هريدي: الأسد وأصدقاؤه حسموا المعركة.. رفعت: المفاوضات لن تشمل إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وأبوالنور: النزاع استهدف تأمين مسارات الطاقة الجديدة كانت تلك الليلة العصيبة على أهل حلب الشرقية وقوات المعارضة المسلحة للنظام القائم في سوريا، حيث سقطت أحياء وقرى حلب- تلك المدينة التي تضم أكبر تكتل للمعارضة السورية منذ انطلاق شرارة الثورة في مارس 2011- أمام ضربات القوات الموالية لنظام بشار الأسد وميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني وميليشيات عراقية مدعومة من الدولة الفارسية، بغطاء جوي روسي كان صاحب اليد العليا في حسم المعركة لصالح النظام القائم، وسط سقوط مئات القتلة من المدنيين العزل وإدانة عدد كبير من دول العالم والمنظمات الحقوقية. وتقدمت قوات النظام المدعومة من قوى إقليمية ودولية في "حلب القديمة"، وسط انسحاب مستمر وسريع لقوات المعارضة نحو المناطق ذات الكثافة السكانية الأكبر في الجنوب. واستمرت المعارك الطاحنة بين القوى المتصارعة في سوريا وحلب ما بين المعارضة المدعومة من السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدةالأمريكية، والنظام السوري المدعوم بقوة من إيرانوروسيا والصين. وتمكنت القوات النظامية، في 12 من الشهر الجاري، من إسقاط أحياء حلب الشرقية خاصةً "الشيخ سعيد" و"بستان القصر"، ما أدى إلى حصار قوات المعارضة في جيب صغير يشمل نحو 4 أحياء فقط في جنوب شرق المدينة، حتى تمكنت من السيطرة الكاملة عليها وبدأ عملية إجلاء المعارضين والمدنيين. وهو ما اعتبره خبراء ومحللون، بأنه وضع نهاية للحرب في سوريا بنسبة كبيرة وحسمت لصالح الفريق الشرقي الداعم للأسد، ولم يبق إلا جولة المفاوضات التي سيكون موقف الرئيس السوري الأقوى وسيقضى على حلم الانتخابات الرئاسية المبكرة. ولم يتوقع أحد في يوم من الأيام، أن تلك المعارك الطاحنة والقوى المتصارعة التي تناحرت في سوريا كانت بسبب كلمات وشعارات نقشها بعض طلبة المدارس على جدران مدينة درعا في مارس عام 2011، ضد النظام القائم، تطورت الأمور إلى حملات قمع في غاية العنف جعلتها تتحول في وقت قصير إلى مقاومة مسلحة. وأكد خبراء، أن النظام السوري الذي كان محاصرًا في دمشق على يد قوات المعارضة المدعومة من قوى عربية تقدم أمريكا الدعم اللوجستي والعسكري، أصبح متماسكًا وقويًا بعد الدعم الإيراني الروسي القوي، حتى انقلبت موازين القوى المتصارعة، فبات النظام متماسكًا جدًا سياسيًا وعسكريًا، وله خطة واضحة. فيما باتت المعارضة السورية منقسمة عسكريًا وجماعات متنافسة بدون رقابة مركزية، تحكمها الفوضى العارمة، والتي فشلت في مكافحة نزعات الانفصال السائدة في المناطق الكردية في الشمال، ويطمع سكانها إلى الحكم الذات. وأكدوا أن سوريا ليس أمامها غير طريقين لمواجهة مخطط التقسيم والتفتيت، الأول هو التسوية السياسية وبات أملها ضعيفًا بعد فشل مفاوضات سابقة مثل "جنيف2"، ولم يبق إلا انتصار كامل لطرف على آخر وهو ما حدث في معركة حلب الأخيرة، وبات الأمر محسوبًا للنظام القائم بنسبة كبيرة والأوضاع مستقرة. السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، يرى أن خريطة القوى المتصارعة في سوريا لم تظهر جلية بعد، رغم