إذا كان الروائي أحمد زغلول الشيطي قد شارف علي إصدار كتابه "يوميات ميدان التحرير"، والقاص محمد فتحي قد أصدر كتاب "كان فيه مرة ثورة"، وهما عملان يتضح فيهما جليا مزج صاحبيهما بين أسلوب الوثائق وأسلوب السرد الأدبي ويشركان فيهما أحاسيسهما وانفعالاتهما الشخصية للتأريخ لثورة 25 يناير، فإن كتابا جديدا صدر حديثا يعتمد علي أسلوب الوثائق أو التقرير وسرد الأحداث بعنوان "ثورة مصر..18 يوما هزت العالم" عن "دار أخبار اليوم"، مزّيل بعبارة "ملف كامل لشهداء الثورة"، وهو الكتاب الذي خلا تماما من أي ذكر للمصادر الرسمية التي اعتمد عليها مؤلفه عند تأليفه، وهو بالطبع ما ينفي عن الكتاب صفة "العلمية" ويدخله بشكل أو بآخر في نوع "السرد الشخصي للوقائع". الكتاب أهداه صاحبه حسين عبدالواحد، الكاتب الصحفي بجريدة "أخبار اليوم"، إلي شهداء الثورة "إلي الشباب الذين فتحوا صدورهم لرصاص الغدر وقدموا دماءهم النبيلة فداء لرفعة الوطن وكرامته.. وإلي الأبطال الحقيقيين للثورة المصرية"، وفيه يبدأ من قبل أن تبدأ أحداث ثورة 25 يناير، أي منذ الظروف والأسباب المباشرة وغير المباشرة لحدوث الثورة. في "تمهيده" أشار عبد الواحد إلي سؤال شغل الكثيرين بعد تنحي الرئيس حسني مبارك، سؤال يتعلق في جوهره بطبيعة الشعب المصري وتحوله من شعب خانع وسلبي ومستكين باعتراف معظم رموزه ونخبته ومفكريه، إلي "مارد رهيب يطيح بكل من يعترض طريقه"، وفي التمهيد أيضا أكد عبد الواحد علي أن الحالة المصرية كانت هي المرشح الأول للانفجار، وفي الوقت ذاته أكد علي انتشار حالة الانفجار هذه في الوطن العربي بأكمله لأسباب تتعلق بسلطوية الحكام، وتخاذلهم أمام قضايا كبري كانتفاضة فلسطين واحتلال العراق وغيرها. حدد المؤلف أسبابا غير المباشرة لثورة وأخري مباشرة، وكان من غير المباشرة أسباب تتعلق بقانون الطواريء والقمع ومقتل خالد سعيد واغتيال سيد بلال والاستبداد والتوريث والفساد والفقر وتصدير الغاز لاسرائيل ومحاربة البرادعي، أما الأسباب المباشرة للثورة كما يرصدها المؤلف فكانت تزوير الانتخابات وتفجير كنيسة القديسين وثورة تونس. وفي إطار توثيق يوميات الثورة وتحت فصلين بعنوان "أيام الغضب" و"أيام مبارك الأخيرة في السلطة" يسرد المؤلف آلاف التفاصيل الخاصة بالأحداث علي المستويين الشعبي والرسمي، بل ويذكر نص بيانات الثورة قبل التنحي وبعده، ونص خطاب مبارك الأخير، وبيان رئيس المخابرات السابق عمر سليمان يوم 9 فبراير بعد تفويضه بصلاحيات رئيس الجمهورية، ونص خطاب التنحي الذي ألقاه عمر سليمان، ونص بيانات القوات المسلحة. وتحت فصل بعنوان "الطريق إلي الفساد" تصدرته مقولة للرئيس السابق في بداية توليه الرئاسة في أكتوبر 1981 "لن أرحم أحدا يمد يده نحو المال العام حتي لو كان أقرب الأقرباء.. إنني لا أحب المناصب وأكره الشللية والظلم واستغلال علاقات النسب والقرابة، لن أقبل الوساطة وسأعاقب لصوص المال العام، إن مصر ليست ضيعة لحاكمها كما أن الكفن ليس له جيوب"، في هذا الفصل يفصّل المؤلف مظاهر فساد رموز الحكم السابقين ومنهم أحمد نظيف وعاطف عبيد وحبيب العادلي رجال الأعمال وغيرهم. ولم يفت المؤلف أن يضع يده علي صدي "ثورة 25 يناير" في الوطن العربي والعالم أجمع، كما لم يفته أن يؤرخ للقصائد التي أّلفها الشعراء وألقوها خلال أحداث الثورة كقصيدة "ارحل" فاروق جويدة، وقصيدة "الميدان" لعبد الرحمن الأبنودي، و"مشهد رأسي من ميدان التحرير" لهشام الجخ، وتحت عنوان "ما بعد الثورة" يبرز المؤلف عدة تخوفات يشعر بها الكثيرون ومنها استمرار وجود مبارك وبعض أركان حكمه، واستمرار وجود قواعد للحزب الوطني في المحليات، وعدم الإفراج عن المعتقلين السياسيين وتطهير جهاز الشرطة والتخلص من قياداته الفاسدة وأجهزته خاصة جهاز مباحث أمن الدولة، ويبدو أن استعجال المؤلف في إصدار الكتاب جعله لم يلحق بتخوفات جديدة بدأت تظهر الآن تتعلق بحالة الفوضي العارمة والثورة المضادة والفتنة الطائفية والخوف من غياب الأمن وانتشار البلطجية التي تواجه المجتمع المصري بأكمله الآن. وفي ختام الكتاب يرصد المؤلف عددا من شهداء الثورة، مصدّرا الفصل بخبر إعلان وزير الصحة عن عدد الشهداء المبدئي القابل للزيادة، وألحق بالكتاب صور بعضهم إلي جانب 6 صور بدأها بطفلين يرسمان علم مصر علي وجهيهما وأنهاها برجل يمنح وردة لضابط جيش.