خطة للاستفادة من أبحاث جامعة طيبة في تطوير مدينة الأقصر الجديدة    الخشت يستعرض تقريرا حول تطور ترتيب جامعة القاهرة فى علوم الحياة والطب بتصنيف "QS" خلال 7 سنوات    عاجل: أسعار الذهب في مصر بمستهل تعاملات اليوم السبت 20-4-2024    صناعة الحبوب: التوافق على طرح رغيف الخبز السياحي وزن 80 جراما ب 1.5 جنيه و40 جراما ب 75 قرشا    20 أبريل 2024.. نشرة أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    مدبولي: تشغيل تجريبي لإنتاج أول مقاسات لإطارات السيارات الملاكي والميكروباص وعربات النصف نقل    وزير الإسكان يتابع التعاون مع شركاء التنمية من الوكالة الألمانية    «الكهرباء»: انعقاد منتدى ترابط قطاع الطاقة فى افريقيا بشرم الشيخ غداً    بالفيديو.. التنمية المحلية تكشف تفاصيل بدء المرحلة الأخيرة من الموجة 22 لإزالة التعديات على أراضي الدولة    أسعار الأسمنت اليوم السبت 20-4-2024 في محافظة قنا    مقتل 5 فلسطنيين برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس بالضفة الغربية    العراق: مقتل عنصر من الحشد الشعبي واصابة 8 آخرين بانفجار داخل معسكر "كالسو" شمالي بابل    التحالف الوطني: نعمل على دعم أهالي غزة.. و"مفيش ونوم"    حكومة باربادوس تعترف بدولة فلسطين    حرس الحدود الأوكراني يستهدف زورقا عسكريا روسيا جنوب البلاد    40 دقيقة في غيبوبة.. لؤي وائل يكشف تفاصيل إصابته أمام بلدية المحلة    البلاستيك يصطدم بشباب قليوب وبنها يواجه المرج في جولة نارية بالقسم الثالث    الجزيري: أغلقنا صفحة القمة.. وهدفنا التتويج بالكونفدرالية    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بطريق الواحات    انتشال جثة غريق بمياه نهر النيل بمنطقة أطفيح    اليوم.. محاكمة المتهمين في قضية رشوة مياه أسوان    ناقد فني عن صلاح السعدني: ظنوه «أخرس» في أول أعماله لإتقانه الكبير للدور    بسبب تكاليف حفلاته الباهظة.. تامر حسني يعلن إقامة مهرجان سنوي للمدارس يحمل اسمه    فضل الذكر: قوة الاستماع والتفكير في ذكر الله    «الصحة»تخطط لتحسين جودة الخدمات المقدمة للأطفال والمراهقين    صحيفة لوفيجارو الفرنسية تلقى الضوء على تطور الهيكل العسكرى الإيراني    التنمر على هذه الفئات يعرضك للحبس 5 سنوات    جدول مباريات اليوم.. 4 مواجهات قارية مختلفة للأهلي.. ظهور للزمالك.. وقمة سيتي وتشيلسي    إصابة 16 شخصًا في حادث إنقلاب سيارة ميكروباص بطريق القاهرة الفيوم الصحراوي    تواصلت مع دولتين .. هل تبحث حماس نقل مقرها إلى خارج قطر؟    كيف أدعو الله بيقين؟ خطوات عملية لتعزيز الثقة بإجابة الدعاء    الحماية المدنية تسيطر على حريق منزلين فى سوهاج    يُغسل ولا يُصلى عليه.. حكم الشرع تجاه العضو المبتور من جسد الإنسان    بالأسماء.. غيابات الأهلي أمام مازيمبي في دوري أبطال إفريقيا    عمر مرموش يساهم بهدف في فوز آينتراخت فرانكفورت على أوجسبورج 3-1    ملامح التعديل الوزاري المرتقب .. آمال وتحديات    مشتت وفاصل ..نصائح لتحسين التركيز والانتباه في العمل    7 أيام في مايو مدفوعة الأجر.. هل عيد القيامة المجيد 2024 إجازة رسمية للموظفين في مصر؟    