1- على مدار الإسبوع الماضي ظهر بالإعلام المصري والأجنبي عدة تصريحات هامة جدا لو ربطنا بينها بشكل واضح لرائينا صورة مجاعة وعطش بالدولة المصرية لم تحدث بتاريخ هذه البلد منذ أيام الشدة المستنصرية في نهاية القرن ال 11 الميلادي أي قبل 1000 سنة مضت. حيث توقف نهر النيل عن فيضانه في أشهر الصيف ولمدة 7 سنوات عجاف إنهت على معظم الشعب المصري وأخرجت من داخله أسوء ما به من أخلاق وقيم. حيث كان الرجل يخشي أن يموت من الجوع بوسط الشارع فيأكله جيرانه . بينما إنتشرت البلطجة في الشارع المصري بشكل هدد كيان الدولة ويذكر ابن إلياس أن الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها. 2- لم تكن الشدة المستنصرية هي الأولي في تاريخ مصر بل تكررت من قبل عدة مرات وربما لم يسجل التاريخ والأديان منها إلا شدة النبي يوسف إبن يعقوب والتي ذكرت تفاصيلها في جميع الأديان السماوية. وكيف أن النيل جف لمدة سبع سنوات عجاف جعلت المصريين يبعون أنفسهم لأغنياء القوم كعبيد مقابل إطعامهم ومدهم بالحبوب. فباع الرجل زوجته وإبنته بعدما باع إبنه من قبل. 3- عندما تناقش أي مواطن مصري اليوم عن إحتمالية حدوث شدة مثل الشدة المستنصرية قريبا على أرض مصر بعدما أعلنت إثيوبيا عن نيتها بداء التخزين بسد النهضة مع بداية فيضان النيل الأزرق في شهر يوليو القادم. أي بعد قرابة شهر من اليوم. يجيبك على الفور بأن مصر مذكورة في القرآن وأن الله حاميها من كل شر ولن يصبها ما أصاب الدول الأخري من جفاف وعطش. وتزداد حيرتك عندما تكتشف أن ما يقوله المواطن المصري ليس مجرد (رأي) بل (إعتقاد إيماني متين). وربما يرجع هذا الأمر نفسيا لكوننا كأبناء الشعب المصري لم نأخذ (نهر النيل) يوما مأخذ (سلبي) . ولم يخطر ببالنا يوما أن نتسأل هل جريان النيل بأرض مصر هو أمر بديهي مثل وجود شواطئ للبحر بالإسكندرية ومرسي مطروح. أم أنه قد يكون أمر (عارض) وقد يتوقف يوما عن الجريان بأرض مصر. 4- الواقع الجديد يؤكد أننا كشعب مصري تغافلنا عن الإجابة الصحيحة لهذا السؤال, وإرتكنا لما في ضمئرنا من إيمان وعقيدة بأن مصر محفوظة في القرآن والإنجيل وأنها مآوي الأنبياء على مدار التاريخ. فلقد هاجر إليها نبي الله إبراهيم عندما تعرضت بلدته للجفاف وهاجر إليها نبي الله يعقوب أيضا بعدما تعرضت بلدته للجفاف وقلة الحبوب, وإحتلها الإغريق والرومان للسرقة ما لديها من خيرات زراعية وحبوب أنعم بها الله على شعبها من خلال نهر النيل. ولذلك فأن يتخيل المواطن المصري اليوم تعرضه هو وأولاده للعطش والجفاف يوما قريبا هو أمر أكبر من قدراته (التخيلية) .. فإيمانه يجعله يري الجفاف واقع على الأخرين ولكن أبدا لن يصيب مصر المحروسة. 5- بينما المواطن المصري المتدين بطبعه غارقا في (إيمانه بمصر المحروسة) نشرت القناة الثانية الإسرائيلية الإسبوع الماضي تحقيقا أعلنت فيه إسرائيل إكتمال بناء جدار عازل يمنع نزوح الشعب المصري إليها يوم ما يتعرض للعطش بسبب سد النهضة. إسرائيل التي كان أهم مطالبها سابقا هو تشجيع المواطنين المصريين على التطبيع معها قد إستكملت بناء جدار عازل لمنع دخول المصريين إليها عند ظهور نتائج جفاف النيل قريبا بسبب سد النهضة. هذا في وقت يتجاهل الإعلام المصري تماما تابعيات سد النهضة بل أنه يتعمد إغراق الشعب المصري في التافهات والإسفاف وأخبار الفنانين وكأن سد النهضة يبني باليابان وليس له أي تأثير على الشعب المصري. 6- لم يكتفي القدر بصفعته للدولة المصرية وإظهارها على أنها عالة حتى على إسرائيل التي كانت تتمني التطبيع مع الشعب المصري قبل سنوات مضت فإذا بها اليوم تبني جدار عازل تمنعه من الوصول إليها. فلقد أعلن المهندس/ عبد اللطيف خالد رئيس قطاع توزيع المياه بوزارة الري يوم 20 مايو أن فيضان عام 2016 كان هو الأسواء منذ 113 سنة وأن الوزارة قد سحبت من المخزون الإستراتيجي لبحيرة ناصر أي المخزون الميت تحت (147).
