أختلف كثيرًا مع الآراء التى انطلقت فى لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى، برفض تطبيق فكرة الانتخابات لاختيار رؤساء التحرير بالمؤسسات الصحفية القومية، المثير أن بعض هذه الآراء قالت إنه لابد أولاً من خلق ثقافة الانتخاب وتهيئة المناخ لها، وهو ما يعنى أن الصحفيين يفتقدون ثقافة الانتخاب، وغير "مهيئين" أو مؤهلين بعد لإجراء مثل هذه الانتخابات بصورة حرة ونزيهة، ويعنى أيضًا التشكيك فى قدرتهم لاختيار العناصر الصالحة من بينهم لترأسهم وتقود مؤسساتهم. وهى آراء عجيبة جدًا، أولاً تحرم الصحفيين بهذه المؤسسات من اختيار العناصر الجيدة من بينهم، العناصر التى تتمتع بحب واحترام الغالبية من الصحفيين، ليس لمصالح شخصية أو لأسباب "مداهنة" ونفاق، بل لأسباب عملية ومهنية وأيضًا إنسانية، وأركز على الأخيرة "الإنسانية" بشدة، لأنه بدون توافر التميز الإنسانى للقيادة الصحفية، تتفكك المؤسسة وتنهار تدريجيًا، فالصحفيون ليسوا تروسًا فى آلة يتم تدويرها أينما أراد قائد المؤسسة، بل هم روح وعقل وفكر، ويجب فى هذا توافر المناخ النفسى والإنسانى الجيد للعمل والإبداع، وإلا تحول العمل إلى "أداء واجب" لتقاضى الأجر آخر الشهر، وفقد العمل الصحفى ميزته الإبداعية، وتحولت الصحف فى النهاية إلى نسخ متكررة مملة لا تميز فيها ولا إبداع، ولانصرف عنها القارئ. ثانيًا رفض فكرة الانتخابات، ينفى عن الصحفيين قدرتهم فى التمييز لاختيار العناصر الجيدة الناجحة التى يلتف حولها الغالبية ولا أقول الجميع، وفى هذا ظلم وانتقاص من قدرة الصحفى بل وقيمته، فهؤلاء مفترض أنهم قادة الرأى والفكر والتنوير فى المجتمع، فما بالهم لو وصموا بعدم القدرة على التمييز فى اختيار قيادة ناجحة ومتميزة لهم. ثالثًا، رفض فكرة الانتخاب، ستجعل رؤساء تحرير يهبطون "بالبارشوت" فجأة على تلك المؤسسات الصحفية، وستفتح الأبواب الخلفية على مصراعيها للمحسوبية والبطانة للحكومة، والزج بشخصيات "مطية" تعيد إلينا العهد الصحفى البائد إبان سنوات مبارك السوداء، حيث تصدر المشهد القيادى بمؤسسات صحفية كبيرة شخصيات دانت بالولاء لفساد الحكومة دون غيرها، وأعطت ظهرها للشعب بل لأعضاء المؤسسة أنفسهم، وصارت أقلامهم المباعة أو المؤجرة سهامًا مسمومة فى دماء هذا الشعب المسكين، الذى تم تغييبه بالأكاذيب الإعلامية التى زيفت كل الحقائق وضللت الرأى العام. رابعًا من يرفضون فكرة الانتخاب، يسقطون من حساباتهم أن هناك معايير يجب أن توضع لمن سيتنافسون على المناصب القيادية الصحفية فى هذه الانتخابات، وأهم هذه المعايير، الأخلاق المهنية من صدق وأمانة وشفافية، التاريخ الصحفى المشرف من وطنية وولاء لهذا البلد، تميزه فى المجال الصحفى، إتقان لغة أجنبية على الأقل ويفضل الإنجليزية، وغيرها من الشروط التى ستجعل المتقدمين للترشح لهذا المنصب يمكن الاختيار بينهم بسهولة الشخصية الأكثر تمتعًا بحب واحترام الصحفيين، بهذا سيتكاتفون معه للنهوض بالمؤسسة، وسيكونون عونًا له على الإصلاح، وعين رقابة عليه إن أخطأ، ولا ننسى فى هذا أن اللجنة النقابية بالمؤسسة الصحفية سيكون لها دور الرقابة على ترشح الأسماء وعلى إجراء الانتخابات بشفافية. لذا أؤكد أن الصحفيين قد بلغوا سن الرشد، سن النضج الذى يمكنهم من اختيار قيادتهم على نحو صحيح لا محاباة فيه ولا نفاق، أما الاستمرار فى عهد تعيين رؤساء التحرير وفق معايير لا صلة لها بالمؤسسة أو صحفييها، فهو استمرار لعهد مبارك الذى لا نرغب أبدًا العودة إليه.