مصطفى عز الدين اعتقل وهو طفل صغير بحجة انتمائه للجماعة الإسلامية وظل يعانى فى سجن الفيوم ويرفض طبيب السجن علاجه حتى ينفجر مخه محمود الغول تم حصار بيته بخمسين عربة أمن مركزى وتسويته بالأرض بطلقات الأر بى جى ثم قبضوا عليه حيًا وأعدموه بالرصاص دون محاكمة!! خالد عبد الرحيم عباس قبضوا عليه حيًا فى الزراعات ثم قتلوه هو ومن معه بدم بارد عبد الحق أحمد عبد الحق تفحمت السيارة التى كان يستقلها من شدة إطلاق النيران من جهة الشرطة ثم اعتقلوا ابن عمه لمدة عشر سنوات على نصر: ظل أهله ينتظرون خروجه فعاد إليهم جثة هامدة من سجن الوادى الجديد باستيل مصر وتم دفنه فى جنح الظلام واعتقال من ذهب لتأدية واجب العزاء فى الحلقة الثانية تواصل "المصريون" نشر وقائع وأحداث الدولة البوليسية التى حكمت مصر وأذلت شعبها على مدار ثلاثين عامًا وخلفت وراءها آلاف القتلى والمصابين إضافة إلى عشرات الآلاف من المعتقلين فى مأساة إنسانية لم تكشف وقائعها حتى الآن ولم يحاكم عليها مبارك وأركان نظامه حتى الآن. فمازال الرأى العام والمؤسسة التشريعية والتنفيذية مشغولين بضحايا ثورة 25 يناير وهو حق لا جدال فيه إلا أن ذلك لا يعنى انشغالنا وتناسينا دماء آلاف الشباب التى أريقت من أجل نيل الحرية وإزاحة النظام الديكتاتورى السابق. ومن هنا فإن الحاجة باتت ملحة لتشكيل هيئة تحقيق مستقلة تتولى فتح الملف بكل شفافية والاستماع إلى ضحايا التعذيب وأسر الشهداء الذين قضوا نحبهم فى سجون مبارك وفى مقار التعذيب التى انتشرت فى طول البلاد وعرضها. وما نعرضه على مدار هذه الحلقات ما هو إلا غيض من فيض وقليل من كثير وما هى إلا نماذج لتقريب المأساة. مصطفى عز الدين شهيد سجن الفيوم هو شاب لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره, تم اعتقاله فى تسعينيات القرن الماضى, تهمته أنه كان يداوم على الصلاة مع بعض أفراد الجماعة الإسلامية بمدينة سوهاج, يقبض على مصطفى ويسام سوء العذاب على يد العقيد محمد زهير رميح, الذى كان مفتشًا لفرع أمن الدولة بسوهاج, يوضع مصطفى فترة طويلة بسجن فرق أمن سوهاج لأن سنه صغير ولن يقبل بسهوله داخل أى من المعتقلات, وبعد فترة طويلة يرحل إلى سجن الفيوم. يقول عنه صديقه أحمد خطاب من قنا والذى زامله طويلاً فى المعتقل: فى أحد عمليات التغريب والتوزيع داخل سجن الفيوم, نقلت إلى غرفة كان بها مصطفى, وكان – رحمه الله - ذا روح مرحة محب للمزاح, يضفى على الزنزانة بأكملها من خفة ظله وتعليقاته الساخرة على أى من مواقف الشدة والعناء ما جعله الله سببًا لتثبيت غيره من مرافقيه الذين يكبرونه فى السن, فى يوم من الأيام شعر مصطفى بصداع شديد يتملكه طيلة يومين, تكرر معه الحدث, حاولنا إخراجه لطبيب السجن ولكن لم تفلح محاولاتنا, فقد كان الخروج لعيادة السجن لونًا من التعذيب والتنكيل إذ ينبغى على كل معتقل أن يكون معصوب العينين, يتعرض للضرب والتنكيل فى الذهاب والإياب, وفى أحيان كثيرة يناله من الطبيب نفسه بعض الأذى, وفى أواخر فبراير من عام 2001م، وبينما مصطفى يعانى من نوبة من نوبات الصداع الشديد, ينادى على اسمه زيارة, فينتفض من ألمه الذى أرقده منذ البارحة, فرحًا فلم يسمع عن عائلته منذ قبض عليه من سنوات أى شىء يخرج للزيارة وبالكاد يتعرف على والده من خلف حاجزين من حوائط الأسلاك الحديدة, لم يسمع من والده شىء ولم يبق معه من ذكرى هذه الزيارة سوى