صدر حديثًا للكاتب الصحفي السيد أبو داود عن مكتبة جزيرة الورد بالقاهرة كتاب "الأمة في مواجهة الاستبداد". يرصد الكتاب تاريخ ظاهرة الاستبداد في العالم العربي مع دراسة تطبيقية على الحالة المصرية، ويناقش الأسباب الاجتماعية والسياسية والثقافية والنفسية التي أدت إلى تجذر هذه الحالة في بلادنا، ثم يعرض الكاتب لتصور كامل لتفكيك الظاهرة الاستبدادية مستعينًا بخبرات الثورة المصرية العظيمة في 25 يناير. كان المؤلف قد انتهى من الكتاب ودفعه الناشر للمطبعة قبل ثورة 25 يناير بعدة أشهر لكن مباحث أمن الدولة أجبرت الناشر على عدم نشره. ثم تأتي الثورة المباركة ليخرج الكتاب متفاعلاً معها ومؤصلاً لها. يحتوي الكتاب على ثمانية أبواب وثمانية وثلاثين فصلاً، ويقع في 432 صفحة من الحجم الكبير، وهو دراسة موسعة ومعمقة لدراسة ظاهرة الاستبداد من مختلف جوانبها. الإسلام برئ من تهمة الاستبداد ناقش الباب الأول فضية "براءة الإسلام من تهمة الاستبداد"، وتضمن ستة فصول. ناقش الفصل الأول فضية "الشورى في العهد النبوي" وعرفها بأنها "القرار الملزم الصادر من الجماعة". والشورى في الإسلام مبدأ إنساني أولًا، واجتماعي وأخلاقي ثانيًا، ثم هي قاعدة دستورية لنظام الحكم، ولذلك فإن نطاق تطبيقها واسع شامل. والمنبع الإلهي للشريعة يفرض سيادة الشريعة على المجتمع والدولة، وما دامت الشريعة هي التي فرضت الشورى، فإن الشورى تكون أسمى من الدولة، وبذلك تحررنا من فلسفات الفقه الأوروبي الذي يجعل الدولة صاحبة سلطة التشريع الوضعي، الذي يمكن للحكام اتخاذه وسيلة للتحكم في حريات الأفراد وحقوقهم، بحجة أن القانون الوضعي هو إرادة الدولة التي يمثلونها. ٍوتناول الفصل الثاني قضية "منهج الشورى في اختيار الخلفاء الراشدين"، وأكد الكاتب أن منهج الشورى لم ينقطع في عهد الخلفاء الراشدين، وكانت الصور الأربع لاختيار الخلفاء الراشدين الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، كلها صور شورية، لو صار عليها المسلمون من بعده، لتعمق منهج الشورى في الأمة، ولأصبح له آليات ومؤسسات، ولسبقنا الغرب في ديمقراطيتهم، بمئات السنين. وقد عرض الكاتب بالتفصيل آلية اختيار كل خليفة من الخلفاء الراشدين على انفراد، وأوضح أنها تمت بإرادة الأمة واختيارها الكامل ولم يجبر أحد على اختيار لا يحبه. وفي الفصل الثالث تعرض الكاتب لقضية "تأسيس الملك العضوض"، فأكد أن نهاية خلافة الحسن بن علي، رضي الله عنه، الذي هو خامس الخلفاء الراشدين الحقيقي، وبدء ولاية يزيد بن معاوية، الذي حصل له أبوه على البيعة قبل أن يموت، كانت هي بداية تأسيس الملك العضوض ونقضُ مبدأ الشورى الذي طبقه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون من بعده. فتم الانحراف عن منهج الخلافة الراشدة وفقه الشورى وآلياتها وممارساتها، ووجدت الرغبة في تأسيس الملك، وتأسس فعلاً الحكم الملكي في الإسلام، وصار نظامًا معترفًا به من نُظم الحكم بين المسلمين، باعتباره نظامًا إسلاميًا، في حين أن النظام الملكي وتوريث الآباء الحكم لأبنائهم كشيء مفروغ منه بدون اختيار من الأمة، نظام لم يأت به الإسلام ولا يعترف به، ولا هو من الحكم الإسلامي في شيء. وكان موضوع الفصل الرابع "إجازة ولاية