الإفتاء: التجار الذين يحتكرون السلع و يبيعونها بأكثر من سعرها آثمون شرعًا    عاجل.. الأمن يعيد فتاة الصف المتغيبة "فرح محمد"    فودة وجمعة يهنئان أسقف جنوب سيناء بسلامة الوصول بعد رحلة علاج بالخارج    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    حدث بالفن| وفاة صلاح السعدني وبكاء غادة عبد الرازق وعمرو دياب يشعل زفاف نجل فؤاد    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    يسرا: فرحانة إني عملت فيلم «شقو».. ودوري مليان شر    أهالي قرى واحة الفرافرة في ضيافة الأسبوع الثقافى الفني بالوادي الجديد    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    انفجار في قاعدة كالسوم في بابل العراقية تسبب في قتل شخص وإصابة آخرين    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    فحص السيارات وتجديد الرخصة.. ماهى خدمات وحدات المرور المميزة فى المولات    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    ناقد رياضي شهير ينتقد شيكابالا وتأثير مشاركاته مع الزمالك .. ماذا قال؟    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصيام في القرآن والسنة ( الحلقة الأولى )


أولا : الصيام في القرآن :-
وردت كلمة الصيام واشتقاقاتها في القرآن الكريم أربعة عشرة مرة وهي حسب الترتيب :
في سورة البقرة 7 مرات :
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فليصمه وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) }
ثم في الآية 196 من نفس السورة الكريمة :
قال تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (196)
في سورة النساء مرة واحدة :
قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } (92)
ثم في سورة المائدة مرتين :
قال تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (89)
وقال تعالى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } (95)
ثم في سورة مريم مرة واحدة :
قال تعالى : { فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً } (26)
ثم في سورة المجادلة مرة واحدة :
قال تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (4)
ثم أخيراً وردت مرتين في سورة الأحزاب :
قال تعالى : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } (35)
ثانيا : تعريف الصيام وأركانه :-
جاء في كتاب الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة : {
أ - تعريف الصيام لغة وشرعاً :
الصيام لغة : الإمساك عن الشيء.
الصيام شرعاً : الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات مع النية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
ب - أركان الصيام :-
1- النية : بأن يقصد الصائم الإمساك عن المفطرات عبادة لله - عز وجل- ، الدليل : { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى } ( رواه البخاري ومسلم )
2- الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس : الدليل : { فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } ( البقرة :187) } أه .
الصيام والمعاصى :-
هل المعاصى تفطر الصائم ، وتبطل صومه أم لا ؟
مذهب جماهير العلماء : لا يبطل الصوم إلا بالمفطرات الثلاثة الطعام والشراب والجماع . فإذا ارتكب الصائم بعض الذنوب ، كالغيبة والنميمة ، والسب والضرب والسرقة ، وشهادة الزور والكذب ، فلا يكون مفطرا بذلك ، وإن تضاعف إثمه في هذا الشهر الكريم . قال النووي – رحمه الله – في " المجموع " : { فلو اغتاب في صومه عصى ولم يبطل صومه عندنا ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والعلماء كافة ، إلا الأوزاعي فقال يبطل الصوم بالغيبة ويجب قضاؤه.... } أه .
