فوز جامعة المنيا بالمركز الأول في نموذج الزراعة والأغذية    محافظ الإسكندرية: استمرار رفع درجة الطوارئ لمواجهة أمطار نوة المكنسة.. صور    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي مكثف على العاصمة كييف    بث مباشر يلاااا شوووووت.. مشاهدة مباراة مصر ضد أوزبكستان في بطولة العين الودية اليوم 14 نوفمبر 2025    شاب ينهي حياته غرقاً بمياه ترعة العلمين الجديدة بكفر الدوار بالبحيرة    «احترمي خصوصياتهم وبادري بالود».. 7 نصائح ضرورية لتعزيز علاقتك بأقارب زوجك    «العمر مجرد رقم».. نانسي عجرم: بعد الأربعين أصبحت أروق وأوعى    بيحبوا الاستقرار.. 5 أبراج تفضل الحياة الزوجية عن العزوبية    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    أمراض بكتيرية حولت مسار التاريخ الأوروبي: تحليل الحمض النووي يكشف أسباب كارثة جيش نابليون في روسيا    المركز الأفريقى لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي ل«مرض السكر»    اليوم.. أوقاف الفيوم تفتتح مسجد"الرحمة"بمركز سنورس    اشتباكات مسلحة ب"الهاون والرشاشات" في 4 بلدات بالسويداء السورية    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    نتنياهو يربط التعامل مع أحمد الشرع بهذا الشرط    وزير الدفاع الأمريكي يعلن بدء عملية "الرمح الجنوبي" ضد شبكات مخدرات في الغرب    العثور على حطام طائرة إطفاء تركية ووفاة قائدها    بن غفير يتباهى بالتنكيل بمواطنين فلسطينيين داخل إسرائيل    صلاة الاستسقاء قطر اليوم – تفاصيل أداء الصلاة في مصلى لوسيل    محافظ بورسعيد يبحث استعدادات إجراء انتخابات مجلس النواب 2025    إنجلترا تواصل حملة الانتصارات مع توخيل وتعبر صربيا بثنائي أرسنال    المنتخبات المشاركة في كأس العالم 2026 بعد تأهل فرنسا    تقرير: خطة برشلونة لتكريم ميسي    طنطا يواجه ديروط.. ومسار يصطدم ب الداخلية في دوري المحترفين    بعد الفوز على الكاميرون.. الكونغو تصعد لنهائي الملحق الأفريقي لكأس العالم 2026    أول تعليق من «الأطباء» على واقعة إصابة طبيب بطلق ناري خلال مشاركته في قافلة طبية بقنا    السيطرة على حريق شب في مخزن للمساعدات الإنسانية جنوب العريش    الثلوج تتساقط وأمطار رعدية تضرب الإسكندرية والمحافظة تعلن الطوارئ.. فيديو    شقيق الشهيد أحمد الشبراوى يخلد ذكراه فى إهداء رسالة الماجيستير    بالأسماء، إصابة 4 أشخاص في تصادم موتوسيكل ب"توك توك" بطريق نبروة بالدقهلية    مصرع وإصابة 8 أشخاص في حادث تصادم بطريق القصير مرسى علم    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    رسميًا بعد تطويرها.. موعد افتتاح حديقة الحيوان بالجيزة وخطة تجديدها وربطها بالأورمان    تفاصيل محاكمة المتهمين بالتنمر على الطفل جان رامز على مواقع التواصل    وزارة التعليم تضيف معلمي ثانية إعدادي للفئات المستحقة ل«حافز التطوير»    الإمارات تعلن نتائج تحقيقات تهريب العتاد العسكري إلى السودان    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    نانسي عجرم ل منى الشاذلي: اتعلمت استمتع بكل لحظة في شغلي ومع عيلتي    رئيس الناشرين العرب يغادر المستشفى ويعود لمصر السبت بعد عملية ناجحة    ما الذي تغير في نانسي عجرم بعد ال 40؟ الفنانة ترد (فيديو)    التفاصيل الكاملة لمشروع جنة مصر وسكن مصر.. فيديو    بين ابتكار الآسيويين ومحاذير الخدع التسويقية.. هل يهدد الذهب الصيني الجديد سوق الاقتصاد؟    القانون ينظم عمل ذوي الاعاقة.. تفاصيل    أذكار المساء يوم الجمعة – حصنك من الشر والهم والضيق    سعر الدولار الآن مقابل الجنيه خلال عطلة البنوك اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    4 أبراج «بيجيلهم اكتئاب الشتاء».. حسّاسون يتأثرون بشدة من البرد ويحتاجون للدفء العاطفي    «الصحة»: التطعيم ضد الإنفلونزا يمنع الإصابة بنسبة تزيد على 70%    طريقة تنظيف حوامل البوتاجاز شديدة الاتساخ بمكونات من مطبخك    عمر هشام طلعت يفوز بعضوية المكتب التنفيذى للاتحاد العربى للجولف..والرميان يحتفظ بالرئاسة    الفيلم التركي كما نتنفس يعرض صورة مغايرة للحياة التركية في عرضه الأول بمهرجان القاهرة السينمائي    "الصحة" تنظم جلسة لمناقشة تطبيق التحول الأخضر في المستشفيات وإدارة المخلفات الطبية    كلية الآداب بجامعة عين شمس تستقبل مدير شراكات جامعة إسيكس البريطانية    إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    الشيخ خالد الجندي: كل لحظة انتظار للصلاة تُكتب في ميزانك وتجعلك من القانتين    بث مباشر مباراة العراق والإمارات اليوم في تصفيات كأس العالم 2026 – ملحق آسيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمود إسماعيل يكتب : الدولة الدينية في الفكر والتاريخ الإسلامي
نشر في الأهالي يوم 26 - 02 - 2013

اعتبر أهل السنة الخلافة من أصول الفقه لا أصول الدين
سبق أن عرضنا لواقع تاريخ دولة المدينة، ودولة الخلافة الإمبراطورية في عصر الراشدين، وأثبتنا ما اتسمتا به من طابع مدني، برغم رؤية الإسلامويين المعاصرين «الثيوقراطية» وحسبنا أن مفهوم الخلافة عند معظم الخلفاء آنذاك كان يعني خلافة الرسول صلي الله عليه وسلم كحاكم، وليس خلافة الله سبحانه علي الأرض، حسب رؤية الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
كما جري تطبيق مبدأ «الشوري» – وإن بدرجة ما – في اختيار الخلفاء الأربعة، والأهم من ذلك عدم توريث المنصب بما يعد تميز الخلافة عند الملك الذي وسم حكم خلفاء بني أمية وبني العباس، ويحسب لأهل السنة – عموما – اعتبار الخلافة من أصول الفقه، لا من أصول الدين، مع ذلك، ينطبق مفهوم ابن خلدون عن «العصبية» علي الخلافة الراشدة، حيث احتكرت قبيلة قريش الحكم، برغم معارضة بعض القبائل الأخري، كما ينطبق عليها أيضا مفهوم الثيوقراطية – الدعوة الدينية – الخلدونية حيث جري تلوين الصراع علي الخلافة بلون ديني، يتمحور حول مقولة «الكفر والإيمان»، و«مسألة ارتكاب الكبيرة» علي نحو خاص، وحسبنا أن هذا الصراع هو الذي أفضي إلي ظهور «الفرق الدينية».
دولة العرب بالغلبة
في العصر الأموي، ترسخ مفهوم العصبية بصورة واضحة، فكانت دولتهم «دولة العرب» بامتياز، كما ضعف مفهوم الثيوقراطية بعد تحول الخلافة إلي «ملك عضوض»، وجري اقتباس نظمها من النظم البيزنطية، لكن خلفاء بني أمية عولوا علي استثمار الثيوقراطية لتحقيق أهداف دنيوية تكمن في تكريس «الاستبداد» باسم الدين، وانبري فقهاء «المرجئة» السلطويون لتبرير حكم «الغلبة» بمماحكات ذرائعية دينية واهية.
