غابت كل أشكال الحفاواة بالرئيس عبد الفتاح السيسي خلال احتفالات الأقباط بأعياد القيامة هذا العام، كما غابت كل مظاهر الاحتفاء بالمسؤلين الذين حرصوا جميعا على عدم الحضور واكتفوا بإرسال برقيات تهاني للبابا تواضروس والمسيحيين. ووسط تشديدات أمنية مكثفة، أدى مسيحيو مصر صلواتهم في عيد القيامة داخل الكنائس المصرية المختلفة، فيما ترأس البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، مراسم الاحتفال داخل الكنيسة المرقصية بالعباسية وعلى ما يبدو أن حوادث التعدي والإرهاب التي يتعرض لها الأقباط في عهد السيسي، ألقت بظلالها حتى على كلمة البابا تواضروس، حيث غابت عن الكلمة عدد من المراسم والبرتكولات التي اعتاد البابا على القيام بها في تلك المناسبات. مراقبون اعتبروا أن كل هذا الارتباك سببه حالة الحزن الشديد التي يعيشها الأقباط هذه الأيام بعد تفجيرات كنيستي الأسكندرية وطنطا، فيما اعتبرها آخرون رسائل غير مباشرة من أقباط مصر للسيسي، وتحمل دلالات على أن أحبال الود القائمة بيننا بدأت تتقطع بسبب نيران التفجيرات التي فشلت خططك الأمنية في صدها. فروق عدة بين احتفالات الأقباط في أعياد القيامة عامي 2015، و2016، وبين طريقة احتفالهم هذا العام، وكذلك الفارق بين كلمات البابا تواضروس الثاني في كل تلك المناسبات: الملاحظة الأولى في قداس عيد القيامة هذا العام، أن السيسي لم يحضر بنفسه بل أوفد رئيس ديوان رئيس الجمهورية مصطفى شريف محمود، إلى كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس بالعباسية، كما أرسل أمناء رئاسة الجمهورية إلى الطوائف المسيحية لحضور قداس عيد القيامة. غياب السيسي قد يكون سببه أمني بامتياز، حيث إن البلاد تعيش حالة من الطوارئ والتي تم إقرارها عقب تفجيرات كنيستي طنطا والأسكندرية الأسبوع الماضي، إلا أن سببا آخر قد يكون منع السيسي من حضور القداس، ألا وهو خشيته من تعرضه لاعتداء ولو معنوي من قبل الأقباط.. في ظل حضوره سنوات سابقة كان الاستقبال فيها حارا، وبالتالي فإن أي "نزول" عن هذا المستوى سيكون بمثابة إحراج له.. ورغم أن السيسي حضر قداس عيد الميلاد في يناير الماضي، بعد 3 أسابيع فقط من وقوع تفجيرات الكنيسة البطرسية بالعباسية في ديسمبر الماضي، إلا أن مراقبين أكدوا أن السيسي ربما يكون قد تلقى نصائح من قبل جهات أمنية بأن غضب الأٌقباط تجاه الدولة في الوقت الحالي أشد وأقوى، وأنه قد يتعرض لما "يهز" صورته ولا ويخرج للعلن ما يتم تغطيته من مشاعر ضده. الأمر الثاني الذي كان ملاحظا في القداس هو حالة الانكسار والحزن التي ظهرت _أو حاول إظهاراها_ البابا تواضروس. وبدأ البابا حديثه أمس قائلا "رغم أننا في عيد القيامة المجيد، إلا أننا نشعر بمرارة شديدة مما تألمناه الأسبوع الماضي بسبب ما حدث"، بتلك الكلمات الحزينة بدأ البابا تواضروس، بطريرك الكنيسة المرقسية كلمته خلال قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية. البابا قصد من تعبيراته الحزينة الإشارة إلى سقوط ضحايا بالعشرات في تفجيرات كنيستي الأسكندرية وطنطا، والتي وقعت الأحد الماضي. تعبيرات تواضروس وكلماته الحزينة، تفهم الجميع أن أسبابها حادثتي تفجير كنيستين الأسبوع الماضي، لكن البعض يرى أن تعبيرات البابا كانت مختلفة تماما، عن تعبيراته في احتفالات الأقباط بعيد الميلا في يناير الماضي، رغم وقوع حادث إرهابي أيضا قبلها في الكنيسة المرقسية بالعباسية قبل احتفالات عيد الميلاد الماضي. فلماذا بدا البابا حزينا إلى هذه الدرجة بعد تفجيرات كنائس الغربية والأسكندرية بينما كانت درجة الحزن أقل بعد تفجيرات الكنيسة المرقسية؟ مراقبون أكدوا أن كثرة عدد الضحايا، وكون الحادث هو الثاني من نوعه في أقل من 4 أشهر، وكذلك وقوع حادثين في وقت واحد، واللغظ المثار حول منفذي التفجير، جميعها أسباب جعلت تواضروس على هذه الصورة. وبعكس التصفيق الشديد والحار الذي يعقب ذكر اسم السيسي في خطابات البابا داخل الكنيسة، تجاهل الأقباط ذكر السيسي تماما، ولم يبدوا أي ترحيب ولم يقوموا بأي تصفيق بعدما قال البابا تواضروس إن "الرئيس السيسي كان من أوائل المهنيين للأقباط بهذا العيد". وبالعودة إلى احتفالات الأقباط في عيد القيامة في أبريل 2015، و2016، يتضح الفارق بشكل كبير بين مشاعر الأقباط تجاه السيسي في الموقفين. ففي 2015، و 2016، اعتاد الأقباط أن يشعلوا قاعة الكنيسة بالتصفيق والزغاريد والترحاب كلما ذكر اسم السيسي داخلها.. وبالإضافة لذلك فإن الأقباط قاموا باستقبال السيسي استقبالا حارا حين قام بزيارتهم في الكنيسة المرقسية خلال مراسم الاحتفال بعيد الميلاد في يناير الماضي، فلماذا تغير رد فعلهم إذن، وهل تجاهلهم له مقصود ومعد له سلفا؟ أم أنه أمر تلقائي وبدون ترتيب؟ كل تلك الأسئلة لن يجيب عليها الأٌقباط بشكل مباشر، لكن إجابتها ستظهر بوضوح من خلال التعامل بينهم وبين السيسي على مدار الأيام المقبلة. أيضا خلال مراسم الاحتفال أمس تجاهل البابا ذكر أسماء المسؤلين والمهنئين من كبار رجال الدولة الذين قاموا بإرسال برقيات تهاني للكنيسة حسبما يتبع سنويا في أعياد الكنيسة الرسمية. ففي احتفالات أعياد القيامة في كل عام كان البابا يحرص على أن يذكر بشكل تفصيلي كل أسماء الشخصيات التي أرسلت تهانيها بداية من رئيس الدولة ومرورا برئيس الحكومة، وشيخ الأزهر وكبار السؤلين والوزاء، فيما اختفى كل ذلك هذا العام. هذا التجاهل ربما يعكس حالة الامتعاض عند الكنيسة والأقباط، وربما يكون طبيعيا نظرا لحالة الحزن التي تسيطر على الجميع.