أي جنس من المخلوقات أولئك الطغاة الذين يجثمون على بلاد العرب هذه الأيام ، إنهم وحوش ضواري ، بلا قلب ولا عقل ولا خلق ولا أبسط معاني الآدمية ، المشهد السوري وحده الذي أصبح مادة يومية لوسائل الإعلام العالمية بشع للغاية ، وبعض مشاهد السحق والسحل للمتظاهرين والمواطنين العزل والتباهي بالرقص على جثثهم أو أجساهم المقيدة والملقاة على الطرقات تكشف عن طبيعة هذا النظام الذي طالما "دجل" على العرب بأنه نظام المقاومة والممانعة ، بينما يخاطب صهر الرئيس الأسد وأحد رموز الفساد والنهب في سوريا ، يخاطب الواشنطن بوست الأمريكية قائلا بكل فجور : إذا ذهب الأسد فلن يضمن لكم أحد أمن إسرائيل . يوميا تحصد آلة القتل والإبادة للنظام السوري الدموي العشرات من المواطنين ، حتى أصبح خبرا معتادا كل صباح أو كل مساء أن نقرأ "تعداد" القتلى الجدد في سوريا ، والغريب أن هذه الوحشية تحدث دون أن تطرف عين للأشاوس من الكتاب والمثقفين والناشطين "والمناضلين" الذين كانوا يتناوبون الزيارة كل عدة أشهر بين القاهرةودمشق ، متغنين بالنظام السوري وبسالته ، لم يفتح أحدهم فمه أو قلمه بكلمة واحدة الآن يندد فيها بهذه الوحشية ، أو حتى يترحم على هؤلاء الأبرياء الشهداء ، بمن فيهم عشرات الأطفال الذين شاهد العالم جثثهم ، لم يناشد أحدهم ، مجرد مناشدة ، هذا الطاغية الوحشي الذي يحكم دمشق بأن يوقف آلة القتل المروع ، ناهيك عن أن يطالبوه بمنح الشعب السوري حريته ، وحقه في الحياة الكريمة وفي الاختيار وفي التعبير ، هؤلاء جميعا شركاء في القتل ، ولسوف يسألهم الله ، ويسألهم التاريخ عن هذا الخزي الذي يتعايشون معه . عندما كان السوريون يصرخون في العالم كله أن نظام الأسد نظام "طائفي" وعائلي لا صلة له بأي نظام جمهوري أو ملكي أو نظام دولة حديثة ، لم يكن أحد يسمع ، الآن العالم كله في مواجهة علنية وفاضحة مع "أسرة الأسد" التي وزعت السلطات فيما بينها ، بشار رئيسا ، وشقيقه قائدا للجيوش الفعلية ، وبقية أصهاره وأعمامه وأخواله يتوزعون امتلاك الآلة العسكرية والمؤسسة الأمنية والاستخبارية والمؤسسات الاقتصادية الرئيسية ، وأبناء الطائفية العلوية التي ينتمي إليها يسيطرون على مفاصل القوات المسلحة السورية والحرس الجمهوري والأجهزة الأمنية ، ليس هذا فقط ، وإنما شكل شقيق الأسد من أبناء طائفته ميليشيات للبلطجة المسلحة تعيث فسادا في ربوع سوريا ، ويقتلون بدم بارد الأطفال والنساء والشيوخ والرجال ، ويسحلون المئات في الشوارع بلا رحمة . مئات الآلاف من السوريين هاجروا من بلادهم على مدار السنوات الماضية هربا من القتل والاعتقال والتعذيب والاستباحة ، وتقابلهم في معظم عواصم الدنيا حيثما سافرت ، يتنسمون أخبار البلد وتجيش صدروهم وهم يتذكرون كل شيء فيها شجرها وبيوتها وشوارعها ووديانها وناسها ومساجدها وحتى طعامها ، لكن خروجهم بتسلل وبطء وفي ظل الدعاية السوداء للنظام القمعي لم يلفت نظر العالم ، الآن أتت طوابير الآلاف من السوريين الذين يفرون يوميا باتجاه تركيا والآلاف الأخرى التي تنتظر دورها لكي تبلور تلك المحنة أمام العالم بصورة صادمة وصريحة ، يروون مشاهد الرعب وحكايات الإجرام على يد البلطجية "الشبيحة" من ميليشيات آل الأسد وطائفته ، قبل أن تبدأ قوات الجيش "جيش المقاومة" في قصف المدن والقرى وهدم البيوت على رؤوس سكانها وحرق المزارع والممتلكات وحتى المواشي ، كما تفعل أي قوات احتلال غاشمة ووحشية . حتى تركيا التي طالما دافعت عن نظام الأسد ، ثم نصحته ، لم تملك في النهاية إلا أن تعلن غضبها الشديد مما أسمته "فظاعات" يرتكبها نظام الأسد مع مواطنيه وسلوك غير أخلاقي وغير إنساني تجاه شعبه ، وبدأ هناك تفكير في أن يوجد الجيش التركي مناطق آمنة داخل الحدود السورية لوقف تدفق اللاجئين إلى الداخل التركي ، ولو حدث ذلك سيكون نقطة تحول خطيرة في تلك الأحداث . مظاهرات السوريين التي تستمر منذ أسابيع طويلة حدث أسطوري بكل المقاييس لمن يعرف حجم الخوف والرعب الذي رسخته مؤسسات الأمن والاستخبارات السورية بين الناس هناك على مدار السنين حتى أصبح المواطن يخاف من ظله ، الآن انتفض السوريون وكسروا حاجز الخوف ، كما أن الإصرار على التظاهر والانتفاض رغم الدماء المتدفقة والشهداء كل يوم يؤكد على أن الشعب السوري أصبح واثقا من النصر وأنه في الطريق إليه ، والطاغية بدأ يشعر بالحصار ، بعد أن هرب الجميع منه إقليميا واستشاط العالم كله غضبا من وحشيته التي لا يبالي بصورها ومشاهدها المروعة ، ولم يبق معه إلا حلفاؤه في طهران وميليشيات الحرس الثوري الإيراني . [email protected]