من بعد غربة السنين، أشعر أننا كأصحاب موسى بعد أن نجاهم الله من فرعون مصر، دخلنا التيه مثلهم بخطايانا وبما كسبت أيدينا، وإعجاب كل ذى رأى برأيه، وبإحجام البعض عن العمل جميعا وكأننا جزر منفصلة عن الآخرين. بالرغم أن الأصل فى السياسة اختلاف الآراء وتشعب الأفكار، إلا أننا رأينا بعض الدعاة والعلماء يتمسك كل منهم برأيه الشخصى فى المسائل السياسية، التى يسعنا فيها الخلاف وكأنه رأيه هو الرأى الأوحد، بل لا يحترم للآخرين آرائهم، عموما حتى تكون رأيا سياسيا، لابد أن يكون عندك الخبر الصادق والمعلومة الحقيقية، وهذا لن يتأتى إلا بأن تكون أنت صانع القرار أو فى دائرة قريبة من صناعته، وهذا لايتوافر لكل أحد، لذلك تختلف الآراء فى المسألة الواحدة بقدر ما وصلك من معلومات، مع الاعتراف أن الله قد حبا كل فرد بعقل وعلم وفهم يختلف عن الآخرين فى تحليل نفس الأمر واستنباط الفوائد والعبر بل والحكم على الأشخاص والمواقف (فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه). أيضًا مع الاعتراف بالتقصير وانشغال كل منا بدنياه الجديدة بعيدًا عن المصحف والدرس والقراءة، يجب أن يتنازل كل منا عن رأيه لصالح الجماعة ولنعلم أن قوتنا فى تجمعنا، وليس فى انعزالنا أو تفردنا، وأن كثرة الخلاف وتعدد الجماعات هو مرض يجب أن نتداوى منه، وداء يحتاج إلى علاج وورم يحتاج إلى استئصال، وخطيئة يجب أن نتوب إلى الله منها، وعلامة ضعف وانهزام مبكر ولما تبدأ المعركة بعد (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا). ونحن نبدأ صفحة جديدة ونريد أن نشيد بنيانا راسخا يتحمل الأعاصير القادمة، التى لايعلم حجمها ومداها إلا الذى يخلقها، نحتاج إلى كثرة الدعاء (وقال ربكم ادعونى استجب لكم)، والاستغفار (وما كان الله معذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)، والصلاة والصبر (واستعينوا بالصبر والصلاة)، والتمسك بما آتانا الله بقوة (خذوا ما آتيناكم بقوة)، مع الدعوة لأن يحكمنا المنهج والشرع، الذى ارتضاه الله لهذه الأمة الخاتمة (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم)، وإلى تجديد التوبة إلى الله (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)، والتواضع وعدم الكبر والتنازل للآخرين فى مواضع المجادلة وحب الاعتداد بالرأي، احرص على تشابك الأيدى والعودة إلى العمل جميعًا حتى نصل إلى خط النهاية كصف واحد وكعدد مكتمل، إياك والفرقة والكبر والاعتداد بالرأى، واعلم أن من أعظم الأوامر، التى ذكرها الله لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم (ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر) .....بارك الله فيكم من أمة عاملة تائبة مخلصة لربها مطيعة عابدة، سيباهى النبى صلى الله عليه وسلم بكم الأمم، وسينصركم ربكم على عدوكم، وسيعيد لكم مجدكم وعزكم ورفعتكم على الأمم، ولكم ماذا قدمت أنت لهذا الدين.