منذ قيام ثورة 25 يناير، لا يكاد المصريون يمسون حتى يصبحوا على مفاجأة، أحيانًا ما تكون سارة وكثيرًا ما تكون غير ذلك، والسبب فى يقينى أن النخبة والقيادة لم تصل إلى مرحلة الاتزان الكامل فى التصرفات لا على مستوى الإدارة ولا على مستوى التنفيذ، ووُضعنا أمام اختيارات يجدها البعض صعبة ويستعذبها البعض الآخر حسبما تتفق أو لا تتفق مع هواه، والنتيجة إلى الآن، نحن لم ننجز الكثير من مطالب الثورة، وهذا خطير جدًا على مصالح البلاد والعباد، فالغالبية ينشدون الاستقرار بأى ثمن وعدد ليس بالقليل يريد هدم المعبد على من فيه وهذا أخطر ما فى الأمر. لقد تم تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، ولم تعجب الأقلية، وهذه الأقلية واضح أنها كانت وما زالت مستندة إلى قوة تساندها وتحمى ظهرها، ماذا وإلا ما إن وافقوا على اختيارهم فى اللجنة التى شكلها مجلس الشعب والشورى خرجوا علينا واحدًا تلو الآخر، يعلن التنصل من اللجنة التأسيسية التى قبلوها فى البداية، بحجة أنها لم تكن متوازنة، ولكن لو دققنا فيها سنجدها متوازنة بنسبة 90% على الأقل، وقد تكون أغفلت اللجنة عن غير عمد تمثيل بعض المناطق والفئات بصورة كافية أو بعض الأشخاص المرموقين، كما رآها كثير من النخبة، وإن أردنا أن نمثل كل أفراد المجتمع بصورة متناسقة وصحيحة سنحتاج إلى لجنة تأسيسية مكونة من 1000 عضو على الأقل وليس 100 عضو، كما ينص الإعلان الدستورى، وفى النهاية لن يتفقوا على شىء وسنجلس سنوات فى كتابة الدستور، والذى إن خلصت النوايا من الجميع لتم الآن الانتهاء من كتابة الدستور. إذًا المطلوب من الجميع هو التوافق والإيثار، وأن يتراجع الكل إلى الكل، لا أن يتحاربوا ويتراشقوا بالاتهامات والخيانة والعمالة، وأن يطرح كل واحد نفسه على أنه البديل المفضل فى هذه المرحلة، البعض يريدها حصصًا والبعض يريد أن يهيمن والبعض يريد أن تظل الفوضى كما هى، وفى يقينى لولا انسحاب ممثلى الأزهر ومن بعده الكنيسة، لتمت هذه اللجنة وبدأت عملها، ولكن ما حدث قد حدث، وحكمت المحكمة بعد ذلك ببطلان تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور وإعادة تشكيلها، وما زال الجدل قائمًا حول من يدخل ومن لا يدخل، وهذه اللجنة أيًا ما كانت، ستشكل دستورًا قد يرضى عنه الشعب أو يرفضه، لأن فى النهاية أى طرف سينفرد بكتابة الدستور لابد أن يعلم أنه لا يكتب دستورًا لنفسه، وإلا سيكون هو الخاسر الأكبر. هذا اللغط والتشكيك فى كل ما حدث، يأخذنا إلى المسألة الأخطر والأهم فى هذه المرحلة، وهو دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب الحالى والطعن المقدم عليه من قبل عضو فى البرلمان نفسه، إذ لا بد أن يعى الجميع بأن هذه الانتخابات كلفت الدولة المصرية الكثير من الأموال التى نحن فى أمس الحاجة إليها، وكلفت القوات المسلحة والقضاة والشرطة الكثير من الوقت والجهد فى تأمين هذه الانتخابات حتى تخرج بالصورة المشرفة التى شاهدناها وشاهدها العالم كله، ولكن يبدو أن هناك بعض الخفافيش التى ما زالت تضمر العداء لهذا الوطن، ولا يسعدها أبدًا أن ترى نقطة واحدة مضيئة، وطعنوا على الانتخابات التى قيل قبل إجرائها أنه تم تحصين قانون الانتخابات من عدم البطلان أمام المحكمة الدستورية، لأنه كان متوقعًا أن يطعن عليه، وبالتالى إذا ما حكمت المحكمة الدستورية ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب، ستعم الفوضى البلاد ولن يستقر الحال مرة أخرى، وسنعود إلى المربع صفر، وهذا ما يريده أعداء الثورة فى كل مكان. لذلك فى هذه المرحلة الحرجة، ونحن مقبلون على اختيار رئيس جمهورية اختيارًا حقيقيًا لأول مرة فى التاريخ، على الأقل، بالنسبة إلى كل من سيشارك فى هذه الانتخابات، نرجو من كل من بيدهم الأمر فى هذا البلد، تحكيم العقل والمنطق ووضع مصلحة البلاد العليا فى المقدمة، والنظر إلى الأخطار التى تحيق بنا من كل جانب على الحدود، وفى الداخل، وما يحدث من المسلسلات التراجيدية من حرائق للشركات المصرية الكبرى والتى تشم منها رائحة الخيانة والتآمر على حرق الوطن وهدم المعبد على رءوس من فيه، أفيقوا وانتبهوا فما زالت ظلمة الليل لم تنجلِ، وما زال نور الصبح لم يظهر كاملاً بعد، حفظ الله الوطن ونفع بشبابه هذه الأمة إن شاء الله. [email protected]