المتغلب .. خطيئة لا خطأ"، وأكد فيه المؤلف أن النصوص واضحة وصحيحة ومؤكدة، على أن نصب الخليفة والإمام لا يتم إلا ببيعة المسلمين، بشروط معينة تتحقق في الخليفة، وشروط أخرى تتحقق في حكمه وسيرته. هذا هو نظام الشورى، الذي هو أرقى من الديمقراطية المعاصرة، أو لنقل الديمقراطية اليوم قد تكون تمهيدًا لنظام الشورى. وأكد الكاتب أن الخلافة لا تنعقد بالقهر والغلبة والاستيلاء، لأنها عقد رضا واختيار فلا تصح بالإكراه، لا بإكراه من يبايع ولا بإكراه الذين يبايعون. وفي الفصل الخامس ناقش المؤلف قضية "المستبد العادل .. فكرة كارثية"، قال فيه إن نتيجة لهذا التراث من الاستبداد، حلم العرب بالحاكم المستبد العادل، الذي يخلصهم من مشكلاتهم ويحقق لهم أحلامهم، بعد أن استقر في عقول ووجدان الجماهير العربية أنهم في حاجة دائما إلي "كبير" وليس إلى دولة مؤسسات. ومقولة "المستبد العادل" تنطوي على تناقض صارخ، فالعدل هو أساس الملك، وشرطه أن لا يقترن بالاستبداد، والعادل لا يكون مستبدًا، لأن عدله رحمة بالناس وتفاعل عطوف مع مصالحهم وحقوقهم، والرحمة تفترض الرفق واللين، بينما تنفي المصالح والحقوق فكرة الاستبداد، التي تقوم على الإقرار بأن لا حقوق إلا لفرد واحد هو المستبد: الحاكم غير العادل، الذي ينفرد ب"الأمر". وناقش الفصل السادس "نتائج غلبة الملك العضوض وإزاحة الخلافة والشورى"، حيث أكد المؤلف أن من النتائج السلبية لاستيلاء الملك العضوض على الحكم بين المسلمين، وتحويل الخلافة إلى ملك، ما ظهر على مذهب الجمهور من تناقض، إذ يقولون بأن صعود الخليفة إلى الحكم يكون بالاختيار والبيعة، ثم يوجبون على المسلمين طاعة من وصل إلى الحكم بالسيف وبالقهر والغلبة، فلم يعد هناك معنى للاختيار والبيعة، ولذلك لم يطبق هذا الاختيار المقرر، وأصبح الوصول إلى الحكم بالقوة والسيف هو المتبع، ثم يأتي الحصول على طاعة المسلمين بعد ذلك، حيث هي واجبة له على المسلمين ولو كان فاجرًا أو فاسقًا. وهكذا، تم ترك الاختيار والانتخاب طيلة تاريخ المسلمين بفعل هذا المذهب، الذي برز بعد استيلاء الملك العضوض على الحكم وتحويل الخلافة إلى ملك. نفسية وثقافة وآليات الاستبداد وجاء الباب الثاني من الكتاب ليناقش "نفسية وثقافة وآليات الاستبداد". ففي الفصل الأول ناقش الكاتب قضية "نفسية المستبد"، فأكد أن الاستبداد لا يصنع في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الاجتماعية والسياسية إلا بأساليب الغطرسة وسوء الأدب والمعاملة الخاطئة وغير القانونية، يقابلها الناس بالسكوت والخوف، فتكون النتيجة هي استمرار المستبد في استبداده وتماديه في هذا الاستبداد. وهو نفس ما تفعله الزوجة حينما تتحول إلى مستبدة باحتلال مساحة جديدة من أرض الزوج بالتدريج وهو لا يعترض، وكذلك يتحول الزوج إلى مستبد بهذه الطريقة حتى يحول الزوجة إلى قطعة أثاث لا قيمة لها، والمسكينة تتركه سنوات طويلة ليستفحل ثم تشتكي بعد أن يكون قد أجهز عليها، ولو قاومته من أول يوم لارتدع ولما جرؤ أن يعتدي على حقوقها فيضربها ويغتصب ميراثها وينزع من يدها أية مشاركة فاعلة في شأن أولادها وأسرتها. وفي الفصل الثاني ناقش الكاتب قضية "ثقافة المستبد"، حيث أكد أن ثقافة الاستبداد منتشرة في