دموع والده التى شاهدها تنهمر طيلة الدقائق المعدودة زمن الزيارة, يعود مصطفى إلى الزنزانة فرحًا مسرورًا وقد تناسى وقع ضربات الصداع على مؤخرة رأسه, أيام ويعاود الصداع الشديد ضرب رأس قطز, وتنجح محاولاتنا فى إخراجه للعيادة. ويكمل خطاب قائلاً: هناك يقابله الطبيب نقيب صفوت ويرفض مجرد قياس ضغط الدم له ويسبه معلنًا أنه يتمارض, فيعود مصطفى, ومازالت نشوة رؤية والده فى الزيارة الأخيرة تحدوه, يقرر قطز أن يتقرب إلى الله بطاعة عسى أن يرفع عن رأسه مطارق الصداع المؤلمة, فيقرر أنه سيصوم أسبوعًا طاعة لله, فلم ينفك عن الاستيقاظ معظم الليل يصلى باكيًا ويقضى النهار مراجعًا للقرآن الذى كان قد ختمه حفظًا أو جالسًا فى أحد الأركان مختليًا بربه, أو منشغلاً بمساعدة أحد إخوانه فى إعداد طعام إخوانه, أشفقت عليه وكذلك إخوانى بالزنزانة, وفجأة يصرخ قطز صرخة مدوية ويسقط مغشيًا عليه دون سابق إنذار, ويبدأ فى استفراغ كل ما فى بطنه, ننادى على شاويش العنبر الذى يتمايل دون استجابة, فنمطره بلعناتنا المكبوتة, ونضطر أن نقول له الأخ يموت, بعد فترة يحضر الشاويش فنحمل الأخ لمستشفى السجن, يحاول الطبيب نقل الأخ لمستشفى الفيوم, ولكن مصلحة السجون ترفض الاستجابة لطلب الطبيب نقيب محمد مصطفى الذى رأيته يهرول حافى القدمين, ينتظر الطبيب الفاكس الذى يحمل موافقة قطاع السجون بوزارة الداخلية, ولكن تتأخر الموافقة ساعات, ليسبقها أمر الله عز وجل فيلفظ مصطفى أنفاسه فى يوم من أيام شهر مارس لعام 2001 م , ويلقى ربه شابًا لم يبلغ العشرين من عمره شاهدًا على إجرام نظام انعدمت منه الإنسانية, ويكتشف الطبيب أنه كان يعانى من ارتفاع ضغط الدم الشديد أدى لانفجار في المخ ولم يكن يتمارض. ويختتم أحمد خطاب شهادته قائلا ً: حضرت نيابة الفيوم العامة لتحقق فى مقتل أخينا, فأخرج إليهم أنا والأخ محمد حسن مكى من القليوبية, وأحكى القصة كاملة لوكيل النيابة فتنهمر دموع الكاتب, ووراء إصرارى على تدوين شهادتى كاملة موثقة بأسماء الضباط والجنود وطبيب السجن الذى كان يتفنن فى الاستهزاء بالمرضى, وقبل توقيعى أصر على وكيل النيابة أن أقرأ جميع ما كتب من أقوالى وأقول له أن ثقتى فى وعد ربى أنه سيأتى اليوم الذى سنحاسب فيه هؤلاء الجلادين وسنحتاج لتشهد على ما رأيته وما سمعته فيجيبنى بابتسامة ساخرة لعله الآن يتذكرها. سوهاج تتذكر شهداءها محمود الغول من أبناء مركز طما سوهاج كان عمره لا يتجاوز 22 عامًا عام 1994وكان طالبًا فى الفرقة الأولى حقوق جامعة أسيوط وهناك تعرف على الجماعة الإسلامية بأسيوط، وعند عودته من أسيوط فوجئ بتكثيف البحث عنه فى سوهاج, وعلى خلفية ذلك داهمت قوات الشرطة بأكثر من 50 عربة مجهزة بالأمن المركزى بيته وقامت بهدمه بالمدرعات ومدافع الأر بى جى، وسوته بالأرض حتى المواشى التى فيه لم تسلم من أذاهم حيث قامت بقتلها، فى مشهد يعكس مدى غطرسة جهاز الأمن الفرعونى آن ذاك، هرب محمود بعد ذلك حتى ألقى القبض عليه بعد اعتقال أخيه فقامت أمن الدولة بعصب عينيه وإطلاق النار عليه، وصرحوا يومها أنهم تعاملوا معه بعد تبادل إطلاق النار. تحكى والدته" أم محمد" أن محمود لم يمض على تدينه يومها أكثر من ثلاث أشهر فمتى تعلم حمل السلاح وهو لم يخرج من بيته إلا إلى الجامعة.. تقول لقد قتلته الشرطة بدم بارد بدون سبب، فمتى أرى من قتله ينفذ فيهم القصاص العادل. من يتحدثون اليوم عن تعويضات