يرى بعض العلماء : أن المعاصي تبطل الصوم ، واستدلوا بأدلة : منها : حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه } ( رواه البخاري ) وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : { ليس الصيامُ من الأكلِ و الشربِ ، إنما الصيامُ من اللَّغوِ و الرفَثِ ، فإن سابَّك أحدٌ أو جهِل عليك فقل : إني صائمٌ ، إني صائمٌ لا تُسابِّ و أنت صائمٌ ، فإن سابَّك أحدٌ فقل : إني صائمٌ ، وإن كنتَ قائمًا فاجْلِسْ } ( أخرجه المنذرى في الترغيب والترهيب وصححه الألبانى ) وعنه أيضا قال : { كَم من صائمٍ ليسَ لهُ من صيامِهِ إلَّا الظَّمَأُ ، وَكَم من قائمٍ ليسَ لهُ من قيامِهِ إلَّا السَّهرُ } ( رواه وصححه الألبانى في مشكاة المصابيح ) وفى رواية لعبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال : { ربَّ قائِمٍ حظُّهُ مِنْ قيامِهِ السَّهَرُ ، ورُبَّ صائِمٍ حظُّهُ مِنْ صيامِهِ الجوعُ والعطشُ } ( رواه السيوطى في الجامع الصغير وصححها الألبانى ) وعن أبى هريرة : { ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ } ( رواه إبن ماجه وقال عنه الألبانى : حسن صحيح ) وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : { قال رجل يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال : هي في النار قال : يا رسول الله ! فإن فلانة يذكر من قلة صيامها ( وصدقتها ) وصلاتها ، وإنها تتصدق بالأثوار من الإقط ، ولا تؤذي جيرانها ( بلسانها ) . قال : هي في الجنة } ( رواه المنذرى في الترغيب والترهيب وصححه الألبانى )
ثالثا : أول فرض الصيام ، وأحواله :-
عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال : { أحيلتِ الصلاةُ ثلاثة أحوالٍ وأحيل الصيامُ ثلاثةَ أحوالٍ وساق نصر الحديث بطوله واقتص ابن المثنى منه قصة صلاتهم نحو بيت المقدسِ قط قال الحال الثالثُ أنَّ رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قدم المدينةَ فصلى يعني نحو بيت المقدسِ ثلاثة عشر شهرًا فأنزل الله تعالى هذه الآية ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) فوجهه اللهُ تعالى إلى الكعبةِ وتم حديثه وسمى نصر صاحبَ الرؤيا قال فجاء عبد اللهِ بنُ زيدٍ رجلٌ من الأنصار وقال فيه فاستقبل القبلةَ قال الله أكبرُ الله أكبرُ أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا اللهُ أشهد أن محمدًا رسولُ اللهِ أشهد أن محمدًا رسولُ اللهِ حيَّ على الصلاةِ مرتين حيَّ على الفلاحِ مرتين الله أكبرُ الله أكبرُ لا إله إلا اللهُ ثم أمهل هنية ثم قام فقال مثلها إلا أنه قال زاد بعد ما قال حي على الفلاح قد قامتِ الصلاةُ قد قامتِ الصلاةُ قال فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لقِّنها بلالًا فأذَّن بها بلالٌ وقال في الصومِ قال فإن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان يصوم ثلاثةَ أيامٍ من كل شهرٍ ويصوم يومَ عاشوراءَ فأنزل الله تعالى ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) إلى قوله ( طعام مسكين ) فمن شاء أن يصومَ صام ومن شاء أن يفطرَ ويطعمَ كلَّ يومٍ مسكينًا أجزأه ذلك وهذا حولٌ فأنزل اللهُ تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) إلى ( أيام أخر ) فثبت الصيامُ على من شهد الشهرَ وعلى المسافرِ أن يقضيَ وثبت الطعامُ للشيخ الكبيرِ والعجوزِ اللذَينِ لا يستطيعان الصومَ وجاء صِرمةُ وقد عمل يومَه وساق الحديث } ( رواه أبو داود وصححه الألبانى )
وعن عبدالله بن عمر : { صام النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عاشوراءَ وأمَر بصيامِه، فلمَّا فُرِضَ رمضانُ تُرِكَ . وكان عبدُ اللهِ لا يَصومُه إلا أن يُوافِقَ صَومَه } ( رواه البخارى )
وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء : { أَرسلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ غداةَ عاشوراءَ إلى قُرى الأنصارِ ، التي حولَ المدينة : من كان أصبح صائمًا ، فلْيُتمَّ صومَه . ومن كان أصبح مُفطِرًا ، فلْيُتمَّ بقيةَ يومِهِ . فكنا ، بعد ذلك ، نصومُه . ونُصوِّمَ صِبيانَنا الصغارَ منهم ، إن شاء اللهُ . ونذهبُ إلى المسجدِ . فنجعلُ لهم اللُّعبةَ من العِهْنِ . فإذا بكى أحدُهم على الطعامِ ، أعطيناها إياه عند الإفطارِ .} ( رواه مسلم )
وعن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال : { أنَّ الأشعثَ بنَ قَيسٍ دخل على عبدِاللهِ ، يومَ عاشوراءَ . وهو يأكلُ . فقال : يا أبا محمدٍ ! ادنُ فكُلْ . قال : إني صائمٌ . قال : كنا نصومُه ، ثم ترك . } ( رواه مسلم )
