على الرغم أن حالة الطوارئ لا تطبق إلا في أوضاع استثنائية، كما في فترات الحروب، إلا أن مصر ظلت لعقود طويلة تحكم بهذا القانون سيء الصيت، حتى في الظروف والأحوال الطبيعية، إلى الحد أنه ظل مطبقًا طيلة فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، قبل أن يتم وقف العمل به بعد ثورة 25يناير 2011 التي أطاحت به. وبعد أكثر من 6سنوات على تلك الثورة، التي تنسم فيها المصريون أجواء الحرية، عادوا ليحكموا مجددًا ب "الطوارئ"، مع إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم "حالة الطوارئ" في البلاد لمدة ثلاثة شهور، إثر التفجيرين اللذين استهدفا كنيستي مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية. واتخذ السيسي القرار وفق المادة 154 من الدستور التي تنص على أن يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى مجلس الوزراء حالة الطوارئ، على النحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه. وفي جميع الأحوال، تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ويمكن أن تمد لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. تقييد للحريات وفي حالة الطوارئ، تعطى السلطة التنفيذية، سلطات واسعة لوضع القيود على حرية الأفراد وحقوقهم الدستورية؛ منها: سلطة وضع القيود على حرية الأشخاص في الاجتماع، والانتقال، والإقامة، والقبض على المشتبه فيهم، أو الخطرين على الأمن واعتقالهم، وتفتيش الأشخاص والأماكن، دون التقييد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. كما يحق للحاكم العسكري أو من ينيبه مراقبة الرسائل والصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات، وضبطها ومصادرتها وتعطيل نشرها. ويمنح القانون، حرية واسعة للسلطة التنفيذية، في عدم التقييد بالأحوال المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية للقبض علي المتهمين، إذ يجوز القبض في الحال علي المخالفين للأوامر التي تصدر طبقاً لأحكام قانون الطوارئ والجرائم المحددة في هذه الأوامر، وذلك بالمخالفة لأحكام الدستور والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. «الطوارئ» في عهد الملكية تاريخيًا، عرفت مصر الأحكام العرفية للمرة الأولى في نوفمبر عام 1914، إبان الحرب العالمية الأولى، بعد أن فرضت قوات الاحتلال البريطاني الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد، لحماية مصالح بريطانيا وقواتها المتواجدة في مصر حينئذ. ولم ترفع حالة الطوارئ، إلا بعد سنوات من نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد إصدار السلطات المصرية عام 1922، قانونًا يحمي الحكومة البريطانية وسلطاتها في مصر من أية مسئولية مدنية أو جنائية يمكن أن تترتب علي الأحكام العرفية المذكورة. واعتبارًا من عام 1922، عاشت البلاد أكثر من 17 سنة، دون أحكام عرفية، إلى أن فرضت من جديد وللمرة الثانية، بسبب الحرب العالمية الثانية في أول سبتمبر 1939، لكنها كانت هذه المرة أحكام عرفية مصرية. إذ أعلنت بمرسوم ملكي مصري، تنفيذًا لمعاهدة الصداقة والتحالف الموقعة بين مصر وبريطانيا في 26 أغسطس 1936، وتم تعيين رئيس مجلس الوزراء وقتذاك علي ماهر حاكمًا عسكريًا عامًا يمثله في المحافظات والمديريات المحافظون والمديرون. وقد اعترض عدد من أعضاء مجلس النواب في أكتوبر 1939، على التعجيل بإعلان الأحكام العرفية في البلاد، في وقت لم تكن تعرضت فيه لغزو قوات المحور، وهو ما حدث بعد ذلك بشهور. واستمرت هذه الأحكام نافذة طوال مدة الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهاء الحرب العالمية في القارة الأوربية في 9 مايو 1945، تم رفع الأحكام العرفية في مصر بعد ذلك ببضعة شهور. لكن حالة الطوارئ، أعلنت للمرة الثالثة في مايو 1948، بمناسبة مشاركة الجيش المصري ضمن الجيوش العرب في حرب فلسطين. واستدعى ذلك إضافة حالة ثالثة إلى الحالتين الواردتين في قانون الأحكام العرفية رقم 15 لسنة 1922، وذلك بالقانون رقم 73 لسنة 1948 المعدل له، ونص هذا التعديل علي جواز إعلان حالة الطوارئ "من أجل تأمين سلامة