لمن قتل فى الثورة وما بعدها ومن قتل فى ملعب كرة القدم، فأين الشباب الذين قتلوا منذ أكثر من 17 عامًا بدون ذنب ولا جريمة ارتكبوها، أم لأن هؤلاء لا يجدون من يدافع عن حقوقهم الضائعة، لقد هدموا بيتنا يومها وقتلوا حتى الماشية والدواب فمن يعوضنا عن ذلك وما فعل لهم البيت، لقد تشردنا فى الشوارع حتى ابتعنا أرضنا كلها لبناء بيت غيره، فهل هناك أشد من ذلك معناة مازلنا نتجرعها إلى الآن.. وحسبنا الله ونعم الوكيل. خالد عبد الرحيم عباس تميز هذا الشاب صاحب 25 عامًا بأنه كان من أصحاب القلوب الرقيقة لم يعلم عنه سوى قراءته لقرآن بصوت طيب و كارزمته المميزة فى الخطابة على المنبر، لم يره أحد يومًا يمسك بسلاح ولا عصا فى يده، اتهمته أجهزة الأمن فى عام 94 أنه يقوم بإيواء المتهمين الهاربين من محافظة أسيوط، وكثفت البحث عنه حتى اعتقل بسببه العشرات من أصدقائه وأقاربه، يتحدث "السيد سليمان" وهو واحد ممن اعتقلوا بسببه فيقول: لقد قبضوا علىّ لأنى ابن عمى وكنت يومها محتجزًا أنا والكثيرون وكانوا يبحثون عنه حيًا أو ميتًا وما هى إلا أيام حتى جاءنا خبر استشهاده من أحد المخبرين، فلقد كان هاربًا فى أحد المقامات فى الزراعة فداهمت الشرطة مكانه وقبضت عليه حيًا وقتلوه هو ومن معه. عاشت أسرته يومها فى هم لا يعلمه إلا الله وأنا أعتقلت حتى بعد قتله مع أنى لم أكن يومها أعلم أى شىء عن الجماعة الإسلامية سوى أن خالد كان ابن عمى.. وأكد "السيد" أن ملف شهداء الجماعة لابد أن يعاد فتحه من باب الإنصاف وإرجاع الحقوق لأصحابها فقد قتل الشباب غدرًا ولم يفعلوا أكثر مما فعله شباب الثورة الذين طالبوا بالتغيير وإنهاء الفساد. "سامح الصعيدى" شهيد الغدر كان سامح طالبًا بالدبلوم لم يتجاوز عمره 17 سنة لم يكن يعلم سوى طريق المدرسة والمسجد الذى أمام بيته يصلى فيه، فى عام 94 طلب منه أحد أصدقائه أن يحضر خبز من مخبز قريب ويذهب به ليوصله لبعض الشباب الهارب من بطش الأمن، فقام بذلك وذهب وعند وصوله فوجئ أنه كان مراقبًا من مخبرى أمن الدولة وقوات الشرطة الذين داهموا المكان وقتلوا كل من كان فيه بلا استثناء دون أدنى مقاومة منهم. "عبدالحق أحمد عبدالحق" شهيد القسوة كان يتصف بدماثة خلقه وعلاقته الطيبة بالجميع، لم يعرف عنه سوى صوته الشجى بالقرآن وخدمته الدائمة للآخرين، يحكى قصته من عايشه وهو الشيخ "عز الأزرق" أحد القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية فى مدينة طما، يقول التاريخ تحديدًا الذى قتل فيه هو شهر إبريل عام 94 عندما كان عبد الحق رحمه الله يقل فى سيارته مجموعة من الأخوة ليوصلهم لإحدى القرى وكانوا مطلوبين من الأمن على خلفية انتمائهم للجماعة الإسلامية، وفوجئوا بكمين شرطة أمامهم فتوقف عبد الحق بسيارته وعندما اقترب منهم الضابط فر كل من كان على السيارة من الأخوة هاربين، وعلى الفور فتحت القوات النيران على السيارة فقتلت عبد الحق مباشرة ومن شدة إطلاق النيران تفحمت السيارة نهائيًا، وقتل رحمه الله ولم يستطع أهله دفنه يومها لأنهم أتوا به سرًا خشية من أن يعترضهم أحد ولم يكتفوا بذلك بل قبضوا على أخيه وابن عمه وأفرجوا عن أخيه وظل ابن عمه فى الاعتقال لمدة 10 سنوات مع أنه لم يكن ينتمى للجماعة الإسلامية.. إلا أن أسلوب أمن الدولة كانوا يقتلون الأخ ويعتقلون أحد أفراد أسرته حتى لا يفكر أحدهم فى الانتقام فالحال يقول هذا قتل وهذا أعتقل