ثورة الشعب السوري هي الأعظم بين ثورات الربيع العربي من أكثر من وجه، فهي الأطول عمرًا لأنها دخلت الآن عامها الثالث وهي أطول مدة عاشها حراك شعبي منذ تفجر ثورة تونس، كما أنها الأكثر دموية لأنها ليست أمام نظام سياسي، وإنما تنظيم طائفي يحكم قبضته على مفاصل الدولة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية والاقتصادية وهو من نوعية التنظيمات التي لا يمكن خلعها إلا بالدم، ولذلك عندما بدأت ثورة الشعب السوري البطل سلمية وخرج الآلاف في الشوارع والميادين بصدورهم العارية يغنون للحرية والكرامة لم يتورع الطاغية المجرم عن حصدهم بالرشاشات ثم نزل لهم بالمدرعات، وكان يتعمد التنكيل بالأطفال والنساء لتخويف الشعب في مشاهد مروعة تناقلها الإعلام الدولي لبشاعتها، ورفض أن يقدم لشعبه أي إصلاح أو حتى وعود به، هو يعرف أنه إذا تقدم خطوة واحدة في طريق الإصلاح فإن ذلك يعني انهيار نظامه، لأنه منظومة كاملة من العنف والسيطرة الأمنية والوحشية المروعة والرعب الذي يسود كل شيء في سوريا، فالعصابة لم تستح أن تجمع البرلمان في نصف ساعة لتغيير الدستور ليصبح سن الرئيس على مقاس سن الوريث الشاب، كما لا يحفل هذا الطاغية بسخرية الناس من نتائج انتخابه بتسع وتسعين في المائة، ولما وصل القتلى المدنيون الأبرياء إلى الآلاف بدأ بعض أبناء الجيش السوري في الانشقاق لرفضهم المشاركة في تلك المذابح الدموية لأبناء شعبهم، ثم بدأ هؤلاء الجنود المنشقون يشكلون كتائب لحماية المتظاهرين ثم تطور الأمر بعد استخدام النظام للدبابات والطائرات إلى تشكيل جيش وطني حر لمواجهة الطاغية وعصاباته الطائفية، وقد هرب من طغيانه وفساده ودمويته قيادات عسكرية وأمنية وسياسية بمن فيهم رئيس وزرائه إضافة إلى ملايين السوريين الذين مثلوا اليوم أعظم محنة يعرفها العالم للاجئين، وعندما بدا أن الطاغية يترنح تدخل حلفاؤه الطائفيون في إيران والعراق ولبنان لإنقاذه، وعندما كانوا يواجهون الاتهامات بالتورط في ذبح الشعب السوري كانوا ينفون ذلك ويكذبونه، ثم بعد أن بدأ سقوط القتلى من شبيحتهم وعرض الأسرى منهم بالاسم والصفة بدأوا يتراجعون ولم يجدوا بدًا من الاعتراف بتورطهم في العدوان على الشعب السوري، وقال الدجال حسن نصر الله إنه أرسل ميليشياته لكي يدافع عن فلسطين من سوريا لأنه لو سقط بشار ضاعت فلسطين، وهو كلام أصبح مضرب الأمثال في التنكيت بين الكتاب وصفحات الإنترنت من فرط استهباله، وتجاهله أن الزمان فات على خطابات التضليل، وأن الناس تعرف أن الطريق إلى القدس لا يمر عبر حمص وحلب والقصير، وكان اضطرار هؤلاء المعتدين الغزاة إلى الاعتراف بتورطهم اعترافًا ضمنيًا بأن جيش الطاغية ينهار وأنه عاجز عن الصمود أمام الثوار، رغم الحصار الإجرامي الذي فرضه الأمريكيون والغرب على تسليح الثوار، بينما الجسر الجوي من موسكو وطهران يتدفق بأحدث أنواع الأسلحة على بشار وعصاباته. من هنا كان تداعي علماء الأمة الإسلامية إلى نجدة الشعب السوري بالسلاح والمال والرجال، واعتبار ذلك من أولى الفرائض على كل مسلم، وبدأت توابع النفير العام بإعلان جماعات إندونيسية عن الدعوة لتحضير مليون مجاهد للذهاب إلى سوريا وفي الكويت الإعلان عن تجهيز اثني عشر ألف مجاهد بكامل عتادهم للذهاب إلى سوريا وهناك الآلاف في عواصم عربية وإسلامية يحتشدون الآن لتلبية النداء، وسيعلم المتآمرون عواقب تآمرهم على الشعب السوري ودم الأطفال والنساء والشيوخ وعذابات الملايين من اللاجئين الذين هربوا من الجحيم الذي تصبه على رؤوسهم طائرات الطاغية وصواريخه التي ادخرها لمقاتلة شعبه وليس لمقاتلة أعداء الأمة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.