حسم الأمور لصالح الرئيس بشار الأسد في مدينة حلب أكبر معاقل المعارضة المسلحة، مؤكدًا أن الأمور ستتضح وتحسم بوضوح السياسة الأمريكية المهيمنة على خريطة العالم بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض. وأضاف هريدي ل"المصريون"، أن "سيطرة قوات النظام على حلب هو تطور مهم في خريطة الصراع في سوريا؛ لأنه انتصار عسكري كبير للنظام الحاكم الذي يسيطر على المدن الكبرى الآن، بمساعدة حلفائه من إيران وحزب الله وروسيا والدعم الصيني غير المباشر". وتابع: "هذه القوى لن تظهر في المشهد ولا تساعد في تقسيم سوريا؛ لأن القتال كان باسم النظام الحاكم للدفاع عن شرعيته؛ لأن هذه القوى ستختفي من المشهد ولن يبقى إلا النظام القائم". وشدد على أن "سقوط حلب في يد قوات النظام هزيمة كبرى للقوى المعارضة والدول الداعمة لها سواء إقليميًا أو دوليًا التي حاولت إسقاط بشار الأسد مثل السعودية وقطر والولايات المتحدةالأمريكيةوتركيا، ولكن الوضع الآن مستقر؛ لأن الأمور قد تكون حسمت بشكل كبير لصالح فريق الأسد، ولم تبق إلا المفاوضات وإنهاء الأمور بدون قتال صريح". ورأى أن "المد الشيعي لن يكون له تأثير على مستقبل سوريا؛ لأن جميع الأطراف ستنسحب بمجرد هدوء الأوضاع ولن يبقى إلا النظام الموجود المسيطر على الأمور، وما حدث من مساعدات خارجية هي تناحر بين قوى إقليمية وعالمية ليس لها أي علاقة دينية". وأيده الدكتور خالد رفعت، رئيس مركز طيبة للدراسات الإستراتيجية والسياسية، مؤكدًا أن المعركة حسمت لصالح نظام بشار الأسد وإيران والميليشيات التابعة لها سواء من لبنان أو العراق أو الحرس الثوري الإيراني، وروسيا والصين والجيش العربي السوري، وأن هذا المعسكر حسب المعركة لصالحه رغم التجاوزات التي وقعت في حلب. وأشار في تصريحات إلى "المصريون"، إلى أن المعارضة السورية خسرت المعركة بنسبة 90% بعد سقوط حلب أكبر المدن التي تسيطر عليها المعارضة، وخسارة أيضًا للدول الداعمة لها مثل السعودية والولايات المتحدةالأمريكية وبعض الدول العربية والأوروبية الرافضة لوجود بشار الأسد في الحكم. وأكد رفعت، أنه ليس أمام الجميع إلا الجلوس على مائدة المفاوضات لإنهاء الأزمة التي حسمت لصالح الأسد، مشيرة إلى أنه سيتم الإعلان عن مفاوضات "جنيف3" بعد أيام قليلة لإنهاء الأزمة والسماح للمعارضة للمشاركة في الحياة السياسية. ولفت إلى أن المفاوضات سوف تشارك فيها السعودية بشكل أساسي باعتبارها الداعم الأكبر للمعارضة السورية، فضلاً عن تركيا وبعض الأطراف الداعمة في المنطقة وأمريكا، كما سيشارك عن الجانب الآخر سورياوإيرانوروسيا. وقال إن المفاوضات سوف تشمل السماح للمعارضة في المشاركة في الانتخابات البرلمانية والانتخابات المحلية، وانسحاب جميع القوى المتصارعة في سوريا وسط تأمين وإشراف دولي على العملية الانتخابية، مؤكدًا عدم طرح أو قبول انتخابات رئاسية مبكرة، كما كان خلال مفاوضات "جنيف2" ورفضتها السعودية وطالبت بإسقاط الأسد وخروجه من المعادلة السياسية، أما الآن فالأسد في مركز قوى ولن يسمح بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وأشار إلى أن حسم معركة حلب سينهي مرحلة تقسيم سوريا التي دعت إليها بعض الأطراف، لمناطق حكم ذاتي مستقل؛ لأن المعارضة