لماذا لم يقل المتحدث الرئاسي مباشرة، وبشكل واضح في بيانه: نعم، السيسي شارك في الاجتماع السري مع نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل، وعبدالله الثاني ملك الأردن، يوم 21 فبراير 2016 في مدينة العقبة الأردنية، والذي حضره جون كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق. الاجتماع الذي كان مضمونه البحث في مقترحات للسلام فشل على صخرة تعنت وتطرف نتنياهو، رغم أنه وفقا لرواية صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، التي انفردت بنشر التفاصيل، يقف خلف عقد القمة التي كان مفترضا أن تكون تمهيدا لقمة تالية إقليمية موسعة تضم دولا عربية أخرى. معروف أن هناك طرفين على الأرض في الحل: الفلسطينيون، وإسرائيل، لكن الطرف الفلسطيني كان غائبا عن الاجتماع، فلم يشارك الرئيس محمود عباس، والمؤكد أنه لم يقاطع، فهو لا يتحمل قرارا مثل هذا، بينما إسرائيل الطرف الآخر المحتل حاضرة بقوة، وهى التي تفرض توجهات النقاش، وتقبل أو ترفض المطروح على الطاولة. وكما بدا من التقرير، الذي كشف ما ظل طي الكتمان طوال عام كامل، فإن نتنياهو كان يتحدث ويجادل، والقرار في شأن مصير مقترحات كيري كان في يديه وحده، وقد رفض تلك المقترحات متذرعا بأن الائتلاف الحكومي الذي يقوده لن يوافق عليها، وهنا نتساءل : لماذا كان الاجتماع من الأصل؟، هل كان غرض نتنياهو أن يجلس مع حاكمين عربيين لتمهيد الطريق لقمة إقليمية يهتم منها بالتقاط الصور الدعائية له مع قادة عرب ليقول للعالم إن إسرائيل ليست معزولة ولا منبوذة، وأنها أصبحت أقرب للعرب اليوم بشكل لم يحدث من قبل، بل أقرب إليهم من دولة إسلامية مثل إيران؟. إذًا، كان هناك لقاء سري، لم يتم الكشف عنه لمدة عام، فلماذا اليوم يقوم مسؤول كبير في إدارة أوباما بتسريب تفاصيله، هل هى رسالة لإدارة ترامب الجديدة بأن الإدارة السابقة كانت مهتمة بالسلام، وسعت لترتيب قمة مصغرة، تعقبها قمة موسعة، أو أن ما قد يطرحه ترامب من حلول أخرى بديلة عن حل الدولتين الذي يسعى لشطبه نزولا على رغبة صديقه الحميم نتنياهو لن تكون جديدة، بل سبق وتحركت فيها إدارة أوباما، وكان نتنياهو وراء إفشالها، أو أن إدارة أوباما طرحت أفكارا معقولة لدفع حل الدولتين، لكن كان مصيرها الإخفاق بسبب تصلب بيبي "نتنياهو"، أو أن مصر والأردن الدولتين المعنيتين كثيرا بالمفاوضات والقريبتين من عباس والملف الفلسطيني كانتا تدعمان التحركات الأمريكية، وأن رهان ترامب عليهما اليوم لا يعتبر اختراقا، سنرى في قادم الأيام ماذا يعني هذا التسريب، وماذا كان وراءه، وماذا سيكشف ربما من لقاءات اخرى على مستويات مختلفة بقيت في دهاليز السرية؟. الذي نتوقف عنده أن المتحدث الرئاسي صاغ بيانا يقول فيما بين سطوره إن السيسي شارك في الاجتماع السري، لكنه لا يعلن ذلك صراحة، فلماذا التغطية على هذه النقطة، هذا غير مفهوم، لم يعد منطقيا في ظل امبراطورية الإعلام التقليدي والاجتماعي ذات التغلغل والتأثير العالمي الواسع أن يتم التعامل مع الجمهور باعتباره مازال يعيش في زمن الحرب الباردة، والأسوار الحديدية المضروبة حول البلدان والعقول؟. البيان تضمن فقرة تنتهي بعبارة مثيرة للانتباه تطعن في دقة ما نشرته الصحيفة الإسرائيلية رغم أن مضمون البيان يتماشى مع جوهر ما جاء في الصحيفة، تقول الفقرة: "إن مصر لا تدخر وسعا في سبيل التوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية استنادا إلى حل الدولتين وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أساس حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، دون أي مواءمات أو مزايدات، وهو الموقف الذى يتنافى مع ما تضمنه التقرير من معلومات مغلوطة". ما ورد في الفقرة هى ثوابت مصرية معروفة لا يختلف عليها أحد، لكن في جزئية "المواءمات والمزايدات والمعلومات المغلوطة" فإنني لم اقرأ في التقرير المتداول، أو في الأخبار التي نقلتها وكالات الأنباء عنه ما يشير إلى ذلك، فغالبية المعلومات تركزت حول مقترحات كيري، ومواقف نتنياهو، ورفضه لها، وما نسب إلى السيسي وملك الأردن كانت محاولات لإقناع نتنياهو وتليين موقفه، لماذا لم يحدد المتحدث الرئاسي المعلومات المغلوطة ويذكرها ويفندها حتى نطّلع عليها، ونفهم ماذا جرى بالضبط في الغرفة المغلقة؟، كان ذلك أفضل كثيرا من هذا الغموض. سرية اللقاء ظلت قائمة في العواصم الأربعة: القاهرة، وعمان، وتل أبيب، وواشنطن، والسؤال: لماذا السرية من الأصل في مثل هذا الاجتماع؟، ما هو المقلق من الإعلان عنه وقت حدوثه؟، معروف أن مصر والأردن لهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ولهما صداقة مع أمريكا، وبين الأطراف الأربعة لقاءات واتصالات مستمرة عبر مختلف الوسائل والمستويات، فما مبررات السرية؟، هل باعتبارها قمة مصغرة، وأن النية كانت موجهة للعمل على أن تكون نواة لقمة أوسع، وبالتالي تطلب ذلك وقتها السرية، والتحرك في صمت حتى لا تفسد قبل أن تكتمل؟. أم كانت السرية هدفها ألا يعرف أحد أن السيسي التقى نتنياهو، لما لذلك حساسية في المجال العام المصري من مثل هذا اللقاء المبكر، ربما يكون ذلك، وهذه ال ربما تزيد فتح الباب على طبيعة العلاقات التي صارت تربط النظام الحالي مع إسرائيل، وهى علاقات تبدو أقوى مما نظن، لم يعد الأمر زيارة سامح شكري وزير الخارجية لحضور جنازة بيريز، ولا الذهاب للقدس المحتلة للقاء نتنياهو، ولا مكالمة مسربة له مع مستشار قانوني ل نتنياهو، ولا اتصالات أخرى معروفة وغير معروفة في مصر وخارجها، فالحاصل أن التواصل يزداد تطورا، ووصل لرأس الدولة في ذلك اللقاء المباشر. في حدود ما اتذكره أن مبارك لم يلتق سرا أحد من قادة إسرائيل، كانوا يأتون للقاهرة بمواعيد معروفة مسبقا، وكانت الاجتماعات ثنائية أو دولية بشأن السلام تُعقد في شرم الشيخ علنا. هل يمكن لوم من يتحدث عن العلاقات التي تزداد متانة مع إسرائيل، وقد تتفوق على ما كانت عليه خلال عهد سابق قياسا إلى زخمها في خلال أقل من ثلاثة أعوام فقط من العهد الحالي؟. اعتقد أن الشفافية والوضوح والحسابات الدقيقة مصريا وعربيا في التعامل مع إسرائيل خصوصا سيكون أكثر فائدة، وأقل إثارة للجدل، من حالة السرية ومناخ الغموض.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.