بينما يتهيأ المزارعون في سيناء هذه الأيام للعناية بشجرة الزيتون استعدادًا لحصاد إنتاجها في شهر سبتمبر المقبل، فإن الدماء لا تزل تروى أرض سيناء، في مشهد يناقض ما عرف عن غصن شجرة الزيتون، باعتباره رمزا للسلام. وتشتهر سيناء، التي تشكل ثلث مساحة مصر، بزراعة شجرة الزيتون، غير أن هذه الشجرة التي يعد غصنها رمزا للسلام، أصبحت هي الأخرى ضحية لما يعرف ب"الحرب على الإرهاب"، التي يشنها الجيش على التنظيمات الإرهابية، التي صارت أرض سيناء قبلة لها. وتستغرق شجرة الزيتون وقتا طويلا لتؤتي ثمارها، وهو الأمر الذي يجعل زراعتها وقت الحروب أمرا مستحيلا، فصار غصنها رمزا لإحلال السلام، غير أن أرض سيناء المصرية، التي ذكر اسمها في القرآن الكريم مقرونا بهذه الشجرة المباركة في قوله تعالى "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين"، ارتبطت في كتابات المؤرخين بتاريخها الطويل مع الدماء. ومنذ العهد الفرعوني، تعد سيناء مسرحا لحروب خاضتها الدولة المصرية، ضد المستعمرين، لكونها بوابة مصر الشرقية، وحائط الصد ضد أي مستعمر يرغب في اقتحامها من الناحية الشرقية. ويسجل التاريخ بطولات سطرها ملوك الفراعنة على أرض سيناء، أشهرهم الملك أحمس ابن سقنن (1725ق.م - 1575 ق.م)، والذي قام بمهاجمة الهكسوس في عاصمتهم أواريس (جنوب محافظة الشرقية - شرق الدلتا) حتى سقطت بعد ثلاث حملات ثم طاردهم إلى سيناء، والتي فروا إليها وتحصنوا في حصن شاروهن بمنطقة غزة، وحاصرهم هناك ثلاث سنوات متتالية، ثم أقتحم الحصن وفر من بقى من الهكسوس ولم يظهر اسمهم مرة ثانية في التاريخ. ظلت سيناء بعد ذلك محورا لعمليات حربية على مدار العصور المختلفة، كانت جميعها بهدف صد محاولات الولوج إلى مصر من بوابتها الشرقية، وكان أشهر الحروب التي دارت في تاريخ مصر الحديث، هي تلك التي دارت مع إسرائيل. ففي عام 1956 قامت كل من إسرائيل وفرنسا وإنجلترا بعمل هجوم منظم، فيما يسمي بالعدوان الثلاثي علي مصر. وقامت المقاومة الشعبية حينها بأعمال بطوليه لصد العدوان، غير أن إسرائيل استغلت الأحداث واحتلت سيناء بالكامل، وصدر قرار من مجلس الأمن آنذاك برد جميع الأرض المحتلة الي مصر وعدم شرعية الهجوم علي مصر. وقامت إسرائيل مجددا في 5 يونيو 1967 م بشن هجومًا على مصر وسوريا والأردن، واحتلت سيناء والجولان والضفة الغربية للأردن،·واستطاع جيش مصر برغم فداحة الخسارة أن يعبر هذه المحنة ويدخل حرب الاستنزاف، التي مهدت لانتصار أكتوبر عام 1973. ويدخل الرئيس المصري الراحل أنور السادات في تسوية النزاع العربي الإسرائيلي لإيجاد فرصة سلام دائم في منطقة الشرق الأوسط، فوافق على معاهدة السلام التي قدمتها إسرائيل (كامب ديفيد) في 26 مارس 1979 بمشاركة الولاياتالمتحدة بعد أن مهدت لذلك زيارة الرئيس السادات لإسرائيل في 1977. وإثر المعاهدة، انسحبت إسرائيل من شبه جزيرة سيناء تماما في 25 أبريل 1982 مع الاحتفاظ بشريط طابا الحدودي بجنوبسيناء، والذي استرجعته الحكومة المصرية فيما بعد، بناء على التحكيم الذي تم في محكمة العدل الدولية فيما بعد. ومنذ نجحت مصر في استرداد أراضي سيناء، لم يحصل أهلها على ما كانوا يأملونه من خدمات وتنمية إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، حتى