وحسبنا أن خلفاء بني أمية عولوا علي «بيعة» شكلية لأولياء العهد، كما أوضحنا من قبل، لكنهم – في الواقع – لم يتورعوا عن إعلان اكتسابهم الخلافة عن طريق «الغلبة»، إذ أعلن أحدهم: «.. أما بعد.. إني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم، ولا مسرة بولايتي، ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة..»، وقول آخر: «أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة.. نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا»، ولا غرو، فقد امتدح أحد الشعراء عبدالملك بن مروان بقوله:
«الله طوقك الخلافة والله ليس لما قضي تبديل»
ولم يتورع عبدالملك عن الجهر بالغلبة، فصعد المنبر ثم قال:
.. ألا إني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف.. والله لا يأمرني أحد بتقوي الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه»، من هنا حق لبعض الدارسين – المرحوم/ حسين مروة – الحكم بأن الخلافة منذ الأمويين تحولت إلي «تجارب سلطانية ليس إلا»، ولآخر – أدونيس – أن يقول: «صارت مصطلحات الخلافة والملك والسلطنة تنطوي علي مدلول واحد»، ليس أدل علي ذلك من اتباع خلفاء بني أمية – باستثناء عمر بن عبدالعزيز – سياسة الخداع والكذب والتدليس واغتيال الخصوم، كما انتهكوا أساسيات الشريعة في فرض الضرائب والمغارم وحيازة الضياع الواسعة، وهو ما يفسر اندلاع ثورات اجتماعية شملت كل الولايات، بل ارتد الكثيرون عن الإسلام لتلك الأسباب، كما ابتدعوا في ذلك نظما لا تمت للشريعة بأدني صلة متذرعين «بالضرورة والمصلحة»، وتباري فقهاؤهم تبرير ذلك بكونه «اجتهادا محمودا».
استبداد بني العباس
أما خلفاء بني العباس، فقد تنكروا للشعارات التي أعلنوها في مرحلة الدعوة – كالعدالة والمساواة والإصلاح – بعد قيام الدولة سنة 132ه، وورثوا الطابع الملكي الاستبدادي عن بني أمية، وإن في صيغة «كسروية» فارسية، بدلا من «الهرقلية» البيزنطية، إذ كان الحكم وراثيا – بعد بيعة قسرية شكلية – يستند إلي عصبية جديدة، تمثلت في الفرس، ثم الترك، كما تسلحوا بالطابع الثيوقراطي، حيث أعلن الخليفة المنصور أنه «ظل الله علي الأرض».
ولعل هذا يفسر موقف الإمامين مالك وأبي حنيفة من حكم العباسيين الأوائل، إذ حرضا الرعية علي التنصل من البيعة بقولهما: «لقد بايعتم مكرهين وليس علي مكره يمين»، ورفض الإمام مالك طلب الخليفة بجعل كتابه «الموطأ» بمثابة «دستور» للدولة، كما رفض أبوحنيفة تولي منصب القضاء، وآثر إيداعه السجن، ولا غرو، فقد كانا متعاطفين مع العلويين، حيث أيدا حقهم في الخلافة، ويبدو أن الخليفة المأمون قد تأثر برأيهما – فضلا عن فقهاء المعتزلة – فأسند ولاية العهد إلي أحد العلويين – علي الرضي – لكنه عدل عن ذلك تحت تأثير ضغوط البيت العباسي.
ونحن في غني عن سرد مفاسد الخلفاء العباسيين وشرح ما غصت به قصورهم من الجواري والغلمان، وتعويلهم علي الخداع وقمع الثورات الاجتماعية وقتل زعمائها باسم الدين باعتبارهم زنادقة وأهل فتن وضلالة، وفي ذلك تفسير لظهور دولة مستقلة عن الخلافة في المشرق والمغرب، اتخذ بعض حكامها ألقاب الخلافة، كما يفسر أيضا تنكر الخلفاء للفرس والتنكيل بأسرتي البرامكة وبني سهل، علي الرغم مما أظهروه – كوزراء – من براعة في تسيير أمور الدولة، لقد استعانوا بعصبية جديدة من الأتراك المعروفين بالبداوة والتوحش، وكونوا منهم جيشا لقمع وقهر حركات المعارضة.
