أخطر ما يميز المرحلة القادمة على مصر وشعبها هو أننا قد نرى الاختفاء الشامل للمعارضة كل المعارضة بحيث لا يصبح على الساحة أي مدافع عن الشعب المصري ومصالحة في مواجهة سلطة تغولت ثم شاخت في مقاعدها ثم ها هي على وشك تسليم الحكم لسلطة أكثر تغولا منها وأمامها ثلاثة أو أربعة عقود قبل أن تشيخ في مقاعدها بدورها. واختفاء المعارضة الرسمية أو الحزبية أو السياسية أصبح شبه مؤكد ليس لأنها لم تحصل على مقاعد كثيرة في مجلس الشعب أو لأن بعضها لم يتأسس في شكل رسمي بل لأن الاتجاه الحكومي الراهن مدعوم بحملة ضغوط إعلامية وسلطوية بل وخارجية قوية على أن تعتبر المعارضة أن القضية الأولى والأخيرة والمصيرية في مصر الآن هي مواجهة التيار الإسلامي مع اعتبار النظام الحليف والطرف الأساسي في هذه المواجهة وإسقاط أي تناقض معه مهما فعل وسوف يسهل النظام نفسه هذا الأمر بالإعلان عن عملية التوريث رسميا وتصويرها على أنها عملية إصلاح وتجديد وتغيير تستجيب لكل مطالب المعارضة التي لا يعود أمامها (وفق هذا التصوير للأمور) من سبيل إلا التحالف مع هذا النظام المعدل الوجوه والأسماء في وجه الخطر الحقيقي والوحيد على مصر الذي هو الإخوان أو التيار الإسلامي وليس أي شيء آخر سواء القمع والفساد والانهيار الداخلي ولا التدخل أو التبعية للخارج ناهيك عن الانسحاق تحت وطأة العولمة. ولكن إذا كان اختفاء المعارضة المسماة بالمدنية هو المطلب الذي يسعى الحزب الحاكم لتحقيقه الآن فإن من فصائل هذه المعارضة من يشتاق إلى هذا الاختفاء أو الموت لقاء البعث والنشور في هيئة جديدة كتابعين ومشاركين في الحكم حسب أمنياتهم. وليس في هذا الاكتشاف عبقرية فالعملية قائمة منذ الثمانينات عند حزب التجمع وأصوات وتوجهات في الأحزاب الأخرى وها نحن نشهدها الآن في مسلك البعض من جماعات وجمعيات حقوق الإنسان والنشاطات الأهلية التي راحت في تقاريرها عن الانتخابات تهاجم الإخوان لرفع شعارات دينية ولا تعاتب (مجرد عتاب) الحزب الحاكم على الاستخدام الفعلي ليس لشعارات وإنما لعمليات القمع والتدخل والتزوير والتزييف الواقعي. وبلغت الأمور في تصريحات تعبر عن مخاوف من الإخوان وليس من ممارسات الحكومة.