وعن البراء بن عازب : { أنَّ أحدَهُم كانَ إذا نامَ قبلَ أن يتَعشَّى لم يحلَّ لَهُ أن يأكلَ شيئًا ولا يشربَ ليلتَهُ ويومَهُ ، منَ الغدِ حتَّى تغرُبَ الشَّمسُ ، حتَّى نزلت هذِهِ الآيةُ : وَكُلوا واشربوا إلى الخيطِ الأسوَدِ ، قالَ : ونزلَت في أبي قيسِ بنِ عمرٍو ، أتى أَهْلَهُ وَهوَ صائمٌ بعدَ المغربِ ، فقالَ : هَل من شيءٍ ؟ فقالتِ امرأتُهُ : ما عندَنا شيءٌ ولَكِن أخرجُ ألتمسُ لَكَ عشاءً ، فخرجَت ووضعَ رأسَهُ فَنامَ ، فرجعت إليهِ ،فوجدتهُ نائمًا وأيقظتهُ ، فلم يَطعَم شيئًا وباتَ ، وأصبحَ صائمًا حتَّى انتصَفَ النَّهارُ فغُشِيَ علَيهِ ، وذلِكَ قبلَ أن تنزلَ هذِهِ الآيةُ فأنزلَ اللَّهُ فيهِ } ( رواه النسائى وصححه الألبانى )
وعن سهْلِ بنِ سعدٍ قال : وأُنزِلَت : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ } . ولم يَنزِل { مِنَ الفَجْرِ } وكان رجالٌ إذا أرادوا الصومَ ربَطَ أحَدُهُم في رِجلِهِ الخَيطَ الأبيَضَ والخَيطَ الأسوَدَ ، ولا يزال يأكُلُ حتى يتبينَ لَه رؤيتُهُما ، فأنزَلَ اللَّهُ بعدُ : { مِنَ الفَجْرِ } فَعَلِموا أنما يعني الليلَ والنهارَ .} ( رواه البخارى )
وفى رواية لمسلم : { ما نزلت هذه الآيةُ : و وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ . قال : فكان الرجلُ إذا أراد الصومَ ، ربط أحدُهم في رِجلَيه الخيطَ الأسودَ والخيطَ الأبيضَ . فلا يزال يأكلُ ويشربُ حتى يتبيَّنَ له رِئْيُهُمَا . فأنزل اللهُ بعد ذلك : من الفجرِ . فعلموا أنما يعني ، بذلك ، الليلَ والنهارَ .}
وعن البراء بن عازب رضى الله عنه قال : { لما نزل صومُ رمضانَ ، كانوا لا يقربون النساءَ رمضانَ كلَّه ، وكان رجالٌ يخونون أنفسَهم ، فأنزل اللهُ : { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُم } ( رواه البخارى )
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : { نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء . فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية . العاقل . فيسأله ونحن نسمع . فجاء رجل من أهل البادية . فقال : يا محمد ! أتانا رسولك . فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك ؟ قال : " صدق " قال : فمن خلق السماء ؟ قال الله قال : " فمن خلق الأرض ؟ قال : " الله " قال : فمن نصب هذه الجبال ، وجعل فيها ما جعل . قال : " الله " قال : فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك . قال : " نعم " قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا . قال : " صدق " قال : فبالذي أرسلك . آلله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم " قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا . قال : " صدق " قال : فبالذي أرسلك . آلله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم " قال : وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا . قال صدق قال : فبالذي أرسلك . آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قال : صدق قال : ثم ولى قال : والذي بعثك بالحق ! لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن . فقال : النبي صلى الله عليه وسلم لئن صدق ليدخلن الجنة .} ( رواه مسلم )
رابعا : فضائل الصيام :-
1- الصيام ركن من أركان الإسلام :-
عن عبدالله بن عمر : { بنِي الإسلامُ على خمسٍ : شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ ، وإقامِ الصلاةِ ، وإيتاءِ الزكاةِ ، والحجِّ ، وصومِ رمضانَ } ( رواه البخارى )
وعن عبدالله بن عمر : { بُنِيَ الإِسلامُ على خمْسٍ : شهادةُ أنْ لا إِلهَ إلَّا اللهُ ، و أنَّ مُحمدًا رسولُ اللهِ ، و إِقامُ الصَّلاةِ ، و إِيتاءُ الزكاةِ ، و حَجُّ البيْتِ ، و صوْمِ رَمَضانَ } ( رواه السيوطى في الجامع الصغير وصححه الألبانى )
وعن أبى هريرة : { إنَّ للإسلامِ صُوىً و منارًا كمنار الطريقِ ، منها أن تؤمنَ بالله و لا تشركَ به شيئًا و إقامُ الصلاةِ وإيتاءُ الزكاةِ و صومُ رمضانَ و حجُّ البيتِ و الأمرُ بالمعروف و النهيُ عن المنكرِ و أن تُسلِّمَ على أهلك إذا دخلْتَ عليهم و أن تسلِّمَ على القومِ إذا مررتَ بهم ، فمن ترك من ذلك شيئًا ، فقد ترك سهمًا من الإسلامِ و من تركهن كلَّهنَّ فقد ولَّى الإسلامَ ظهرَه } ( رواه وصححه الألبانى ) . قال أبو عبيد : { صوى هي ما غلظ وارتفع من الأرض واحدتها صوة } . أه ومعنى " إن للإسلام صوى ومنارا كمنار الطريق " يعني : علامات ودلائل تدل على الإسلام .