العالم كله لكنها كانت أكثر تجذرًا عند المصريين. فقد كان الحاكم في مصر القديمة إلهًا، ولم تكن هذه الألوهية رمزية أو مجازية تشير فقط إلى سلطته المطلقة، بل هي تعبر حقيقة عن عقيدة كانت إحدى السمات التي تميزت بها مصر الفرعونية وهي عقيدة تميزت على مر السنين. أما عن البناء الثقافي للمستبد ذاته، فإننا نجد بالاستقصاء التاريخي أن الغالبية العظمى للحكام المستبدين يعانون من ضعف ثقافي وهزال فكري شديد، ناهيك عن افتقادهم الكامل للتفكير الاستراتيجي. فغالبية الحكام العرب المستبدين، إما رقباء في جيوش بلادهم دون أية خلفية ثقافية، أو ضباط في هذه الجيوش بمعلومات ثقافية قشرية، لا تسمن ولا تغني من جوع، وهذا الخواء يتبدى في سياساتهم وقراراتهم، ويظهر في أحاديثهم إذا كانت مباشرة وغير مكتوبة. أما الفصل الثالث فقد ناقش "آليات المستبد"، حيث أكد أن الحاكم الذي يجد نفسه وسط غفلة من الجميع على رأس شعبه الخائف المتردد الذي تنخفض لديه نسبة التعليم، فإنه يعلم من داخله أنه لا يستحق أن يكون زعيمًا أو رئيسًا، وأنه لو خاض انتخابات حرة مع منافسين طبيعيين، لخرج خاسرًا من أول جولة، ولذلك فإنه يلجأ إلى تثبيت نفسه ودعم نفسه بمجموعة من الآليات، أهمها: الاعتماد على حاشية وبطانة من المفسدين المستبدين مثله، وتتحول أجهزة الإعلام في هذا البلد البائس المبتلى إلى أبواق للكذب والتدليس والنفاق، وتتحول خزينة الدولة إلى منهبة للمحظوظين والمرضي عنهم والمطبلين والمزمرين والراقصين من الكتاب والصحفيين ورجال القانون والأكاديميين ورموز العمل الحزبي والسياسي .. إلخ. ويعتمد هذا الحاكم المستبد، التزوير والتزييف والخداع، آليات أساسية يدير بها ما يسمى "العملية السياسية"، فالانتخابات التي تتكلف الملايين ما هي إلا مسرحية هزلية لتحقيق ما أراده النظام مسبقًا، والمجالس النيابية أشكال وهياكل جوفاء بلا مضمون ولا قيمة، وهي وجه آخر للتربح والاسترزاق لمجموعة من المسبحين بحمد النظام. ولأن الطاغية المستبد يدرك قيمته الحقيقية وقدره، فإنه يرتعد من التكوينات والقوى الشعبية القادرة على الضغط من أجل التغيير، مثل الأحزاب والنقابات ومكونات المجتمع الأهلي، ولذلك فإنه وأجهزته يحاولون بكل الطرق تدميرها وإضعافها. أما الفصل الرابع فإنه يحلل ظاهرة "صناعة المستبد"، ويؤكد المؤلف أن الشعب هو الأساس وأن حركته هي الأساس وليست حركة المستبد، فالمستبد الظالم يتخذ مئات وآلاف الخطوات المتمثلة في القرارات والسياسات طيلة فترة حكمه من أجل أن يرسخ استبداده، إلا إن حركة واحدة فقط من الشعب تؤكد رفض هذا المسار الاستبدادي، تفسد كل ما فعله الطاغية المستبد وتصحح الأوضاع وتعيدها إلى طبيعتها. خبرات الثورات العالمية في تفكيك الاستبداد وجاء الباب الثالث من الكتاب بعنوان "خبرات عالمية في فرض التغيير"، فناقش الفصل الأول "الانقلابات العسكرية وعدم جدواها"، فعرّف الانقلاب وتحدث عن أشهر الانقلابات في العالم العربي بل وفي العالم كله. وأكد أن التاريخ أثبت أن النظم السياسية التي تكونت نتيجة انقلابات، لا تحترم إرادة الشعوب، وإنما تقيم نظم حكم أحادية وديكتاتورية، وربما جاء ذلك من أنها لم تصل للحكم ابتداءً بإرادة ورغبة الشعوب، ولذلك فإن الإرادة الشعبية