فى البداية لا يمكن فهم ما يجرى فى حلب من هدنة وحرب ومواقف متناقضة لأطراف داخلية وقوى إقليمية ودولية دون استرجاع الموقف السياسى والعسكرى فى حلب قبل هدنة وقف إطلاق النار التى كانت مقدمة لعقد جنيف3 التى رعاها ممثل الأممالمتحدة دىميستورا ووضعت خلالها الخطوط العريضة لبدء المفاوضات حول بدء المرحلة الانتقالية فى سوريا. كان الموقف السياسى فى حلب يتركز حول حوار بين الأطراف المعنية والمؤثرة فى عملية اتخاذ القرار بخصوص تحديد القوى المعارضة العسكرية التى ينبغى لها المشاركة فى المفاوضات وكاد هذا الحوار يُسفر عن نوع من الاتفاق خاصة بين روسياوالولاياتالمتحدة على اعتبار أن تنظيمى أحرار الشام وجيش الإسلام تنظيمان معتدلان واستثناء تنظيم النصرة من الدخول فى هذا الإطار، وكان توازن القوى على الأرض فى حلب ينقسم ما بين قوات النظام السورى المدعومة من مجموعات حزب الله وقوات إيرانية تابعة للواء 65 وقيادات من الحرس الثورى ومجموعات أفغانية وبغطاء جوى روسى من ناحية وفى المقابل تحالف القوى المعارضة العسكرية على إتساعها والتى تهيمن عليها بصورة واضحة تنظيم النصرة خاصة فى منطقة حلب ريف حلب وأحرار الشام وتنظيم التركمانستان التابع لتركيا، وسعى كل طرف لتغيير توازن القوى على الأرض لدخول المفاوضات من خلال امتلاك أوراق تأثير يمكن أن ترفع من سقف مطالبه فى هذه المفاوضات ودخل تنظيم داعش على الخط وحقق بعض الانتصارات فى قرى وبلدات على مشارف مدينة إعزاز قرب الحدود السورية التركية، وقامت قوات النظام المدعومة بغطاء جوى روسى بالتمدد فى مناطق حدودية مع تركيا بغرض إغلاق هذه الحدود ومنع دخول المقاتلين والمساعدات العسكرية خاصة لتنظيم النصرة، كما قامت القوات الكردية السورية بتحقيق انتصارات على حساب التنظيمات العسكرية المعارضة وهو ما اعتبره البعض أنه يصب فى مصلحة النظام. خلاصة هذا الموقف أن النظام وحلفاءه كانوا على وشك إحكام السيطرة على منطقة شمال حلب ومحاصرة تنظيم النصرة التابع لتنظيم القاعدة بصورة أساسية وإغلاق الحدود مع تركيا وهو ما يمكن أن يقلص من النفوذ التركى والتمدد العسكرى التركى داخل سوريا وساندت روسيا هذا التوجه بصورة كبيرة، إلا أن الأطراف الإقليمية والدولية رفضت أن يحقق النظام السورى وحلفائه أية انتصارات أو يُزيد من حجم أوراق التأثير التى يمتلكها حتى يفرض وجهة نظره فى المفاوضات التى ترعاها الأممالمتحدة وقد كان واضحاً أن ما حققه من مكاسب أقنعت قطبى التأثير الدوليين فى سورياروسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية على الاقتراب من وجهة نظره بالنسبة للمرحلة الانتقالية التى تتضمن إعداد دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية دون الإشارة إلى موقف الرئيس بشار الأسد عكس ما تصر عليه كل من السعودية وقطر وتركيا، كما قامت تلك القوى الإقليمية بتقديم مساعدات عسكرية أكثر تطوراً لتنظيم النصرة وتنظيم أحرار الشام وجيش الإسلام والفصائل الأخرى المنضوية تحت ما يسمى بجيش الفتح، كما وصل نحو 250 عنصرا عسكريا أمريكيا إلى شمال سوريا لتنسيق العمليات العسكرية والواضح هنا أن تلك العمليات ليس مقصوداً بها تنظيم داعش، كما أن التنظيم قد استثمر النزاع بين طرفى الصراع فى تحقيق مكاسب ميدانية، كما فُوجىء العالم بإعلان النرويج وهى ليست طرفاً فى هذا النزاع منذ بدايته بإعلان أن 60 عنصراً عسكرياً من قواتها المسلحة قد ذهبوا إلى سوريا لتنسيق العمليات العسكرية وأصبحت بذلك طرفاً فى الصراع الجارى هناك. إذن الإجابة عن السؤال من يحارب من فى حلب الآن نشير إلى أن كافة الأطراف المحلية فى سوريا، النظام وحلفاؤه الذين أصبحت لهم أجندات تتجاوز أجندة النظام ولا تنتظر موافقته عليها تحقيقاً لمصالحه الإقليمية فى مواجهة تنظيمات عسكرية بعضها إرهابياً ترتبط بتنظيم القاعدة، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة وصول عناصر قيادية أكثر خبرة من تنظيم القاعدة العالمى إلى سوريا للعمل فى صفوف جبهة النصرة وتقديم المشورة العسكرية اللازمة ويتزايد الحديث فى الفترة الأخيرة عن ضغوط للتنظيم الدولى لإعلان إمارة القاعدة فى شمال سوريا، ورغم أن تنظيم النصرة (فرع القاعدة فى سوريا) يمهد لذلك منذ فترة طويلة ومنذ استيلائه على محافظة إدلب، إلا أن قياداته لا تزال ترى أن المصلحة تأخير إعلان هذه الإمارة حتى لا تصطدم بالقوى الدولية المعنية