وعن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاثٌ أحْلِفُ عليهِنَّ : لا يَجعلُ اللهُ تعالَى مَنْ لهُ سهْمٌ في الإسلامِ كمَنْ لا سهْمَ لهُ ، وأسْهُمُ الإسلامِ ثلاثةٌ : الصلاةُ ، والصوْمُ ، والزكاةُ ، ولا يَتولَّى اللهُ عبدًا في الدنيا فيُولِّيهِ غيرَهُ يومَ القيامةِ ، ولا يُحِبُّ رجلٌ قومًا إلَّا جعلَهُ اللهُ معَهُمْ ، والرابعةُ لوْ حلفْتُ عليْها رجوْتُ أنْ لا آثَمَ : لا يَستُرُ اللهُ عبدًا في الدنيا إلا ستَرَهُ يومَ القيامةِ } ( رواه المنذرى في الترغيب والترهيب وصححه الألبانى )
2- الله الموفق للصيام :-
عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال : { رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يومَ الخندقِ ينقل معنا الترابَ وهو يقولُ : واللهِ لولا اللهُ ما اهتدينا *** ولا صمنا ولا صلينا. فأنزلن سكينةً علينا *** وثبتِ الأقدامَ إن لاقينا. والمشركون قد بغوْا علينا *** إذا أرادوا فتنةً أبينا. } ( رواه البخارى )
3- الصيام لله :-
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : { قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : { قال اللهُ : كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصيامَ ، فإنَّه لي وأنا أُجْزي بهِ . } ( رواه البخارى )
وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى ( الصيام لي وأنا أجزي به ) مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوال ، ذكرها إبن حجر العسقلانى – رحمه الله – في " شرحه لصحيح البخارى " فقال : { أحدها : أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره ، حكاه المازري ونقله عياض عن أبي عبيد ، ولفظ أبي عبيد في غريبه : قد علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها ، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب . ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم ( ليس في الصيام رياء ) حدثنيه شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره يعني مرسلاً قال : وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات ، إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس ، وهذا وجه الحديث عندي ، انتهى .
وقد روى الحديث المذكور البيهقي في ” الشعب ” من طريق عقيل ، وأورده من وجه آخر عن الزهري موصولاً عن أبي سلمة عن أبي هريرة وإسناده ضعيف ولفظه ( الصيام لا رياء فيه ، قال الله عز وجل : هو لي وأنا أجزي به ) وهذا لو صح لكان قاطعاً للنزاع .
وقال القرطبي : لما كانت الأعمال يدخلها الرياء والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ، ولهذا قال في الحديث ( يدع شهوته من أجلي ).
وقال ابن الجوزي : جميع العبادات تظهر بفعلها وقلَّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ ، بخلاف الصوم . وارتضى هذا الجواب المازري وقرره القرطبي بأن أعمال بني آدم لما كانت يمكن دخول الرياء فيها أضيفت إليهم ، بخلاف الصوم فإن حال الممسك شبعاً مثل حال الممسك تقرباً يعني في الصورة الظاهرة…
ثانيها : أن المراد بقوله ( وأنا أجزي به ) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته .
وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس . قال القرطبي : معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله ، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير . ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعني رواية الموطأ ، وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال ( كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله – قال الله – إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) أي أجازي عليه جزاءً كثيراً من غير تعيين لمقداره ، وهذا كقوله تعالى ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) . والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال …
ثالثها : معنى قوله ( الصوم لي ) أي أنه أحب العبادات إليَّ والمقدم عندى .
رابعها : الإضافة إضافة تشريف وتعظيم كما يقال بيت الله وإن كانت البيوت كلها لله . قال الزين بن المنير : التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف .
خامسها : أن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب - جل جلاله - فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه . وقال القرطبي : معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق ، كأنه يقول : إن الصائم يتقرب إلي بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي .
سادسها : أن المعنى كذلك ، لكن بالنسبة إلى الملائكة ؛ لأن ذلك من صفاتهم .
سابعها : أنه خالص لله ، وليس للعبد فيه حظ ، قاله الخطابي ، هكذا نقله عياض وغيره ، فإن أراد بالحظ ما يحصل من الثناء عليه لأجل العبادة رجع إلى المعنى الأول ، وقد أفصح بذلك ابن الجوزي فقال : المعنى ليس لنفس الصائم فيه حظ بخلاف غيره فإن له فيه حظا لثناء الناس عليه لعبادته .
ثامنها : سبب الإضافة إلى الله أن الصيام لم يعبد به غير الله ، بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك . واعترض على هذا بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات ، فإنهم يتعبدون لها بالصيام ، وأجيب بأنهم لا يعتقدون إلهية الكواكب ، وإنما يعتقدون أنها فعالة بأنفسها ، وهذا الجواب عندي ليس بطائل ، لأنهم طائفتان ، إحداهما كانت تعتقد إلهية الكواكب وهم من كان قبل ظهور الإسلام ، واستمر منهم من استمر على كفره . والأخرى من دخل منهم في الإسلام واستمر على تعظيم الكواكب وهم الذين أشير إليهم .
تاسعها : أن جميع العبادات توفى منها مظالم العباد إلا الصيام ، روى ذلك البيهقي من طريق إسحاق بن أيوب بن حسان الواسطي عن أبيه عن ابن عيينة قال : إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له إلا الصوم ، فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة . قال القرطبي : قد كنت استحسنت هذا الجواب إلى أن فكرت في حديث المقاصة فوجدت فيه ذكر الصوم في جملة الأعمال حيث قال : المفلس الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة وصيام ، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا الحديث ، وفيه : فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته ، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار فظاهره أن الصيام مشترك مع بقية الأعمال في ذلك .
قلت : إن ثبت قول ابن عيينة أمكن تخصيص الصيام من ذلك ، فقد يستدل له بما رواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه : كل العمل كفارة إلا الصوم ، الصوم لي وأنا أجزي به وكذا رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن شعبة ، عن محمد بن زياد ولفظه : قال ربكم تبارك وتعالى : كل العمل كفارة إلا الصوم ورواه قاسم بن أصبغ من طريق أخرى عن شعبة بلفظ : كل ما يعمله ابن آدم كفارة له إلا الصوم وقد أخرجه المصنف في التوحيد عن آدم عن شعبة بلفظ يرويه : عن ربكم قال : لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزي به فحذف الاستثناء ، وكذا رواه أحمد عن غندر ، عن شعبة لكن قال : كل العمل كفارة وهذا يخالف رواية آدم ؛ لأن معناها : إن لكل عمل من المعاصي كفارة من الطاعات ، ومعنى رواية غندر كل عمل من الطاعات كفارة للمعاصي ، وقد بين الإسماعيلي الاختلاف فيه في ذلك على شعبة ، وأخرجه من طريق غندر بذكر الاستثناء فاختلف فيه أيضا على غندر ، والاستثناء المذكور يشهد لما ذهب إليه ابن عيينة ، لكنه وإن كان صحيح السند فإنه يعارضه حديث حذيفة : فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة ولعل هذا هو السر في تعقيب البخاري لحديث الباب ب " باب : الصوم كفارة " وأورد فيه حديث حذيفة ، وسأذكر وجه الجمع بينهما في الكلام على الباب الذي يليه ، إن شاء الله تعالى .
