك بسهولة شديدة أن تنظر إلى أولويات الهجوم السوري والروسي الأخير بالطيران والصواريخ والمدفعية وحرق المدن ، إنه لا يتجه إلى "الرقة" عاصمة داعش الإرهابية ، ولكنه منصب فوق رأس "حلب" عاصمة الثورة ، وأيقونة صمود الشعب السوري في وجه الديكتاتور ، فالمستهدف هي الثورة والشعب وتركيعه وليس الإرهاب ، وبشار هو المستثمر الأكبر في الإرهاب ، وليس هو الذي يحارب الإرهاب . عندما قامت ثورة الشعب السوري في العام 2011 ، بالتوازي مع ثورة الشعب المصري والتونسي والليبي واليمني ، فيما عرف بالربيع العربي ، كان شباب سوريا الرائع مثل شباب مصر وشباب ثورة يناير ، يرفعون اللافتات في الميادين ، ويغنون ويرقصون شوقا للحرية وسلاحهم هو "الدبكة" الشامية المعروفة ، ولافتات القماش التي يحمل بعضها معاني فكاهية وطريفة ، أشواق بريئة للحرية والكرامة بعد سنوات طويلة من القمع والاستبداد والمعتقلات والإقصاء وسيطرة أجهزة أمنية وحشية على كل تفاصيل الحياة في سوريا ، لم تكن هناك داعش ، بل لم تكن داعش قد ولدت أصلا ، لكن كان هناك منظومة إرهابية رسمية أكثر وحشية من داعش ، فأمر بشار الأسد بنزول الدبابات ليس للتهويش بل لضرب أطفال المدارس بالذخيرة الحية وكل من ينزل إلى الميادين يرقص أو يغني أو ينشد للحرية يتم سحقه تحت جنازير الدبابات ، وتلك مشاهد محفوظة بعضها الآن بالصوت والصورة لمن أحب ، وصمد الشباب السوري طويلا أمام تلك الوحشية ، لكن الطاغية أوغل في الدم والكراهية مدفوعا بأحقاد طائفية وفزع من أن تنتزع الأغلبية الحكم ، وهي مسألة مفضوحة من عهد أبيه وكان الرئيس السادات رحمه الله قد أعلنها واضحة صريحة في خطاب تاريخي شهير له . وبدأ الديكتاتور بشار الأسد يستعين بتنظيم حزب الله الشيعي اللبناني المتطرف ليساعده على قمع الشعب السوري ، فبدأت انشقاقات تحدث في الجيش النظامي من فرط ما رآه الجنود والضباط من الدماء والوحشية ، وخرج آلاف من الجنود والضباط رفضا لقتل السوريين والمتظاهرين المدنيين ، وبدأوا يشكلون بداية ما يعرف بالجيش السوري الحر ، واتسع نطاق الانشقاق ، وانكسرت شوكة الديكتاتور الدموي حتى وصل الثوار إلى أبواب العاصمة دمشق وأصبح حكمه يترنح ، فلجأ إلى استحضار الجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني ، ثم استقطب المنظمات الشيعية الإرهابية من العراق مثل ما يسمى عصائب الحق وغيرها ، ومن أفغانستان ، وحول بلاده إلى ساحة للفوضى المسلحة ، فنتج عن تلك الفوضى شقوق تمددت فيها جماعات دينية متشددة ، كانت بالعراق أساسا ، ثم تسللت في الفوضى إلى سوريا ، فكانت داعش وكانت النصرة ، وهناك عشرات الأدلة على أن قادة تلك المنظمات كانوا حلفاء للاستخبارات السورية ، نسق معهم ولعب بهم بشار في العراق في وجه الأمريكيين عندما خشي أن يبطشوا به بعد صدام ، وحتى وقت قريب كان بشار يتاجر في النفط مع داعش ، وداعش والنصرة هما تنظيمان من بين أكثر من عشرين تنظيم ثوري مسلح في سوريا لم تصنف الأممالمتحدة أيا منهم ككيانات إرهابية ، فقط صنفوا داعش والنصرة ، وداعش تحديدا تحارب ثوار سوريا والجيش الحر أكثر مما تحارب جيش بشار . هناك إجماع دولي الآن على أن بشار الأسد ودمويته وإجرامه وطائفيته هي التي مزقت سوريا ، وهي التي تجعل التراب السوري معرض للتفتت والشعب للتشرذم ، وبالتالي هناك إجماع دولي باستثناء حلفاء بشار الشيعة ومعهم روسيا لحسابات خاصة بها على أن استمرار وجود بشار هو كارثة على المنطقة والعالم ، وأن الحل في سوريا يبدأ بإبعاد هذا الطاغية الذي قتل نصف مليون إنسان من شعبه وشرد نصف الشعب تقريبا في أنحاء الأرض ، حوالي ثمانية ملايين سوري ، ناهيك عن أعماله الوحشية تجاه مدن سوريا حيث كان يقصفها بالبراميل المتفجرة فحول الكثير منها إلى أطلال مدن وبعض الأحياء سواها بالتراب ، ثم استعان أخيرا بالروس ومنحهم قواعد وحصانات مذلة من أجل إنقاذه واستكمال التدمير لبلاده . باختصار ، إن من يقف إلى جوار بشار الأسد اليوم هو الذي يدعم الإرهاب وهو الذي يغذي الإرهاب وهو الذي يستثمر في الإرهاب وهو الذي يصنع البيئة السياسية النموذجية لاستنبات المزيد من الإرهابيين ، ومن يقف في وجه بشار ويعمل على إزاحته هو في الحقيقة والجوهر الذي يواجه الإرهاب وهو الذي يقدم حبل الإنقاذ لسوريا ، شعبا ودولة ، وهو الذي يحمي المنطقة من نيران التشرذم والعنف والإرهاب ، وأن وجود بشار ليس ضمانة بقاء الدولة ، بل هو ضمانة بقاء الإرهاب . الذي ثار على بشار الأسد في سوريا لم تكن داعش ولكنهم شباب سوريا بصدورهم العارية ، والذين قتلهم بشار بالدبابات في شوارع وميادين دمشق وحلب وحمص وحماة لم يكونوا دواعش وإنما طلاب مدارس وأساتذة جامعات وأطباء ومهندسين وصحفيين ، في سوريا قضية شعب يباد ، وطاغية ورثه أبوه السلطة بتغيير الدستور خلال نصف ساعة في انتخابات مزيفة حصل فيها الولد الصغير على 99% وهي النكتة العربية الشهيرة التي أصبحت مضرب الأمثال على تزوير إرادة الشعوب وحتى احتقارها ، في سوريا قضية حاكم خان وطنه وباعه لحلفائه الطائفيين ثم باعه من جديد للاحتلال الروسي ومنحهم الحق المطلق في بناء ما يشاءون من قواعد ومطارات ، في سوريا جريمة إبادة بشرية على يد نظام طائفي إجرامي لا يليق بأي دولة محترمة أن تقف إلى جوار مرتكبها أو أن تبرر له جريمته .