وفى محاولة للسماح لها بالمشاركة تحت أى غطاء فيما يتعلق بمستقبل العملية السياسية فى سوريا، الأطراف الإقليمية يزداد تورطها فى حلب ويعتبرون أن تلك المعركة هى بمثابة عملية كسر عظم بين طرفى الصراع وأن من يحقق انتصاراً حاسماً فيها سوف يفرض وجه نظره فى المفاوضات القادمة بينما ترى روسيا أنها ليست بصدد ممارسة أيه ضغوط على النظام السورى وفى تقديرها أنه يقوم بحرب ضد تنظيمات الإرهاب ورغم الاتهامات الموجهة للنظام بقصف المستشفيات، إلا أن المتحدث الرسمى الأمريكى قد صرح مؤخراً بأنه لا توجد معلومات كافية لتحديد الطرف الذى قام بذلك ولا تزال الولاياتالمتحدة ترفض أن يتمكن النظام من تحقيق انتصارات حاسمة حتى لا تفشل الخطة الأمريكية ورؤية الإدارة الأمريكية للصراع الجارى فى سوريا. وننتقل إلى السؤال التالى وهو لماذا تفجر هذا الصراع وهذه المعارك وكُسرت الهدنة فى حلب الآن، إن الإجابة عن هذا السؤال يمكن الوقوف عليها بالنظر للاعتبارات التالية: أن الإدارة الامريكية التى سوف ترحل قريباً تريد أن تسلم للإدارة الجديدة الموقف فى سوريا فى ظل نوع من النفوذ الأمريكى المؤثر للتأكيد على أن السياسة الأمريكية لن تكون فاشلة بصورة كبيرة، كما أن إدارة أوباما ترى أن أى تراجع للنفوذ الأمريكى سوف يكون فى مصلحة النفوذ الروسى ليس فقط فى سوريا ولكن فى منطقة المشرق العربى والمنطقة بأكملها. أن القوى الإقليمية تُجرى معاركها الذاتية خاصة فى مواجهة إيران على الأرض السورية وترى أن تحقيق إيران خسائر سياسية وعسكرية فى سوريا سوف تنعكس سلباً على النفوذ الإيرانى فى العراق واليمن ولبنان وبالتالى من الواضح أن لديها الاستعداد للذهاب إلى مدى أبعد فى دعمها للمعارضة العسكرية رغم أن بعضها يعتبر خطراً على أمنها القومي. أن تركيا تمارس سياسة متناقضة فهى تتبنى دعم تنظيمات المعارضة العسكرية بما فيها تنظيم النصرة وتعتبر ذلك قضية تعاون مع القوى المعنية بمواجهة النظام وحلفائه الإيرانيين إلا أنها وفى نفس الوقت تتجنب أية مواجهة حادة مع إيران لحاجتها فى التوقيت الحالى للاستفادة من القدرات الاستثمارية والمالية لإيران التى خرجت من الحصار الاقتصادى بعد الاتفاق النووى بينها وبين الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية، كما أن تركيا تزايد فى موقفها فى سوريا على دول الخليج لتقدم نفسها كحليف قوى بما يزيد من نفوذها الإقليمى وربما يؤثر على السعى المصرى لاستعادة دور مصر الإقليمى ودعم التحالف العربي. أن الأممالمتحدة ومن خلال مبعوثها ترى أن تحقيق الهدنة فى الوقت الحالى والذهاب إلى جنيف يجب أن يتضمن حلولا وسطا وتنازلات من الطرفين وهو ما ترفضه قوى المعارضة العسكرية وترى أن تفجير الموقف العسكرى ومحاصرة النظام ومنعه من تحقيق مكاسب يمكن أن تغير من التوازن العسكرى والسياسى مصلحة أساسية لها. وبصفة عامة فمن الواضح أن الأطراف المتورطة فى الأزمة السورية على اختلافها ليست معنية بوقف نزيف الدم السوري، لكن لتثبيت المصالح الذاتية ويتحمل مسئولية ذلك كافة الأطراف، وإذا كان التفاهم الأمريكى الروسى قد توصل لنوع من الهدنة القابلة للتمديد فى حلب إلا أنه من الصعب التصور الوصول إلى حلول جذرية لهذا الصراع طالما بقى تنظيم النصرة متحالفاً مع قوى وتنظيمات مرتبطة بتركيا وبقى النفاق الأمريكى واضحاً واستمرت مواقف القوى الإقليمية لحل خلافاتها على الأراضى السورية. وفى تقديرى أن الأطراف المتورطة فى الأزمة سواء الداخلية أو الإقليمية أو الدولية التى ترى أن حسم معركة حلب سوف يُلقى بظلاله على شكل وطبيعة المرحلة الانتقالية سوف يواجه الكثير من الصعوبات حيث لا تزال تصر روسيا على أن مستقبل الرئيس الأسد ليس مطروحاً فى هذه المرحلة وأنه لا توجد معارضة معتدلة ومعارضة غير معتدلة، وترفض الدعم الدولى والإقليمى لجبهة النصرة، كما تصر الولاياتالمتحدة والقوى الإقليمية المرتبطة بها على عدم السماح للنظام بتحقيق المكاسب فى حلب، الأمر الذى يرجح أن يبقى الصراع على حلب قائماً دون حسم شأنه شأن الكثير من المناطق السورية التى تتداخل فيها الأطراف المتصارعة وبما يؤكد فى النهاية أن أى أطراف لن تتمكن من فرض حل عسكرى للأزمة وأن مستقبل الأوضاع فى سوريا يرتبط بالأساس بجدول التفاهمات الروسية الأمريكية وبغض النظر عن مزايدات بعض القوى الإقليمية. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات