عبرت مجلة "ايكونوميست" البريطانية، في افتتاحيتها عن الأوضاع بالبيت الأبيض، بعد استقالة "مايكل فلين" من منصب مستشار الأمن القومي للرئيس الامريكي دونالد ترامب بعد أقل من شهر في منصبه، عن وجود "رائحة غرغرينا في البيت الأبيض". وعلقت "الايكونوميست" عن الوضع في البيت الأبيض ب"بعض الاستقالات من المناصب العليا تشبه عملية كي الجرح، مؤلمة ولكن حاسمة، البعض الآخر يشبه بتر عضو في ساحة المعركة، خسارة مؤلمة تحمل خطر عدوى أشد". وأضافت المجلة:"مازالت واشنطن تحاول استيعاب الخبر، الذي أعلن قبل منتصف ليل 13 فبراير، عن استقالة مايكل فلين من منصب مستشار الأمن القومي للرئيس الامريكي دونالد ترامب بعد أقل من شهر في منصبه، الأمر الذي يشي بوجود شيء غير صحي حول الطريقة التي تعمل هذه الحكومة الجديدة". استقال فلين وهو جنرال سابق كان يعمل لدى وكالة تجسس تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية بعد اعترافه بأنه ضلل نائب الرئيس مايك بنس حول اتصالاته مع المبعوث الروسي بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر عندما كان مواطنا عاديا، قبل توليه منصبه في يناير. وكانت المعلومات التي ذكرها غير دقيقة، خرج بعدها بنس لينشر على التلفزيون عن غير قصد معلومات كاذبة خلال دفاعه عن الرجل الذي أصبح في 20 يناير رئيس مجلس الأمن القومي. وفي خطاب الاستقالة الذي يجمع بين صيغتي التوبة والتحدي، كتب فلين يعتذر بصدق لكل من بنس و ترامب عن تضليله لهما "عن غير قصد" بذكر "معلومات غير مكتملة". وتشير الافتتاحية إلى أن فلين كان دائما المرشح ليكون اول ضحية لإدارة ترامب. فلم يكن له حلفاء بسبب أسلوبه في التعامل: مزيج من التذمر والغضب والغطرسة. وتحدث خطاب استقالته عن احساسه بالفخر أن خدم بلده في هذا المنصب "المتميز"، حتى لو لمدة ثلاثة أسابيع فقط. وعندما يتمتع مستشار الأمن القومي بثقة الرئيس، فهو يتولى وظيفة بالغة النفوذ، باعتباره حامل المفاتيح، والمرجع، والمنفذ والمنسق كلما استلزمت قضايا الدفاع والسياسة الخارجية والأمن القومي قرارا رئاسيا من البيت الأبيض. وفوجئ الكثيرون بالخبر ، حيث كان من المعروف أن فلين واحد من أوائل الشخصيات رفيعة المستوى التي أيدت ترامب، وفي المؤتمر القومي للجمهوريين أدهش زملاءه بقيادته الغناء ضد هيلاري كلينتون بأنشودة "سدوا عليها الطريق". وتشير الصحيفة إلى أن العديد من التسريبات قضت على مستشار الأمن القومي، وأن مسئولين كبار في إدارة أوباما سابقا وكذلك مسئولون حاليون في المخابرات، سربوا للصحفيين خاصة في صحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز أنه تم التصنت على الجنرال وهو يتحدث هاتفيا مع سفير روسيا لدى أمريكا، سيرجي كيسلياك، في الأيام الأخيرة من عهد أوباما. ورغم ادعائه أن هذه الاتصالات كانت للتهدئة، ولصالح الاجتماعات والمحادثات المستقبلية، انتشرت مزاعم بأن الرجل بحث في الحقيقة العقوبات المتوقع أن تفرضها إدارة أوباما على روسيا لتدخلها في الانتخابات الرئاسية ، خاصة سرقة وتسريب رسائل البريد