لا تهمها طوال فترة حكمها. وقد وصلت معظم النظم السياسية العربية إلى السلطة عبر انقلابات عسكرية، وعبر وعود براقة بالديمقراطية والحرية والمساواة والتنمية، إلا إن معظمها لم يحقق هذا بل حدثت انقلابات مضادة لها. أما الفصل الثاني فقد ناقش قضية "من تجارب الثورات العالمية"، حيث أكد أن الثورة أرقى عمل اجتماعي يمكن أن يقوم به شعب لمواجهة استبداد المستبدين وطغيان الطغاة وظلم الظالمين واحتلال المحتلين، ففيها تخرج مختلف قطاعات الشعب إلى الشارع مشاركة في هذا العمل السياسي الكبير معترضة على سوء الأوضاع. ومن أهم الثورات الشعبية العالمية: الثورة الفرنسية عام 1789م والثورة الإيرانية عام 1979م وثورات أوروبا الشرقية عام 1989م وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004م. وخصص المؤلف الفصل الثالث للحديث عن "العصيان المدني" كآلية من آليات تفكيك الاستبداد. فعرّف العصيان المدني بأنه "تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة لحكومة أو قوة احتلال بغير اللجوء إلى العنف. وهو أحد الأساليب الأساسية للمقاومة السلمية"، وهو أحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة؛ ففي الهند كانت حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية، وفي جنوب أفريقيا كانت مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية، وفي حركات السلام حول العالم، تم استخدام هذا الأسلوب بكفاءة وفاعلية. ومن أهم تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقًا، ما قام به المصريون ضد الاحتلال البريطاني في ثورة 1919م. تاريخ الثورة والاحتجاج في مصر وخصص المؤلف الباب الرابع لمناقشة قضية "الثورة والاحتجاج في مصر" حيث خصص لها أربعة فصول. ناقش الفصل الأول "الانقلابات العسكرية" فرأى أنها ازدهرت في مصر والدول العربية مثلما هو الحال في دول العالم الثالث بشكل عام، واستمرت الانقلابات تجوب العالم العربي حتى بعد بداية الألفية الثالثة بثماني سنوات، عندما أطاح انقلاب عسكري في موريتانيا بقيادة قائد الحرس الرئاسي المقال محمد ولد عبد العزيز، في السادس من أغسطس عام 2008م، بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله (وهو أول رئيس موريتاني منتخب ديمقراطيًا)، حيث فاز في مارس 2007م بأول انتخابات حرة ونزيهة تجرى في موريتانيا منذ استقلالها في عام 1960م. وربما كان من أسباب ازدهار هذه الانقلابات عدة أمور أهمها ضعف البنية المؤسسية لدولنا العربية، وضعف الهياكل التنظيمية، وضعف الوعي السياسي والثقافة السياسية لدى الجماهير، وتدني مستويات التعليم، وضعف المنظمات والجمعيات ومختلف التكوينات الأهلية، وانسداد السبل أمام الناس للتغيير، والطموح الزائد لضباط الجيش لممارسة السلطة والحكم حينما يشعرون أنهم أقوى مؤسسة في البلاد. وأثبتت خبرة الشعب المصري أن المصريين يجب أن يقفوا في وجه أية محاولة لانقلاب عسكري جديد، وليكن مطلبهم الرئيسي هو الضغط بكل الطرق السلمية الممكنة من أجل استعادة الحياة السياسية السليمة واستعادة دولة القانون وإقامة المؤسسات الحقيقية وتحجيم سلطة الحاكم وتقوية التكوينات الأهلية الفاعلة في المجتمع من أجل التصدي لأية محاولة جديدة لسرقة إرادة