فمن يفكر فى المحاولة!! على نصر مأساة من الإسماعيلية على نصر على شاب من مدينة الإسماعيلية تم اعتقاله فى إبريل عام 94 بحجة انتمائه للجماعة الإسلامية، وأودع سجن استقبال طره ثم تم ترحيله إلى سجن الوادى الجديد فى مارس 95 ليعود من هناك بعد حوالى شهر من ذهابه جثة هامدة لتصادق أبويه الأحزان حتى يومنا هذا فلم تستطع السنوات أن تنسيهم ذكرى ابنهم الحبيب.. "المصريون" حرصت على الذهاب ففوجئت بالحزن يلف أرجاء المنزل وكأنه لم يمر حوالى سبعة عشر عامًا على استشهاد ابنهم فالأب أصابه المرض وأقعده والأم لم تجف لها دمعة لوعة وحزنًا طلبنا منهما أن يرويا لنا ما حدث لابنهم بدأ الأب حديثه بصوت متهدج وقال: كان يومًا صعبًا على نفسى ما زلت أذكره وكأنه أمس فقد كنت حينها أتحدث مع أمه وأقول لها: لقد مر عام على اعتقال علىّ وكانت الزيارة قد منعت عنه بعد اعتقاله بأشهر قليلة فلم يتسن له رؤية ولده الذى جاء إلى الحياة عقب اعتقاله إلا مرة واحدة ثم علمنا أنهم نقلوه إلى سجن الوادى الجديد فى قلب الصحراء فتضاعفت أحزاننا وآلامنا إذ كيف يتسنى لنا أن نقطع كل هذا الطريق الطويل من الإسماعيلية إلى الوادى الجديد حتى نراه؟! فاحتسبنا ذلك عند الله تعالى . وظللنا نعيش على أمل أن يعود إلينا فى لحظة مفاجئة كما أخذ منّا فجأة ولكننا لم نكن نعرف أنه سيعود إلينا جثة بلا روح. ويكمل الأب المكلوم حكايته بصعوبة بالغة قائلاً : فوجئت فى أحد أيام شهر إبريل 95 بأحد مخبرى قسم الشرطة يطرق باب المنزل مؤكدًا علىّ ذهابى للقسم لمقابلة رئيس المباحث لأمر هام فاندهشت واحترت فى تفسير سبب الاستدعاء، خاصة أن ابنى أخذوه فماذا يريدون منا بعد ذلك ؟! وكنت حينها قد تعرضت لحادثة ووضعت رجلى فى الجبس. وهنا تلتقط الأم طرف الحديث بعين دامعة لتكمل قائلة: ذهبت إلى القسم وهناك لم يشأوا أن يخبرونى بالحقيقة فقالوا لى: ارجعوا إلى البيت وستعرفون هناك فانتابنى قلق بالغ وعندما عدنا إلى المنزل وجدنا الخبر قد ملأ المنزل فصدمت صدمة كبيرة، خاصة أنهم أخبرونى أن دفنه سيتم بعد قليل وكنا آنذاك بعد صلاة العشاء فهرولنا إلى المقابر وهناك وجدنا ضباط ومخبرى مباحث أمن الدولة وقوات غفيرة وفوجئنا بنعشه موضوع فى مسجد أمام المقابر للصلاة عليه والإسراع بدفنه فرفضنا بشدة وأصررنا على الانتظار لحين وصول أهله وعائلته فذهبوا به إلى مشرحة المدافن واحتالت أخته الصغرى حتى تمكنت من رؤيته وبالفعل نفذوا ما قالوه وتم دفنه تحت جنح الظلام. وتضيف الأم : ابنى لم ير ابنه إلا مرة واحدة فقط وبعدها تم منع الزيارة عنه وللعلم ابنه الآن فى الثانوية العامة وقد نشأ وشب بعيدًا عن حضن أبيه أليس له حق فى تعويض مناسب يعوضه فقدان أبيه فى سجون مبارك؟! وعن أسباب وفاته قال الأب: لم نكن نعلم فى البداية أسباب وفاته ولكن بعد سنوات وبعد خروج زملائه من المعتقل علمنا أنه أصيب بحالة تسمم غذائى أثناء قضائه مدة الإفراج فى فرق أمن الوادى الجديد قبل أن يرجعوه إلى السجن مرة أخرى حيث تناول طعامًا فاسدًا من أطعمة فرق الأمن ولم تتم الإسعافات اللازمة له وتم إهماله إهمالاً جسيمًا من وقت المغرب إلى الفجر حيث كان يعانى بشدة ويتألم ولا أحد يجيبه إلى أن فاضت روحه الطاهرة إلى خالقها تشكو إليه ظلم مبارك وزبانيته الذين حرمونى من قرة عينى وحرموا ابنه منه، وحسبى الله ونعم الوكيل، وللعلم فقد اعتقلوا كل من تجرأ وحضر للعزاء فى ابنى.