7- وعلى الجانب الاخر من وزارة الري صرح المهندس/ هاني دعبس رئيس قطاع الري بالوزارة أن الوزارة والتي تسحب من المخزون الميت لبحيرة ناصر قد قررت صرف 250 مليون متر مكعب يوميا بداية من 20 مايو والذي هو بداية ري المحاصيل الصيفية والتي تحتاج تصريف يعادل 250 مليون متر مكعب يوميا حتى نهاية شهر يوليو 2017. والسؤال هنا هل سحب (250 مليون متر مكعب) يوميا من المخزون الميت لبحيرة ناصر ولمدة تعادل 70 يوم أمر يستحق أن نقف عنده ونتسأل وماذا بعد؟؟.
8- والسؤال هنا.ماذا بعد سحب كل تلك المياه من المخزون الميت لبحيرة ناصر. كم سيتبق للشعب المصري وهل سيكفي هذا لإنقاذه من شدة مستنصرية جديدة؟؟. 9- الإجابة تأتي إلينا من خلال قراءة القمر الصناعي Janson3 التابع لوزارة الزراعة الأمريكية والذي يتابع مناسيب بحيرات السدود حول العالم ويلتقط صورة لبحيرة ناصر كل 10 أيام. حيث أكدت القراءت الحديثة للقمر الصناعي أن منسوب بحيرة ناصر قد إنخفض عن المنسوب الأعلى للتخزين الميت ب 52 سم يوم 2 مايو 2017 ثم توالي الهبوط حتى 86سم يوم 12 مايو.
10- معني هبوط منسوب بحيرة ناصر ب 86 سم عن منسوب التخزين الميت ببحيرة ناصر يعني ضمنيا أن تروبينات السد العالي متوقفة منذ شهر فبراير الماضي. حيث هبط منسوب البحيرة ل (150 فوق سطح البحر) وهو منسوب توقف التروبينات الأمريكية الحالية والتي تم إحلالها مكان التروبينات الروسية التي كانت تتوقف عند منسوب (147).
