لو كتب أحد المستشرقين مقالاً من قرن من الزمان يحمل هذا العنوان لكان حتماً سيتكلم عن القرآن الكريم؛ حيث كان يحكم أكثر من نصف العالم. بل لعلي أجزم أن أحداً لم يكن ليستطيع طرح أوحتى تخيل تغيير هذا الأمر، فمهما قامت دول أو زالت تحت أي مسمى: أموي وعباسي وعثماني أو حتى مملوكي، ومهما كان سلوك هذا الحاكم ومهما كانت جرأته على الدين أو الأخلاق أو حتى المذهب لم يكن ليجرؤ على طرح فكرة تنحي هذا الكتاب كمصدر للقضاء بين الرعية، ولذلك شكل التراث القضائي في الإسلام وأحكامه الفقهية عبر القرون تراثاً حضارياً هائلاً.. وعلى الجميع رصد خط التحول التاريخي للمسلمين الذي حولهم عن هذا الطريق وتحليل الأسباب والنتائج، وما إذا حققنا انجازاً- طبقاً للمقاييس البشرية – أم أن هذا الطريق الذي نسلكه الآن –عملياً - لا يصلح لنا؟ نعود لموضوعنا وهو "الكتاب" أو لنقل مبادئ الكتاب الذي يحكم العالم وهو كتاب "الأمير" لميكافيلي الذي جمع فيه نصائحه السياسية للقائمين على الحكم والتي تعتمد على تقديم المصالح على المبادئ، وملخص هذه النصائح هي كما يلي: اربط بقاءك بمصالح من حولك فيصبح سقوطك معناه سقوطهم.. واشغل الجميع بإنجاز مشروعات ضخمة متتالية واصبغ ذلك بجانب أخلاقي، واجعل أي خروج عليك هو خروج على الدولة. احم سمعتك؛ فسمعتك أهم أعمدة قوتك، واهدم سمعة أعداءك وقد تحتاج لتنفيذ عمل غير أخلاقي كمذبحة للتأديب والترهيب ففوض من يقوم بها ثم تخلص منه. الغاية تبرر الوسيلة وكل الوسائل مباحة والأهم المحافظة على مظهرك الخارجي يجب أن يظل أمام الجميع بريئاً وأخلاقي مهما استخدمت من وسائل دنيئة. اجعل كل وعودك واتفاقاتك مؤقته فلا يوجد وفاء بأي عهد أو وعد فاذا انتهت المصلحة انتهى الاتفاق . الناس تحكم بالخوف وليس بالحب وليس بإمكانك إقناع جميع الناس بموضوع معين ولكن يجب فرض الأمر عليهم. وللانصاف أقول إن مبادئ كتاب الأمير كانت مطبقة بالفعل من قبل أن يولد ميكافيلي وأزيدك أنها ربما طبقها الخلفاء المسلمون أنفسهم - بعد الخلافة الراشدة- ولكن لماذا اختلفت النتائج ؟ أعتقد – ولك أن تخافني - أن الفارق كان في تطبيق مبادئ القرآن الكريم في كل مقاصد الحياة على مستوى الأفراد وخاصة عند تحاكم الناس فيما بينهم.. فكانت مبادئ الحكم والنفعية تحكم قصر الخليفة وتنازع الأمراء في حين كان المجتمع غير ملوثٍ بتلك الأفكار حتى أن معظم الفقهاء وضعوا أبواباً فقهية في كراهية الدخول على الملوك فضلاً عن قبول عطاياهم.. فكانت الأمة - بعد الخلافة الراشدة - تعيش ازدواجيةً تَسبب فيها هدم مبدأ الشورى عند الدخول في حقبة الملك العضوض فكانت الرعية تحكمها الشريعة وقصر الخليفة يحكمه قانون المتغلب. ولذلك لم يكن عجيباً أن ترى إماماً عظيماً للفقه في عصر أمير فاسد، وربما جلد الأميرُ الإمامَ أو حتى قتله، وتجد الرعيةَ تأخذ العلم من الفقيه والعطايا من الأمير، حتى يغلبه غالب فيهلك الأميرُ ويبقى علم الفقيه. وفي القرن الأخير سقط الجميع أو- اُسقطُوا - في فخ النفعية والغايات التي تبرر الوسائل، وسأضرب مثلاً بمقارنة القضاء الشرعي في أسوأ عهود الخلافة مثلاً وبين المحاكم الآن وطابور شهود الزور أمام المحكمة - كمهنة معروفة - أو المحامي الذي يدافع عن من يعرف أنه مذنب أو من يسرق الأحراز أو القاضي المرتشِ.. هذا السلوك لم يتأثر أو يتغير بتغيير نظام الحكم ( في القرن الأخير ) فهناك تواطؤ مجتمعي على الفساد ونحن جميعاً مسلمون نؤدي الشعائر وقد لا ندرك أننا اسقطنا تطبيق الكتاب المبين في تعاملاتنا الحياتية مما يجعلنا لا نتخيل وجوده في أحكام القضاء بشكل كامل كما كان قائماً طيله الف وثلاثمائه عام أو الحالة المثلى وهي الخلافة الراشدة بما تضمنته من احكام وأهمها الشورى ! الملخص : الشورى غَيّبها الملك العضوض من احكام الشرع ثم الاستعمارغَيّب احكام الشرع عن القضاء ثم الفرد المسلم غيبها أو هجرها في تعاملاته اليوميه ..واذا اردت تغيير نتائج أي معادلة يجب أن تبدأ بتغيير المدخلات وظروف التفاعل .. طبعاً التعميم خطيئة الجميع.. لكن انظر لأحكامك ترى أي كتاب تتبع.. فأنت من يحدد مبادئ الكتاب.. الذي يحكم حياتك على الأقل .. [email protected]