الإلكتروني الخاصة من كبار المسؤولين في حملة كلينتون والحزب الديمقراطي. وعلى وجه التحديد، دارت المحادثة حول دعوة فلين الروس إلى التحلي بالصبر والانتظار حتى تولي ترامب المنصب، وعدم المبالغة في رد الفعل على العقوبات. وكان هذا الاتهام ناسفا، لأن الرجل كان يواجه بالفعل شكوكا حول علاقاته مع روسيا بعد أن أقاله الرئيس باراك أوباما من وظيفته كرئيس لوكالة استخبارات الدفاع. وزعم فلين أنه أقيل في 2014، لأنه أثار تساؤلات مزعجة حول نهج حكومة أوباما في مكافحة الإرهاب الإسلامي (ووصفه فريق أوباما بأنه مدير سيء، غير ملتزم، يعاني من الهوس). وفي 2015 ظهر رجل الاستخبارات السابق في مهرجان دعائي نظمته روسيا اليوم، على نفس الطاولة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومن الناحية النظرية، تعتبر اتصالات فلين مع السفير الروسي في ديسمبر خرقا محتملا لقانون لوجان، الذي يحظر على المواطنين ممارسة السياسة الخارجية. ولكن، لم يحدث أن أدين أحد على الإطلاق بموجب قانون لوجان. وكما هو الحال غالبا في واشنطن، كان التستر أسوأ من الجريمة. وتقول الصحيفة أن منتقدي إدارة ترامب، يرون أن رائحة التستر تشبه رائحة الغرغرينا. ومن المتوقع ألا تكون قائمة المسئولين المطلعين على اتصالات فلين مع السفير الروسي- الرجل الذي يتم التصنت بشكل روتيني على محادثاته الهاتفية، كما يعرف الجميع في واشنطن قصيرة. فقبل ساعات من الاستقالة، كان بعض كبار مساعدي ترامب يصرون على أن الجنرال يتمتع بثقة الرئيس كاملة. وذكرت صحيفة واشنطن بوست ان مسئولا كبيرا في وزارة العدل، أبلغ فريق ترامب في يناير أنهم يعتقدون أن السيد بنس تم تضليله بشأن اتصالات الجنرال روسية. بل، أن مصادر واشنطن بوست ذكرت ان المسئولين "لا يمكنهم استبعاد أن فلين كان يتصرف بمعرفة آخرين في المرحلة الانتقالية." والمعروف أن فلين وترامب قبل هذا الخلاف كانا يتفقان في الاعتقاد أن بوتين حليف مهم ومفيد في المعركة ضد التطرف الإسلامي العالمي، التي وصفها الأول بأنها صدام الحضارات بين الإسلام والغرب. وتوضح الافتتاحية أن العلاقات بين فريق ترامب والصحافة فاسدة بالفعل. فلم ينبس الفريق ببنت شفة عن دور وسائل الإعلام في الإطاحة بفلين، أو عن أيام من النفي الرسمي والتعتيم حول مصير مستشار الأمن القومي. كما أن العلاقات بين المسئولين الذين يخدمون الرئيس، بما في ذلك في مجلس الأمن القومي، فاسدة أيضا . ويتحدث الموظفون في مجلس الأمن القومي والبيت الأبيض عن شلل آلة السياسة بسبب التناحر الداخلي وانعدام الثقة. فقد تسببت التعيينات السياسية التي قام بها ترامب في تشكيل فصائل متشاحنة، وتأليب الجمهوريين الراسخين، مثل رئيس الأركان، رينس بريبوس، ضد القوميين القريبين من أذن ترامب، مثل ستيفن بانون وستيفن ميلر. وكل الاطراف تصدر تقارير ضد بعضها البعض. ويرى المتفائلون أن هناك فرصة أمام ترامب لإعادة تعيين جهاز الأمن القومي التابع له بعد بداية خاطئة. بينما يشعر المتشائمون بالقلق من ان رحيل فلين ليس كافيا لعلاج ما تعانيه هذه الإدارة.