قد تكون انتهت بشكل كبير والمعركة أصبحت واضحة على أرض الواقع. ولفت إلى أن تركيا ستلعب على ملفين مهمين وهو ملف اللاجئين والمعارضة المسلحة وعملية إجلائهم، والقوات الكردية المتواجدة في المناطق الحدودية بينها وبين سوريا باعتبارها تهدد الأمن القومي التركي وتسعى لإقامة دولة مستقلة؛ لأن هناك 16 مليون كردي في العالم، منهم 12 مليونًا في جنوبتركيا في ديار بكر والمناطق المجاورة، مما يمثل قلقلاً حقيقيًا لأنقرة، رغم منحها الحق في التدخل في سوريا بهدف حماية حدودها الجنوبية. وأوضح أن وجود "داعش" في سوريا فزاعة استخدمها الجميع للتدخل في الشأن الداخلي السوري من أجل أطماع ومصالح وحسابات خاصة بين الأطراف المتصارعة، مقللًا من مخاطر المد الشيعي في المنطقة وسوريا، قائلًا: إن الصراع الموجود في المنطقة في الحقيقة صراع "عربي- فارسي" وليس صراعًا مذهبيًا؛ لأن إيران تسعى للسيطرة والتوغل في الوطن العربي وخاصة منطقة الخليج من أجل حلم الإمبراطورية الفارسية. وكان مستشار الرئيس الإيراني، علي يونسي، قال في مارس من عام 2015، إن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتها وثقافتها وهويتها، في إشارة إلى أحياء الإمبراطورية الفارسية الساسانية التي كانت موجودة قبل الإسلام، والتي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها. وقال مسئول البحث عن المفقودين في الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، العميد باقر زادة، مطلع الشهر الجاري، إن مضيق هرمز والخليج "منطقة استراتيجية وأن إيران تبسط سيطرتها، في هذه المنطقة بشكل كامل". فيما اعتبر محمد محسن أبو النور، الباحث في العلاقات الدولية وخبير في الشئون الإيرانية، أن الوضع الحالي في سوريا أشبه بكباش بين قوى إقليمية ودولية تتنافس من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الجيوستراتيجية بخصوص حرب الطاقة المقبلة، وليس لها أي علاقة بالصراع الطائفي. وتابع: "سوريا هي أهم ممر بري حالي للطاقة في الشرق الأوسط، ولذلك يمكننا القول بأن الحرب السورية تستهدف تأمين مسارات الطاقة الجديدة وتحديدها؛ حيث تريد القوى الدولية مد أنابيب الغاز الخليجية عبر الأراضي السورية إلى أوروبا وحرمان روسياوإيران من أهم مدخولاتها من الطاقة، عن طريق إسقاط سوريا وهيمنة أمريكا على الوضع سيحرم روسيا من الطاقة، وكذلك إيران. وأكد الباحث في العلاقات الدولية وخبير في الشؤون الإيرانية ل"المصريون"، أن القوى المتصارعة في سوريا تتصارع في معركة صعبة للغاية، لذلك هي تعتبر مسألة حياة أو موت أو أمنًا قوميًا من الدرجة الأولى بالنسبة لروسيا أولاً ثم إيران ثانيًا، وهذا هو الاعتبار الأهم في النزاع، وتأتي كل الاعتبارات السياسية الأخرى كمكملات للمشهد ومتممات له. وشدد على عدم وجودة فكرة المد شيعي في سوريا، لأن المعركة مختلفة تمامًا وليس محل صراع طائفي، ولا علاقة للمذهب الشيعي بالصراع "الحربي الاقتصادي" القائم الآن. وأشار إلى أن هناك صراعًا "عربيًا إيرانيًا" يحاول كل طرف من الأطراف استغلال كل الوسائل الممكنة للحصول على مكاسب تكتيكية ومنها استخدام العاطفة الدينية لدى الشعوب، خاصة أن الشعوب في الشرق الأوسط متدينة لأن الأديان منشأها هنا في الشرق الأوسط.