كل ما جاء بعد تنحّي الفِرعون المخلوع محمد حسني مبارك عن حكم مصر في مغرب يوم الجمعة (11 من فبراير سنة 2011)، كان ردود فعل، سواء من المجلس الأعلى للقوات المسلحة (المجلس العسكريّ) أو القوى المؤثرة في المشهد السياسيّ العام أو عموم الشعب. ولقد تأرجح الوضع العام بين الفرح العام والقلق المقترن بالشك، الفرح لإزاحة رأس النظام الإقصائيّ القمعيّ، والقلق والتحذير من الوضع غير الطبيعيّ لتسليم السلطة السياسية من الرئيس المخلوع للمجلس العسكريّ (الذي كُوّن من ستة من قادة الجيش المصريّ في سنة 1968 بعد نكبة مصر والعرب والمسلمين في يونيه سنة 1967، القائد العام ورئيس الأركان وقادة الأفرع الأربعة للقوات المسلحة برئاسة القائد الأعلى رئيس الجمهورية، ثم صار الآن تسعة عشر). ولما كان ما بُني على باطل فهو باطل ويؤدي إلى الباطل؛ لذا كان باديًا للمراقبين مدى الفوضى السياسية العارمة في كل نواحي الحياة، مقترنة بالفرحة الممتزجة بعدم تصديق انهيار رأس الحكم الفاسد وأجهزته القمعية في بداية الثورة المباركة. وفي المقابل بدأ الغزل العاطفيّ واللقاءات المظهرية بين المجلس العسكريّ والكثير من قوى المجتمع، وغلب عليها أمنيات تلك القوى بتحقيق أهداف الثورة مع وضوح القبضة العسكرية على مقاليد الأمور بالدولة. وبانفراد المجلس العسكريّ بالسلطة السياسية وتفكك القوى الأخرى وصراعاتها، فُرِضَ الاستفتاء الشعبيّ (الذي تكلف 200 مليون جنيه) على بعض التعديلات الدستورية (9 مواد، ثم أضيفت 53 مادة بلا استفتاء؛ لتكوّن "الإعلان الدستوريّ" وقد خوَّلت المجلس العسكريّ السلطات السابقة لرئيس الجمهورية وحق تشكيل الحكومة وسحب الثقة منها..)، التي كان من أهمها تحديد مدة الرئاسة بمدتين دون تجديد بعد تخفيضها سنة (كل مدة 4 سنوات)، وبدأ معه الاستقطاب الحاد بين القوى الإسلامية وغير الإسلامية (شيوعية واشتراكية وعَلمانية وليبرالية)، ثم بدأ التخبط الشديد للعسكريين، والأحداث الدموية والصِدامية والتآمر المستمر على الثورة وتحكُّم أنصار "الثورة المضادة"؛ ونسبة ذلك لما يسمى باللهو الخفيّ أو الطرف الثالث كما ادَّعى المجلس العسكريّ!، وهنا انفصمت عُرى الصلة بين المجلس العسكريّ وكثير من قوى المجتمع وانسحبت القوى الإسلامية الكبرى (كالإخوان والسلفيين) من المشاركات الشعبية إلا قلة منهم، بل إدانتها للقوى الأخرى وتهوينها من أحداث القتل والإصابة والاعتقال من أجل الوصول إلى انتخابات نيابية آمنة وكان الواجب عليهم الوقوف بقوة مع مطالب الثورة والاتفاق مع المجلس العسكريّ على خُطة زمنية لتحقيقها والمحاكمة الجادة لأركان الحكم الفاسد. وبدأ الحديث عن خروج المجلس العسكري بعد تسليم السلطة للمدنيين متوازيًا مع (المطالبة) بمحاكمته عما ارتُكب من جرائم في حق الوطن والمواطنين خلال أكثر من عام مضى على الثورة المباركة كان مسؤولاً عن إدارة شؤون البلاد، وما أراه هنا أن يكُف الجميع عن هذه المطالبة حتى إجراء الانتخابات الرئاسية وفي إثْرها سيتم إصدار قرار بتشكيل لجنة قضائية مستقلة للتحقيق في الأحداث الماضية المروعة لإصدار الحكم العادل لإحقاق الحق وإزهاق الباطل إيقافًا لأجواء الفتنة المخيّمة على سماء الوطن. وهذا التحقيق القضائي العادل سيكون استجابة لأمر الحق وإشعارًا بالتغيير الحقيقيّ في النظام الجديد ومراعاة الصالح العام لقوله - تعالى -: "وإذا حكمتم بين الناسِ أن تحكموا بالعدلِ"، "ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أُولِي الألبابِ لعلكم تتقون". وعلى كل القوى الفعالة في مصر الاجتماع الآن بمشاركة أهالي القتلى والمصابين والمعتقلين للاتفاق على أسلوب التعامل الواقعي مع المجلس العسكري استعدادًا لتسلم السلطة منه ولا ننتظر موعد التسليم، ثم نبدأ في التحرك؛ لتضيع أمتنا مرة أخرى، ونتعرض جميعًا للفتن.