"عبد الناصر" اعتمد عليهم فى حربه مع إسرائيل.. وكرمهم "السادات" بلقب "صقور الصحراء" "مرسى" فتح لهم "القصر الجمهورى" لأول مرة "مبارك" حرمهم من تملك الأراضى ووضعهم بالسجون السيسى.. مواجهات عنيفة بين الأهالى وقوات الأمن عضو اللجنة الشعبية لقبائل سيناء: سيناء تعيش أسوأ عصورها
تعيش شبه جزيرة سيناء، حالة من الاضطراب الأمنى المتزايد، جعلها فى صدارة البؤر المتوترة، لاسيما مع تزايد الهجمات الإرهابية التى تشنها الجماعات الإرهابية ضد قوات الأمن من ناحية، وأهالى المنطقة من ناحية أخرى الذين باتوا يعانون من التهجير، واستهداف متعمد لها من جانب الإرهابيين. ورغم الدور القبائلى لمنطقة سيناء على مر التاريخ من بطولات وتضحيات تشهد عليها رمال أرض الفيروز حتى الآن, إلا أنه فى السنوات الأخيرة تدهورت العلاقة بين قبائل سيناء والدولة, حيث واجه بعض عرب الفيروز تهمًا بالخيانة والإدانة حول إمداد المتشددين بالسلاح، أو تسهيل أعمال بعض الجماعات التكفيرية, وعلى الرغم من نفى أهالى سيناء لهذه التهم مازالت العلاقة تشهد نوعًا من الفتور. وفى الآونة الأخيرة، اقترنت كلمة "البدو" فى مصر بالإرهاب، خاصة عقب تزايد العمليات الإرهابية فى شبه جزيرة سيناء، وساعدت بعض وسائل الإعلام المصرى، على تنامى هذه السمعة السيئة، حيث تحولت إلى بوق يوجه الاتهامات بشكل دائم للمجتمعات البدوية، فى نظرة متدنية للتقليل من شأنها ودورها بالمجتمع على الرغم من دورها فى البلاد وتضحياتها فى حماية الحدود الغربية والشمالية والشرقية لمصر، لاسيما وقت الحروب. جمال عبد الناصر عقب نكسة 67، ظهر الدور الحقيقى لقبائل وبدو سيناء, حيث كرمهم عبد الناصر فى إحدى خطبه "عندما أشاد بدورهم فى إنقاذ الجنود من الوقوع كأسرى فى أيدى الإسرائيليين". واستطاعت الدولة، أن تستفيد من تضحيات بدو سيناء وقتها، حيث كانوا يقومون باصطحاب الجنود ويتنقلون بهم من بين الجبال لمدة ستة أشهر بعيدًا عن أعين العدو، ثم بعد ذلك ينقلوهم إلى القاهرة سالمين, فضلاً عن تطوع أبناء سيناء كفدائيين للعمل مع الجيش حيث طلب من أبناء سيناء القيام بثلاث مهام أساسية ومهمة جدًا لدى الجيش المصرى آنذاك، وهى "جمع المعلومات عن جيش العدو، وتصوير مراكز وقواعد ارتكازات جيش العدو، والقيام بالعمليات الاعتراضية خلف الخطوط والمواقع المتأخرة لجيش العدو". وكان نظام عبد الناصر، يستفيد منهم كل على حسب مهارته وقدرته على العطاء، فمنهم من كان يختار التصوير، فيقوم بتصوير مواقع وارتكازات العدو، حيث كانت أجهزة المخابرات تقوم بتدريبهم على استخدام أحدث كاميرات للتصوير فى ذلك الوقت، حيث كانوا يختبئون وسط الأغنام ويرتدون "القاعد"، وهو ملبس مصنوع من صوف الخراف حتى يتمكنوا من الاختباء وسط الأغنام دون أن يكتشفهم العدو الإسرائيلي، مضيفًا أنهم كانوا ينقلون كل تحركاتهم للقيادة المصرية. ويذكر، أن عدد الفدائيين فى ذلك الوقت والذين شاركوا فى هذا النصر العظيم 850 فدائياً من الأربع محافظات "سيناءوالسويس وبورسعيد والإسماعيلية". أنور السادات "صقور الصحراء تراقب أعداءنا".. هكذا كانت علاقة الرئيس الراحل أنور السادات بقبائل سيناء، حيث كانت تجمعهم قضية الحرب والاحتلال الإسرائيلى, وكثيرًا ما كان يستعين بهم الرئيس فى العمليات الفدائية، وخاصة خلال حرب الأعوام المعروفة بحرب الاستنزاف, حيث كانوا يعملون كرادار ينقل ما يحدث على أرض الفيروز للمخابرات الحربية . ومن أكثر المواقف التى تشهد عمق العلاقة بين قبائل سيناء والسادات عام 1970، عندما قامت المخابرات الحربية بتسليم 32 جهاز إرسال لعدد 64 فردًا من شيوخ قبائل سيناء بعد تدريبهم على استخدامها وبتوزيعهم على مناطق متفرقة من سيناء، وطلبت