11- وعليه فعندما يكون منسوب البحيرة يوم 12 مايو يعادل (147- 0.86= 146.14) ثم نخصم منها ما تم صرفه للري المحاصيل الصيفية أي (250 مليون *70 يوم= 17.5 مليار متر مكعب) . فهذا يعني أن ما تبق من المخزون الميت لايزيد عن 10 مليار متر مكعب. فإجمالي المخزون الميت يعادل 31 مليار متر مكعب منهم 2 مليار متر مكعب ترسيبات طينية و29 مليار متر مكعب ماء. 12- فهل ما تبق من ماء بعد ري المحاصيل الصيفية يكفي الشعب المصري؟؟ هل 10 مليار متر مكعب كافية لسد ظمأ الشعب المصري؟ وهل تلك الكمية كافية أن تجري في المقاطع المفتوحة لنهر النيل والترع حتى تصل لمحطات التحلية بالإسكندرية والقاهرة ومدن الوجه البحري.؟؟ 13- بالطبع هذه الكمية غير كافية بتاتا لملء مقاطع نهر النيل والترع ما لم يأتي تدفقات ضخمة من إثيوبيا تعيد بناء المخزون الميت. وهذا لن يحدث هذا العام أو العام المقبل أو بعد ذلك. فإمتلاء سد النهضة خلال 3 سنوات لايعني نهاية الأزمة حيث سيبدأ سد (مندايا) شقيق سد النهضة في بداء ملء خزانه بمجرد الإنتهاء من إمتلاء خزان سد النهضة ومن بعدهما سيبدأ ملء خزان الشقيق الثالث (مابيلا) ثم رابعهم الشقيق (كاردوبي). أي أن بحيرة ناصر لن تتسلم نقطة ماء واحدة من نهر النيل الأزرق حتى نهاية عام 2024. بينما سيظل النيل الأبيض ونهر عطبرة هما الشريانان اللذان قد يبقيا قلب مصر نابضا لبعض الوقت. ولكن بشرط نقل تدفقاتهما عبر أنانبيب معدنية لمدن الوجه البحري وليس عبر المقاطع المفتوحة لمجري النيل والترع.
14- الشهر الماضي صرح الدكتور بهي العيسوي المستشار الجيولوجي السابق للسيسي أمام مؤتمر للرجال الأعمال أن منسوب بحيرة ناصر قد هبط خلال عام 2016 لمنسوب 145 أي تحت منسوب التخزين الميت أي أن جميع التروبينات كانت متوقفة تماما ولولا فيضان أغسطس 2016 لتعرضت مصر للعطش بداية من أغسطس 2016. وعلى الرغم من منحنا رب العالمين فرصة تاريخية خلال عام 2016 لندبر أمرنا ونفكر ما يجب علينا فعله لمنع تكرار وضع الشعب المصري في هذا المأزق الوجودي مرة أخرى نجد السيسي وعساكره يبذرون ثروات البلاد على بناء فنادق للؤاءات الجيش ومنتجعات بجانب فنكوش العاصمة الإدارية وفنكوش ال 1.5 مليون فدان متجاهلين تماما الأزمة القادمة شهر أغسطس 2017 وإستحالة جريان ما تبق من مياه بالمخزون الميت داخل مقاطع مفتوحة ولابد من نقلها عبر عدة أنابيب معدانية بقطر على الأقل (1.0 متر).
15- فهل يسعي السيسي وجيش خير جنود الأرض!! في إبادة أبناء الشعب المصري بمواجهتهم بالواقع فجأة ورمي اللوم على (أهل الشر) كالعادة.؟؟ فسياسة دفن الرئس في الرمال كالنعامة وتغيب الشعب عن مصيبة سد النهضة لن يحل الأزمة بل يجعل الشعب المصري ضحية سهلة ومستعدة للذبح طواعية على مذبح الأحباش؟؟ 16- فمصر التي تسحب اليوم من المخزون الميت للسد العالي على أبواب (الشدة السيسياوية) والتي ستبدأ تدريجيا مع بداية ملء خزان سد النهضة في بداية شهر يوليو 2017 حيث سينخفض منسوب بحيرة ناصر لمنسوب الجفاف تماما مثلما فعل (سد جيبي 3 الإثيوبي) مع بحيرة (توركانا بكينيا). ضع هذا الوضع مع اقتصاد هش وجنيه غرقان أمام الدولار وفساد مالي وإداري منتشر في الدولة كسرطان النخاع . يضاف لهذه الخلطة الشيطانية تمزق إجتماعي وسرقة علنية لموارد البلاد والعباد من قبل جيش خير جنود الأرض!! ومع الأخذ في الاعتبار عدد السكان والأمراض المتفشية بينهم والفقر المدقع الذي يعيشون فيه. فمصر محتاجة معجزة إلهيه قبل أن يهلك الحرث والنسل وتفكك روابط الدولة وربما يعاد إحتلال أجزاء منها من قبل جيرانها. حفظ الله مصر من أي شر وأتمني هذه المرة أن تكذب القطنة؟؟