الأتراك المتوحشون
شهدت بدايات العصر العباسي الثاني بداية نهاية الخلافة الثيوقراطية، إذ تحول قادة العسكر التركي إلي سيف مسلط علي رقاب الخلفاء بعد أن كانوا سيف الخلافة علي أعدائها، وهو ما تمثل في ظاهرة مستحدثة، وهي تأسيس منصب جديد «أمير الأمراء» الذي احتكره قادة العسكر، فسلبوا الخلافة صلاحياتها وسلطاتها، وأبقوا عليها اسما، لا فعلا، وتحكموا في تولية الخلفاء وعزلهم، وكثيرا ما اعتدوا علي شخوصهم، بسمل العين وجذع الأنف وقطع الأذن، أو السجن، وحتي القتل، وفي ذلك، قال أحد شعراء العصر:
خليفة في قفص
بين «وصيف» و«بغا»
يقول ما قالا له
كما تقول الببغا
ومعلوم أن وصيف وبغا كانا من قادة العسكر الذين تولوا منصب «أمير الأمراء».
إن انهيار نظام الخلافة الثيوقراطية تبعه تمزق الدولة العباسية إلي كيانات مستقلة إثنية وطائفية، سوف نعرض لها فيما بعد، وما يعنينا – في هذا المقام – أن العالم الإسلامي شهد آنذاك قيام الخلافة الفاطمية في المغرب، ثم مصر، والخلافة الأموية في الأندلس، فتمزقت بذلك وحدة «دار الإسلام».
أما الخلافة العباسية، فقد تدهورت تماما وإن ظلت قائمة اسما ورسما ليس إلا، إذ طمحت عناصر وافدة من أطراف المشرق في السلطة، وحجرت علي الخلفاء، وتقلدوا الحكم تحت اسم «السلاطين»، كما هو الحال بالنسبة لبني بويه الشيعة، والسلاجقة، فخطب للسلاطين علي منابر بغداد، واختصوا بسك أسمائهم علي العملة، واكتسبوا رسوم الخلافة بعد انتزاع سلطاتها، ولم يتورع «فقهاء السلطان» عن منحهم مشروعية الحكم الثيوقراطي، كما هو حال الإمام الغزالي علي الرغم من فساد سياساتهم الجائرة، إذ أوجب علي الرعية لزوم طاعتهم مبررا ذلك ب «درأ الفتنة»!!
ظل الحال علي هذا المنوال، خلفاء بلا سلطان وقادة عسكر يتحكمون في أرزاق الرعية، بل في رقابهم.
علي أن فساد «العسكر تاريا» عم الخلافات الثلاث، فخلفهم في الاستئثار بالسلطة شراذم من «البيروقراطية»، فآل الحكم في الدولة الفاطمية إلي ما عرف باسم «الوزراء العظام»، وفي الأندلس إلي «الحجاب العامريين»، لتسقط الخلافتين معا حول منتصف القرن الخامس الهجري.
أما الخلافة العباسية فقد سقطت علي يد المغول بعدهما بقرابة قرن من الزمان.
انحطاط العثمانية
لما قامت الدولة العثمانية، جمع حكامها بين الخلافة الثيوقراطية والسلطنة الدنيوية، ونحن في غني عن سرد مسئوليتها عن ما حل بالعالم العربي من استبداد وتسلط أفضي إلي الانحطاط والتخلف، ولما سقطت سنة 1924م، جرت محاولات عبثية لإحياء الخلافة الثيوقراطية في مصر والهند، لكن أحلام الإحياء تبددت، وإن اعتبر بعض الحكام العرب المعاصرين أنفسهم بمثابة ورثة لأسلافهم السابقين، وادعي البعض أنه «أمير المؤمنين».
تلك نظرة «بانورامية» موجزة عن تاريخية الدولة الثيوقراطية التي تحاول التيارات الإسلاموية «المراهقة» إحياءها، ولا يخالجنا أدني شك في كونها مدعومة وموجهة بقوي خارجية، بهدف تكريس التخلف، وإثارة «فوضي خلاقة» تتيح لها تنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الكبير» كضمان لبقاء وتسلط إسرائيل.
فماذا عن الفكر السياسي لقوي المعارضة الخارجية والاعتزالية والشيعية إزاء قضية الدولة الثيوقراطية؟
ذلك ما سنفرد له المقال التالي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.