منهم أن يكون الاتصال يوميًا لمدة 10 دقائق فقط لكل جهاز، يرسل خلالها كافة تحركات العدو الإسرائيلى فى سيناء، واستمر أبناء سيناء عيون القيادة المصرية داخل سيناء تكشف لمصر التحركات العسكرية لقوات العدو الإسرائيلى. بدأت إسرائيل البحث عن ترددات أجهزة إرسال تعمل فى سيناء، وبالفعل اكتشفت هذه الأجهزة وألقت القبض على 64 شخصًا من بدو سيناء، ونقلتهم إلى تل أبيب حيث وضعوا فى السجون تحت أصعب وأقصى وأبشع فنون التعذيب، وأصدرت المحاكم الإسرائيلية أحكامًا لأكثر من 150 سنة على أبناء سيناء كبديل لعقوبة الإعدام التى لا تطبقها إسرائيل, وعندما تدخل الرئيس السادات طالب بمبادلة أكثر من 200 أسير مصرى فى سجون إسرائيل وجاء على قائمة الأسماء 64 بطلاً من بدو سيناء. حسنى مبارك كان تعامل مبارك مع قبائل سيناء مختلفًا تمامًا, حيث إنه بعد انسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982 وفقًا لمعاهدة السلام، بدأ نظام مبارك ينظر لبعض بدو سيناء أنهم متواطئون مع إسرائيل, الأمر الذى ترتب عليه سلسلة من القرارات الصارمة، التى كان أهمها منع تملك السيناويين لأى أراض, كما زاد الطين بلة سياسة تنمية ساحل جنوبسيناء التى اعتمدت على تهميش البدو وجلب العمالة وتوطينها من الوادى بدلاً من الاستعانة بهم، الأمر الذى زاد من عداوة البدو تجاه القادمين من هناك. وكان قبيلتا "السواركة" و "الترابيين"، من أكثر القبائل المعادية لمبارك, ولكن فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى، بدأ مبارك فى عقد هدنة مع بعض قبائل سيناء وتدبير عدة لقاءات للتعرف على مشاكلها, بل أصدر قرارًا بالإفراج عن بعض المعتقلين وسمح لهم بتملك الأراضى ولكن بشروط غير قابلة للنقاش, الأمر الذى ترتب عليه تخفيف حدة الصراح بينهما، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن, حيث قامت ثورة يناير وكان قبائل سيناء من المطالبين بتنحى مبارك، خاصة أنه لم يزر بدو سيناء سوى مرتين فقط طوال 30 عامًا . وبعد تفجيرات شرم الشيخ ودهب فى 2004-2005، التى أدت إلى انهيار السياحة تماماً فى شرم الشيخ، وسببت حرجًا ضخمًا لنظام مبارك، ما جعل النظام يتعامل بأقصى درجات العنف مع البدو بعد تلك التفجيرات، واتبع سياسة الانتقام منهم، وتم القبض على الآلاف وتعذيبهم وضربهم بدون محاكمة أو إبداء أسباب, حيث تم انتهاك البيوت وحرماتها, ما جعل الكثير من شباب البدو يتجهون نحو الانتقام من الحكومة ومبارك وقتها. محمد مرسى كان الرئيس المعزول محمد مرسى كثير اللقاءات بقبائل سيناء وعربهم, وكان ملف سيناء على أولوية أجندة أعماله، لذلك قام بحوالى 8 زيارات رئيسية متبادلة، منها 3 زيارات لسيناء خلال شهرين كان أهمها, فى نوفمبر 2012 عندما دخل أبناء سيناء إلى القصر الجمهورى لأول مرة فى التاريخ، حيث طلب المعزول بتشكيل وفد يمثلهم ليلتقى بهم فى القصر بوجود عدد من المسئولين عن تنفيذ خطط تنمية سيناء. جاء ذلك بعد زيارته الشهيرة فى 5 أكتوبر 2012 والتى اتخذ مرسى قرارًا بعدها بإعادة محاكمة أبناء العريش، وتوفير ضمانات العدالة لهم بعد أن حكم القضاء على المئات منهم حضوريًا وغيابيًا بالإعدام والسجن المؤبد وعقوبات أخرى، حيث التقى بممثلى القوى السياسية والاجتماعية والقبلية، واستمع لمطالبهم وهمومهم. وفى عهد مرسى، سلم أهالى سيناء لأول مرة السلاح للجيش المصرى بدون شروط, رغم تعنت بعض القبائل إلا أن زيارة رئيس الدولة وقتها دفعت البعض التأكيد أن عهدًا جديدًا يبدأ بعد صراعهم مع مبارك. عبد الفتاح السيسى شهدت العلاقة بين الرئيس عبد الفتاح السيسى وقبائل سيناء توترًا ملحوظ, فعلى الرغم من التأييد الشديد للسيسى فى بداية حكمه إلا أن الأمر