باتت تلك البقعة من أرض مصر تشتهر فقط بالمنتجعات السياحية، والتي تتركز في جانب واحد منها هو "جنوبسيناء"، وأهمل الشمال تماما. ويشعر أهالي سيناء أنهم قدموا الكثير خلال فترات الحروب، ولم يحصوا خلال فترات السلم على ما كانوا يأملونه من خدمات، وكان المطلب الدائم لأهالي سيناء هو الحصول على عقود تمليك لمنازلهم وأراضيهم الزراعية التي لم يتملكوها حتى اليوم، كما طالبوا بقبول أبنائهم في الكليات العسكرية. وخلال مؤتمر جماهيري نظمه تيار الاستقلال "حزب مؤيد للسطة الحالية" بمحافظة شمال سيناء في أكتوبر/ تشرين أول 2014، لبحث كيفية مواجهة الإرهاب بالمنطقة، تحدث المشاركون بالمؤتمر عن أن عدم تنفيذ هذه المطالب يوفر البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة. والإرهاب في سيناء ليس وليد الوقت الراهن، فخلال حكم مبارك شهدت سيناء عدة عمليات إرهابية، لكنها كانت تتركز في جنوبسيناء، وهو ما فسر وقتها بأن الهدف منها إحراج مبارك، لأنه كان يولي اهتماما خاصا بالجنوب وتحديدا مدينة شرم الشيخ الذي حوله مبارك إلى مقر شبه دائم له، ومكان لا يقصده إلا الصفوة والسائح الأجنبي. وباستثناء تفجير خط الغاز في العريش بشمال سيناء، والذي تكرر 15 مرة خلال حكم مبارك، لم تشهد شمال سيناء حوادث إرهابية مؤثرة، وكان النشاط الإرهابي يتركز في جنوبسيناء، وكانت أشهر العمليات تفجيرات طابا ونويبع في 24 اكتوبر أول عام 2004 وراح ضحيتها العشرات، وتفجيرات شرم الشيخ في 23 يوليو عام 2005، وتفجيرات دهب في 24 أبريل عام 2006. وتبنت هذه التفجيرات وقتها عدة جهات، من بينها الجماعة التي تطلق على نفسها (كتائب التوحيد الإسلامية)، والتي تبنت تفجيرات طابا، والمجموعة التي تسمي نفسها كتائب عبد الله عزام التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تبنت تفجير شرم الشيخ. ثم بدأت العمليات الإرهابية تأخذ منحى مختلف بعد الإطاحة مبارك وظهرت على السطح مسميات أخرى، مثل أنصار بيت المقدس، والتي صار اسمها لاحقا " مجاهدوا ولاية سيناء"، وذلك بعد إعلان ولائهم لتنظيم داعش الإرهابي. وتركزت العمليات الإرهابية بعد تنحي مبارك في شمال سيناء، بينما لم تشهد جنوبسيناء سوى حادثة واحدة فقط في أكتوبر 2013 استهدفت مديرية أمن جنوبسيناء بمدينة الطور. وكشف رصد قامت به وكالة الأناضول، أن إجمالي الحوادث التي شهدتها شمال سيناء منذ تنحي مبارك حتى الآن، حوالي 49 حادث. ووقعت هذه الحوادث التي كان آخرها الخميس الماضي، في عهد 4 إدارات مختلفة للبلاد، هي المجلس الأعلى للقوات المسلحة (11 فبراير 2011 - 30 يونيو 2012)، والذي شهد عهده 7 عمليات إرهابية، أسفرت عن 11 قتيل و 29 مصاب، وانخفضت عدد العمليات في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي (30 يونيو/حزيران - 3 يوليو/تموز 2013) إلى خمس عمليات، لكنها أسفرت عن عدد أكبر في القتلى مقارنة بفترة المجلس العسكري، حيث وصل عدد القتلى إلى 23 قتيلا، إضافة إلى 8 مصابين وحادثة اختطاف 7 من الجنود. وزادت وتيرة العمليات الإرهابية بشكل ملحوظ بعد عزل مرسي، وخلال فترة الرئيس المؤقت عدلي منصور (3 يوليو - 8 يونيو 2013) وقع 27 حادثا، أسفروا عن 79 قتيلا و161 مصابا، وخلال