الشعب المصري والتصرف نيابة عنه أو في غيبته ودون موافقته ودون رغبته. وفي هذا الصدد ناقش الكاتب محاولة الانقلاب التي قادها صالح سرية، فيما عرف بقضية "الفنية العسكرية" عام 1974م. كما ناقش الكاتب المحاولة التي قادتها "جماعة الجهاد" بالاشتراك مع "الجماعة الإسلامية" والتي أطاحت بالرئيس السادات وقتلته فيما عرف ب"أحداث 1981م واغتيال السادات وأحداث أسيوط". وناقش المؤلف في الفصل الثاني قضية "الثورات المنظمة" التي شهدتها مصر، فتوقف عند ثورتي القاهرة الأولى والثانية ضد الاحتلال الفرنسي، ثم الثورة العرابية، ثم ثورة 1919م. وناقش الكاتب بالتفصيل أحداث وتطورات وأخطاء ومكاسب ودروس كل ثورة، وكيف يمكن الاستفادة منها في تاريخ المصريين الحديث من أجل القضاء على النظم الاستبدادية. وفي الفصل الثالث ناقش الكتاب "الاحتجاجات العشوائية" التي شهدتها مصر منذ ثورة يوليو عام 1952م، فناقش أحداث الانتفاضة الشعبية في يومي 18 و19 يناير 1977م، وكذلك أحداث الأمن المركزي في 25، 26 فبراير 1986م، واللتان أكدتا أن الشعب المصري حي ينبض بالحياة ولم يمت ولن يموت أبدًا. وعالج الفصل الرابع "التفجيرات واستهداف السياحة والقيادات ومؤسسات الدولة" التي شهدتها مصر في التسعينات وأكد أنها آلية خاطئة وغير مفيدة في مقاومة الاستبداد. حقيقة السلبية عند المصريين وفي الباب الخامس تحدث المؤلف عن "خوف المصريين وسلبيتهم .. محاولة للفهم"، وجاء الباب في فصلين. ناقش المؤلف في الفصل الأول "الثابت في سمات الشخصية المصرية"، فأكد أن للشخصية المصرية سمات تقليدية أو ثابتة أو شبه ثابتة، وهي سمات ارتبطت بالبيئة والواقع والنهر. وإذا كانت المشكلة الحقيقية التي تواجه مصر والمصريين هي ترسخ الاستبداد وقوته، فإن هذا الاستبداد الذي منع مصر من أن تكون دولة مؤسسات، تحتكم إلى الدستور والقانون، وتحقق العدالة بين المصريين، والذي فرض إرادة حفنة من المستبدين على وطن وشعب وأمة بينما صادر إرادة كل الأمة، فإن اللافت أن مصر، كأمة لها تاريخ وحضارة، ومجتمع مليء بالمواهب والكفاءات والعلماء، قد فشلت في مواجهته وتفكيكه، ويلاحظ المهتمون بالشأن العام انصراف الناس عن الاشتراك في عمل جماعي سلمي للتصدي للاستبداد وتفكيكه ثم إقامة نظام سياسي أفضل، يعيد إليهم ما اغتصبه ونهبه المستبدون منهم. وحاول الباحث في هذا الفصل تحليل ما نلاحظه من سلبية وخوف وانعزال عن الحياة السياسية على كثير من المصريين، ومحاولة اكتشاف أسباب ذلك ومحاولة علاج هذا الخلل، من أجل أن يكتسب المصريون ثقافة الاحتجاج والعصيان المدني، حتى يحصلوا على حقوقهم التي اغتصبها حكامهم المستبدون. وفي الفصل الثاني ناقش الباحث "المتغير في سمات الشخصية المصرية"، فأكد أن الباحثين يرصدون تحولات نوعية في بعض السمات وتحولات نسبية في سمات أخرى, فمثلًا استخدم البعض ذكاءه في الفهلوة, وتعددت صور التدين .. بعضها أصيل وبعضها غير ذلك, وقلت درجة الطيبة وحل محلها بعض الميول العنيفة أو العدوانية الظاهرة أو الخفية, وتأثر الجانب الفني في الشخصية تحت ضغط التلوث والعشوائيات, وزادت حدة السخرية وأصبحت لاذعة قاسية أكثر من ذي قبل .. وأحيانًا متحدية فجة جارحة, أما عشق المصري للاستقرار فقد اهتز كثيرًا