أن تنتهي ولاية أي رئيس لأمريكا على عكس بدايته في الواقع ليست أمرا جديدا على الولاياتالمتحدة، فقد عرف في تاريخها قبل اليوم العديد من رؤسائها مصيرا مشابها، ولنتذكر مثلا تلك الأيام الأخيرة من فترة حكم الرئيس الأسبق هاري ترومان الذي خلف رئيسا أسطوريا عند الأمريكيين هو فرانكلين روزفلت الذي مات قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بأيام قليلة بعد أن كان قد وضع عجلات القاطرة التي ستقود الولاياتالمتحدة والعالم من ورائها على خط شديد التماسك. لقد جاء الرئيس ترومان في وقت حرج جدا من تاريخ البلاد، وعلى الرغم من أن شعبيته لم يكن من الممكن أن تبلغ مكانة سلفه، إلا أنه استطاع أن يصنع لنفسه مجدا، ولكنه لم يتمكن من الحفاظ عليه بعد إخفاقه في المختبر الكوري ومن قبله في الثورة الصينية التي لم يعرف كيف يوظفها في غير صالح غريم بلاده في تلك الفترة، الإتحاد السوفييتي. ثم إن خلفه أيضا الرئيس إيزنهاور البطل القومي في نظر الأمريكيين وقاهر النازية في اعتقادهم، لم يعرف هو الآخر إلا المصير نفسه، ودلت سنوات حكمه أن العسكري الناجح لن يكون بالضرورة سياسيا فذا، إذ إن تكرار شخصية من عيار جورج واشنطن هو أمر لا يحدث هكذا كيفما اتفق. هناك أيضا الرئيس ريتشارد نيكسون الذي عرف ذات المصير، رغم انطلاقته القوية قبل أن يضطر تحت وقع فضيحة "ووترغيت" إلى الانسحاب وتقديم استقالته، ولن نطيل الحديث كثيرا في هذه الأمثلة لأن سردها يطول، ويبعث على الملل من هذه العقلية الأمريكية التي لا تستقر على حال ولا تتبدل، على الرغم من أنه قد جرى حتى الآن انتخاب نيف وأربعين رئيسا منذ إقامة بلادهم قبل أكثر من قرنين من الزمان. وبما أن الأمر تقليد أمريكي صرف، فإن الرئيس الحالي جورج وولكر بوش بات يعيش حاليا فترة سوداء في عهدته الثانية هذه، رغم أنه أنهى بالكاد السنة الأولى منها، إلا أن الجديد حالته، هو ما تعلق بانخفاض شعبيته إلى درجة غير مسبوقة، إذ إن الماضي القريب مثلا يكشف لنا عن حالة ضعف رئاسي كمثل حالة الرئيس ريغان بعيد انفجار قضية "إيران غيت"، ولكن الأمر يختلف الآن، ذلك أن ريغان لم تنحط شعبيته كما هو مسجل حاليا مع الرئيس بوش الإبن. لقد دخل جورج بوش وباقي عصابته من المحافظين الجدد البيت البيض وهم يحملون طموحا جامحا ملخصه: إعادة تشكيل الخارطة السياسية للعالم والعمل على أن يستحوذ حزبهم "الجمهوري" على الأغلبية. لقد كان المخطط مدروسا بعناية فائقة، كان يتعين العمل على توسيع قاعدة الحزب وجلب الديمقراطيين "المعتدلين" وحتى الأمل في إحداث فجوة داخل النسيج الانتخابي للحزب المنافس بمعنى إيقاع شرخ وسط الناخبين الأوفياء للحزب الديمقراطي، والذين هم أساسا أولئك الأمريكيون من ذوي الأصول الأفريقية، إلا أن النتيجة كانت هذه السنة "الكارثية" على الجمهوريين، حتى إن بعضهم صار يشكك حتى في قدرة الإدارة الأمريكية على أن تتقدم بالمخطط التشريعي الطموح، والذي تقدم به الرئيس بوش قبل نحو عشر شهور والمتعلق بالعمل على التأسيس لحكومة جمهورية دائمة، وهي الطموحات التي بدأت تراود مخيلة منظري الحزب منذ انتخاب الرئيس ريغان. من الممكن جدا أن يكون حكمنا بهذه الطريقة على المخطط بالفشل، حكما مسبقا وهذا مؤداه أننا لا نريد أن نجاري قيادة الديمقراطيين، إلا أنه من المعروف جدا أن تحقيق مثل هذا الجنوح في ميدان العمل السياسي هو أمر يتطلب جهدا قد يتواصل لعشرات السنين. إنه لمن البديهي قولنا إن الرئيس بوش عمل حتى وقت قريب جدا على تقوية حزبه، إلا أن بعض الجمهوريين أنفسهم يعتقدون أنه لم يقم في الواقع إلا بتحقيق التقهقر، بمعنى أنهم يرون أن الحزب الجمهوري لا يملك أي حظ في التطور ما دام بوش ينشط على هذا النحو، وهذا مؤداه أنهم باتوا متأكدين أن بوش الإبن سائر في ذات الطريق التي سلكها قبله والده: الابتعاد التدريجي عن المواجهة. هناك أيضا تلك الاتهامات المتزايدة ضد الجمهوريين في إدارة البيت الأبيض والكونغرس بخصوص تعاملهما بالرشوة ووفقا لمبادئ المفاضلة والمحاباة، وهذا من شأنه أن يعدم الحظوظ في امتلاك تلك الأصوات غير القارة، بعدما تأكدنا قبل ثلاثة شهور أن تصرفات هذه الإدارة تجاه إعصار كاترينا تولت في الحقيقة أمر القضاء النهائي في الحصول على أي صوت من أصوات الناخبين من الأصول الأفريقية. ولكن وإذا كان كل شيء يشير إلى أن الرئيس بوش وطاقمه قد بلغ بهم الضعف مبلغا عظيما، غير أنه لا شيء لحد الساعة يجعلنا نتأكد من أن هذا التقهقر نهائيا لا أمل في النهوض منه، فالموضوعات التي قادت الجمهوريين للفوز لا تزال قائمة كموضوع معارضتهم لزواج المثليين، فضلا عن أنه لا شيء يبعث على الجزم بأن الديمقراطيين يقفون في الرواق القوي بحلول انتخابات التجديد النصفي لمقاعد الكونغرس في نوفمبر القادم، مما يعني أن كل شيء متوقف على الأسماء التي سوف يتقدمون بها، وهذا هو الوقت الملائم بالذات ليقرر المترشحون الأقوياء الدخول في المنافسة وهذه بالضبط المشكلة التي بات الديمقراطيون يسجلونها ونعني هنا عدم حسم قرارات "نجومهم" بعد. إن الرئيس بوش حاليا ينتهج في الواقع، تلك الإستراتيجية التي صممها سلفه الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون خلال فترة ولايته الثانية، فهو مثلا يتهرب دائما من الإجابة عن الأسئلة المحرجة بالقول إنه يهتم بشكل أساسي بالمشكلات التي تهم البلاد ككل، على الرغم من أن الأمريكيين كانوا وقتها يدعمون قرارات كلينتون على عكس موقفهم الآن. خلاصة القول إن حظوظ الجمهوريين في النهوض مجددا والعودة إلى موقع القوة ليس أمرا ممكنا من دون تحقق معجزة، فضلا عن أن هذه المعجزة التي لن تحدث، منتظرة، في وقت أضحى الرئيس بوش في أضعف حالة أو بكلمة أخرى أكثر بساطة: غير قادر على فعل أي شيء. المصدر : العصر