سبعة أشهر من حكم الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي وقعت 13 عملية إرهابية، أسفرت عن 97 قتيلا و91 مصابا، كان حادث الخميس الذي تتضمن تفجيرات متزامنة في ثلاث مدن، هو الأكبر من حيث عدد الضحايا والمصابين. وهكذا، فإن سيناء التي كانت على موعد مع التنمية، صارت على موعد متجدد مع الدماء التي توارى معها مسمى "أرض الفيروز"، حتى باتت مواقع الكترونية وصحف تصفها ب " أرض الدماء". وتسمى سيناء تاريخيا ب"أرض الفيروز"، ولهذا المسمى روايات عده، تقول إحداها إن هذا الاسم يعود إلى أن المصريين القدماء قد اكتشفوا معدن الفيروز بها، وقيل لأن القمر إذا سطع على رمالها تبدو كالفيروز. وتبلغ مساحة سيناء نحو 61 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل نحو 6% من جملة مساحة مصر، وتنقسم إداريا إلى محافظتين: شمال سيناء وعاصمتها العريش، وتقع على ساحل البحر المتوسط، وجنوبسيناء وعاصمتها الطور، ومن أهم مدنها طابا وشرم الشيخ ونويبع. وتملك سيناء وحدها نحو 30% من سواحل مصر، حيث تحاط بالمياه من أغلب الجهات: البحر المتوسط في الشمال (بطول 120 كلم) وقناة السويس في الغرب (160 كلم) وخليج السويس من الجنوب الغربي (240 كلم) ثم خليج العقبة من الجنوب الشرقي والشرق (150 كلم). وتعد تلك البقعة المهمة من أرض مصر، المورد الأول للثروة المعدنية في مصر، حيث يتدفق من أطرافها الغربية البترول ومن شرقها النحاس والفوسفات والحديد والفحم والمنغنيز واليورانيوم، كما تشتهر بوجود أجود أنواع الفيروز في العالم والذي اكتشفه قدماء المصريين على أرضها واستخدموه في تزيين المعابد والتماثيل. والسكان الأصليون لسيناء هم من سلالة المصريين القدماء، إضافة إلى البدو الذين نزحوا إليها من شبه الجزيرة العربية، نتيجة لظروف البيئة الصحراوية الطاردة بها. وتنقسم سيناء إداريا إلى محافظة شمال سيناء وعاصمتها مدينة العريش، ومحافظة جنوبسيناء وعاصمتها الطور، وهناك مطالبات من جانب قبائل سيناء بأن تكون هناك محافظة في الوسط غير أن الترسيم الجديد للمحافظات المصرية الذي صدر - مؤخرا - لم يتطرق لهذا المقترح. وتختلف القبائل من مكان لآخر داخل سيناء، فتسكن الشمال قبائل ( السواركة، البياضية، بلى الملاعبة ، الأخارسة ، لعقايلة ، السماعنة، العيايدة، الدواغرة، الرميلات، الرياشات، المساعيد، العكور)، وتسكن الجنوب قبائل (العليقات، المزينة، الصوالحة، القرارشة، الجبالية، الحماصة، أولاد سعيد ، بني واصل، الجراجرة)، أما الوسط فتسكنه قبائل (التياها، الترابين،الاحيوات، الحويطات). وحياة البدو هي الصفة الغالبة على السكان في محافظتي جنوب وشمال سيناء، ويعد النشاط الزراعي هو أبرز أنشطتهم الاقتصادية، وفي مقدمة الزراعات التي تشتهر بها المنطقة هي زراعة الزيتون، والتي تبلغ مساحة الأراض المزروعة بها 15 ألف فدان، وفق بيانات مديرية الزراعة بالمحافظة. وطالت الإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات المصرية لمواجهة الإرهاب في سيناء أغلب مناطق زراعات الزيتون، وتم تجريف مساحات منها، وفق تقارير صحفية نشرت في عده مواقع إلكترونية وصحف مصرية، وهو ما جعل هذه الشجرة الهامة التي يتخذ غصنها رمزا للسلام أحد ضحايا الإرهاب.