اختلف تمامًا بعد مررو 6 أشهر، حيث بدأت الاعتصامات تضرب شمال سيناء نتيجة تهجير سكانها، وكانوا قد طالبوا مقابلة السيسى أكثر من مرة حيال مقتل عشرات الشباب بالخطأ على يد قوات الشرطة . لم ينته الأمر فقط على القتل، بل وصل إلى حد الاتهام ب"الخيانة"، حيث اتهم النظام بعض القبائل السيناوية بانضمامها للجماعات التكفيرية, ومساعدة هذه الجماعات للدخول ومعرفة بؤر كمائن الشرطة، الأمر الذى أثار غضب أهالى سيناء ووضعهم تحت مطلب واحد هو رفض لقاء وزير الداخلية بعد مقتل عشرة من أبنائهم، واستقالة نواب شمال سيناء من البرلمان, والإفراج الفورى عن المعتقلين والمختفين قسريًا، والملاحقين، الذين لم تصدر ضدهم أى أحكام قضائية، والتهديد بالعصيان المدنى فى حالة عدم تنفيذ المطالب, ومعرفة مصير جثث شهدائهم". كما رفض عدد من القبائل، مبادرة السيسى حول تسلميه السلاح, حيث لم يتسلم سوى 300 قطعة سلاح متنوعة، وهو ما يمثل القليل مقارنة بما تحتويه بيوت أهالى البدو . خبراء: نخشى أن تدخل الأمور فى سيناء خط الفوضى من جانبه قال أشرف الحفني، عضو اللجنة الشعبية لقبائل سيناء، إنهم يعانون بشدة من الإرهاب والظلم الشديد، مؤكدًا أن سيناء تعيش أسوأ عصورها منذ حرب أكتوبر, حيث إنهم يواجهون التعنت من قبل النظام, موجهًا حديثة للرئيس:"السيناوية فاض بهم الكيل وتحملوا ظروفًا قاسية تختلف عن أوضاع أى مواطنين آخرين فى الجمهورية، فهم يقعون تحت وطأة وبشاعة العمليات الإرهابية، وضغط الممارسات الأمنية العنيفة مع المدنيين واعتقال عشرات الشباب السيناوى دون اتهامات واضحة"، على حد تعبيره. وأضاف الحفنى ل"المصريون" قائلاً: "نهدد بالدخول فى العصيان المدنى بسبب تقاعس وزارة الداخلية عن فتح التحقيقات لمعاقبة من تسبب فى قتل مجموعة من الشباب من العائلات واتهامهم بالإرهاب، رغم أنهم كانوا محتجزين منذ أكتوبر الماضى لدى الداخلية، وأنهم لم يتلقوا أى رد على بلاغهم الذى تقدموا به إلى النائب العام ويطالب بمساءلة القيادات الأمنية المتورطة فى الجريمة، بحسب تعبيره. وأوضح، أن اللجنة الشعبية لقبائل العريش انبثق عنها لجنة الدفاع عن سيناءبالقاهرةوالمحافظات، والتى تهدف إلى إيصال صوت أهالى سيناء الغائب منذ سنوات طويلة، والتعبير عن عدة مطالب واضحة، أبرزها التزام التنمية المعتمدة على الذات، وطرح تملك الأراضى فى شكل تعاونيات زراعية، والمطالبة بضرورة سريان الدستور والنظام العام على المناطق الحرة من أجل مواجهة تدنى الخدمات والبنية التحتية فى معيشة مواطنى سيناء، فضلاً عن ندرة فرص العمل لهم، ودعم البحث العلمى وإقامة مركز بحثى متطور، يعمل من واقع احتياجات وطبيعة سيناء وكيفية الاستفادة من مواردها الطبيعية. وأكد، أن مطالبهم تتضمن تكوين لجنة قانونية مستقلة غير ممولة خارجيًا، تعنى بشئون سيناء مواطنين وأرضًا، بالإضافة إلى مقاومة كل أشكال فصل سيناء عن الوادى ودراسة وكشف أى تأثيرات ضارة لمشروع تنمية محور قناة السويس على اتصال الوادى بسيناء، والتأكيد أن المواطنة هى الأساس وحق لكل مصرى من أهل سيناء، وضرورة مكافحة الإرهاب ودعم كل ما يقوى السيادة المصرية فى سيناء. وفى نفس السياق، قال سعد العياشى، المحلل السياسى، إن المشهد فى سيناء يؤكد أن الأمور تدخل على خط الفوضى والانفلات الكامل، مضيفًا أن العمليات المسلحة تزداد يومًا بعد يوم، فى ظل عجز تام من جانب النظام الحالى. وأضاف العياشى ل"المصريون"، أن سيناء أصبحت نقطة الصراع الساخنة قائلاً: "نخشى أن ندخل فى إطار المساومات مع قوى خارجية", مشيرًا إلى أن ولاية سيناء بسطت نفوذها على مناطق واسعة من سيناء، وباتت تتحرك بأريحية وتتحاور مع المواطنين، فى ظل غياب تام للجيش والشرطة .