عاشرها : أن الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظة كما تكتب سائر الأعمال ، واستند قائله إلى حديث واه جدا أورده ابن العربي في " المسلسلات " ولفظه : " قال الله الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده " ويكفي في رد هذا القول الحديث الصحيح في كتابة الحسنة لمن هم بها وإن لم يعملها . فهذا ما وقفت عليه من الأجوبة ، وقد بلغني أن بعض العلماء بلغها إلى أكثر من هذا ، وهو الطالقاني في " حظائر القدس " له ، ولم أقف عليه ، واتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا . ونقل ابن العربي عن بعض الزهاد أنه مخصوص بصيام خواص الخواص ، فقال : إن الصوم على أربعة أنواع : صيام العوام ، وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع ، وصيام خواص العوام ، وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل ، وصيام الخواص ، وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته ، وصيام خواص الخواص ، وهو الصوم عن غير الله ، فلا فطر لهم إلى يوم القيامة . وهذا مقام عال ، لكن في حصر المراد من الحديث في هذا النوع نظر لا يخفى . وأقرب الأجوبة التي ذكرتها إلى الصواب الأول والثاني ، ويقرب منهما الثامن والتاسع . } أه .
4- الصائمون هم السائحون :-
قال تعالى { التّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدونَ الآمرون بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ } ( التوبة : 112 )
قالت عائشة رضي الله عنها : سياحة هذه الأمة الصيام . وقال ابن عباس رضى الله عنهما : كل ما ذكر الله في القرآن السياحة : هم الصائمون .
5- الصيام وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه :-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام } ( رواه البخارى )
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : { أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ماعشتُ : بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وصلاة الضحى ، وبأن لا أنام حتى أوتر } ( رواه مسلم )
6- أحب الصيام إلى الله عز وجل :-
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً } ( رواه البخارى ومسلم )
7- الصيام جنة :-
عن أبى هريرة : { قال اللهُ عزَّ وجلَّ : كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلَّا الصِّيامُ . فإنَّه لي وأنا أجْزِي به . والصِّيام جُنَّةٌ . فإذا كانَ يومُ صوْمِ أحدِكُم فلا يَرفُثْ يومئذٍ ولا يَسخَبْ . فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتلَهُ ، فليقلْ : إنِّي امرؤٌ صائمٌ . والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ . لخلُوفُ فمِ الصَّائمِ أطيبُ عند اللهِ ، يومَ القيامةِ ، من ريحِ المسكِ . وللصَّائمِ فرحتانِ يفرَحهُما : إذا أفطرَ فرِحَ بفِطرهِ . وإذا لقِيَ ربَّهُ فرِح بصوْمِهِ } ( رواه مسلم ) ، وعن عثمان بن أبى العاص : { الصومُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِها العبدُ من النَّارِ } ( رواه السيوطى في الجامع الصغير وصححه الألبانى ) وفى رواية : { الصَّومُ جُنَّةٌ منَ النَّارِ ، كجُنَّةِ أحدِكم منَ القتالِ } ( رواه النسائى وصححه الألبانى )
8- الصيام يكفر المعاصى :-
عن أبى قتادة : { صومُ يومِ عرفَةَ يُكفِّرُ سنتيْنِ ، ماضِيةٍ ومُستقبَلةٍ ، وصومُ عاشوراءَ يُكفِّرُ سنةً ماضِيةً } ( رواه السيوطى في الجامع الصغير وصححه الألبانى )
وعنه أيضا : { صِيامُ يومِ عرفةَ إنِّي أحتسِب على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ التي بعدَه ، و السَّنةَ التي قَبلَه } ( رواه المنذرى في الترغيب والترهيب وصححه الألبانى )
9- الصيام علاج للحقد والغيظ والوسواس :-
عن النمر بن تولب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من سره أن يذهبه كثير من وَحَرَ صدره فليصم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر } ( رواه أحمد وصححه الألبانى ) وقوله وحر صدره أي : الحقد والغيظ والوساوس والغش .
** نائب رئيس هيئة قضايا الدولة
الكاتب بمجلة التوحيد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.