الجيش المصري على أرض فلسطين وحماية طرق مواصلاته". وفي إبريل 1950، بادرت آخر وزارة وفدية ترأسها مصطفى النحاس إلى إعلان إنهاء الأحكام العرفية مع الإبقاء عليها جزئيًا ولمدة سنة قابلة للتجديد في المناطق الحدودية مع فلسطين وفي محافظتي سيناء والبحر الأحمر. إلا أن الوزارة نفسها، عادت بعد أقل من عامين، وأعلنت في 26 يناير 1952 الأحكام العرفية للمرة الرابعة في جميع أنحاء البلاد ابتداءً من مساء ذلك اليوم، وعين رئيس مجلس الوزراء مصطفي النحاس حاكمًا عسكريًا عامًا، لممارسة السلطات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون، ولم يلبث أن حل محله في ذلك، رئيس الوزراء التالي نجيب الهلالي، بعد إقالة الوزارة الوفدية. الطوارئ في عهد الجمهورية واندلعت ثورة يوليو 1952 في وقت كانت مصر تخضع للأحكام العرفية، ولم تكن الثورة بحاجة إلى هذه الأحكام لتأمين نفسها وتحقيق أهدافها، بعد أن تركزت جميع السلطات في يد مجلس قيادة الثورة، وحلت الشرعية الثورية محل الشرعية الدستورية، بعد إلغاء الدستور الملكي القائم في العاشر من ديسمبر 1952. وقد استمر حكم البلاد بقرارات وإعلانات صادرة من مجلس قيادة الثورة إلي تاريخ العمل بدستور 16 يناير 1956 الدائم في شهر يوليو من ذلك العام. واستصدر الرئيس جمال عبد الناصر بعد ذلك بسنتين، قانون الطوارئ الحالي رقم 162 لسنة 1958. وطبق لأول مرة في الخامس من يونيو 1967، بسبب دخول مصر في حرب ضد إسرائيل. واستمرت حالة الطوارئ، قائمة في البلاد من ذلك التاريخ، إلى أن تقرر إلغائها اعتبارًا من منتصف ليل 15 مايو 1980، بعد حوالي 13سنة من تاريخ إعلانها. فبعد أن تم التوقيع علي اتفاقية "كامب ديفيد" في 17 سبتمبر 1978، ثم على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في مارس 1979، افتقد قانون الطوارئ أساس وجوده واستمراره. ولم يكن ثمة بد من أن يستجيب الرئيس محمد أنور السادات، للرغبة الشعبية الملحة بإلغاء العمل به، رغم إعلانه السابق بأنها سوف تستمر، حتى تجلو إسرائيل عن كامل شبه جزيرة سيناء في إبريل 1982م. لكن إلغاء حالة الطوارئ في البلاد، لم تستمر سوى عام وخمسة شهور؛ فبعد اغتيال السادات، أثناء حضوره عرضًا عسكريًا، يوم 6أكتوبر 1981، فُرضت حالة الطوارئ بقرار من الرئيس المؤقت في ذلك الوقت الدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب السابق. حكم مبارك بعد وصوله لسدة الحكم، مدد الرئيس الأسبق حسني مبارك، العمل بقانون الطوارئ، وظل ساريًا طيلة فترة حكمه، رغم مطالب قوى المعارضة في مصر، بإلغاء القانون. وأعطت التطورات التي شهدتها مصر، خلال عام 2005، لاسيما فيما يتعلق بإجراء تعديل دستوري يتيح المنافسة على منصب رئيس الدولة بين أكثر من مرشح في انتخابات مباشرة، المعارضة قوة دفع هائلة، نحو مواصلة نداءاتها للنظام، بإلغاء العمل بقانون الطوارئ، بعد أكثر من ربع قرن من تطبيقه، وذلك لإضفاء النزاهة والحيادية على العملية الانتخابية، وبما يضمن تحرك المرشحين وأنصارهم بحرية، من دون قيود في الشارع المصري. وظهرت بالفعل، بوادر إيجابية تنبئ بإمكانية إلغاء العمل بالقانون، في ضوء إعلان رئيس مجلس الشورى والأمين العام للحزب الوطني (الحاكم) صفوت الشريف، وقف تطبيقه على العملية الانتخابية أو المرشحين لها لضمان إجراء انتخابات رئاسية نزيهة وحرة، من غير أن يحدد الإجراءات التي سيتم اتخاذها لوقف تنفيذ القانون السيئ الصيت. وعلى إثر توصية المجلس القومي لحقوق الإنسان في تقريره السنوي الأول في إبريل 2005، بإنهاء حالة الطوارئ "حتى تتم المشاركة الشعبية في الاستفتاء على نص المادة 76 من الدستور ثم في انتخاب رئيس الجمهورية وانتخاب أعضاء مجلس الشعب في جو من الحيدة والاطمئنان". غير أن بارقة الأمل التي لاحت في الأفق، بشأن إمكانية إلغاء العمل بهذا القانون، تبددت مع إعلان مبارك في ذلك الوقت، رفضه تجميد العمل بالقانون "في الوقت الذي فيه يلجأ العالم كله إلى وضع قانون طوارئ"، رافضًا في الوقت ذاته الاستعاضة عنه بقانون آخر لمكافحة الإرهاب، ليستمر العمل به حتى الإطاحة به في ثورة 25يناير 2011.