بعدما أصبحت البيئة المصرية طاردة نحو الخارج، بحيث أصبح حلم كثير من الشباب السفر إلى أي مكان لتحقيق أهدافه بعد أن أصبح متعذرًا تحقيق الآمال والأحلام على أرض الوطن. ويقول الباحث إنه يمكن تصور عددًا من العوامل الرئيسة التي أدت إلى تلك التغيرات في السمات الأصلية للشخصية المصرية، منها ثورة يوليو عام 1952م وما صاحبها من تغييرات جذرية (بعضها إيجابي وهو ما يتصل بالتحرر الوطني وطرد المستعمر, وأكثرها سلبي وهو ما يتصل بالحكم الاستبدادي البوليسي) أدت إلى تغيرات في البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي, وهزت البنية القيمية، حيث أشاعت قيمًا استبدادية قهرية, وأرست قواعد الاعتمادية على النظام, والسلبية, والفهلوة, وادعاءات البطولة الزائفة, والسير وراء الزعيم بأعين مغمضة وأصوات هاتفة وقلوب مليئة بالحماس الجارف بلا دليل. باختصار أحدثت الثورة ورجالها تناقضات هائلة في البنية النفسية للشخصية المصرية. وكذلك نكسة يونيو عام 1967م, التي كانت قمة التعبير عن خداع الذات والتسليم لزعامات كاريزمية بعيدة عن التخطيط السليم والموضوعية. حدث بعدها صدمة وتغيرات جذرية أخرى في الشخصية المصرية. ومنها معاهدة السلام مع إسرائيل، وما تبعها من تغيرات سريعة ومفاجئة لكثير من المفاهيم حول إسرائيل كعدو أساسي، والارتماء بعد ذلك في الحضن الأمريكي وما تبعه من تغيرات ثقافية واجتماعية. ومنها الانفتاح الاقتصادي المنفلت, وما تبعه من تنامي القيم الاستهلاكية, والرغبة في الثراء السريع دون جهد حقيقي, وشيوع قيم الخفة والفهلوة وانتهاز الفرص. ومنها العولمة وما أدت إليه من فتح السماوات للقنوات الفضائية والإنترنت, وفتح الأسواق لكل ما هو جديد, وفتح شهية المتلقي للمزيد من الجديد والغريب والمثير. ومنها قانون الطوارئ الذي امتد العمل به لأكثر من نصف قرن، والذي أدى إلى شيوع حالة من القهر والخوف, وانعدام الثقة بين السلطة والشعب, وأطلق يد السلطة الأمنية في كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس. كما أدى الزحام الشديد في المدن والقرى إلى الإحساس بالضيق والاختناق والحرارة الزائدة خاصة في الصيف, إضافة إلى ارتفاع معدلات التلوث السمعي والبصري, كل ذلك أدى إلى تنامي حالة من العصبية وسرعة الاستثارة والعدوان لدى المصريين بشكل لم يكن معهودًا من قبل. وناقش المؤلف قي الباب السادس "لماذا يحتج المصريون؟"، خصصه بالكامل لجرائم نظام مبارك التي أرهقت المصريين، ومنها: الأسس الخاطئة لنظام ثورة يوليو، وفشل هذا النظام في الحفاظ على استقلال مصر الوطني، وفشله أيضًا في إدارة الصراع مع إسرائيل، وفشله في إدارة المجتمع وفي تنميته وتحديثه، وجريمة نظام مبارك في إدارة المجتمع بالفساد، وحاكم الباحث نظام يوليو على أساس المبادئ التي قام عليها، وفي النهاية ناقش الباحث شرعية النظام البائد المفقودة التي عجلت بسقوطه. وخصص المؤلف الباب السابع لمناقشة قضية "المصريون وتفكيك الاستبداد"، وقدم اجتهادات سياسية وثقافية من شأنها تفكيك الاستبداد والتغلب عليه. وجاء الباب الثامن والأخير بعنوان " ثورة 25 يناير .. الدرس والإلهام"، والذي اشتمل على سبعة فصول، ليجعله المؤلف تطبيقًا عمليًا على ما ورد في الدراسة.