العزب الطيب الطاهر خبراء: رسالة دعم للمعارضة فى مواجهة النظام ومخاوف من حرب روسية أمريكية محمد مجاهد الزيات: مناورات رعد الشمال رسالة للتدخل البرى فى سوريا د.عبدالخالق عبدالله: التدخل البرى لإعادة التوازن بين النظام السورى والمعارضة
يبدو أن خيار التدخل العسكرى البرى فى سوريا لامفر منه، فى ظل عدم نجاعة الضربات الجوية التى يشنها التحالف الدولى بقيادة الولاياتالمتحدة، منذ أكثر من عامين ضد تنظيم «داعش» والذى لم تزحزحه هذه الضربات عن المناطق والمواقع التى سيطر عليها إلا قليلا، وفى بعض المراحل وسع من تمدده حتى فى ظل هذه الضربات.
وعلى الرغم من أن التدخل الروسى العسكرى المباشر قبل أربعة أشهر، كان يهدف وفق ما أعلنته موسكو آنذاك إلى ضرب تنظيم داعش وجبهة النصرة، فإن ذلك لم يتحقق، لأن هذا التدخل لم يكن مقصودا منه سوى حماية النظام السورى ورأس بشار الأسد بالدرجة الأولى، مما جعل جل نشاطه يركز على توجيه الضربات الجوية المكثفة على مواقع التنظيمات المسلحة التى توصف بالمعتدلة، وهو ما أقرت به أجهزة استخبارات أمريكية وغربية، وتظهر تجلياته فى القصف الجوى المتواصل الذى تشهده حاليا مدينة حلب والمدن الأخرى التى تخضع لسيطرة هذه التنظيمات، ما جعل بشار الأسد يشعر بغطرسة القوة فى الآونة الأخيرة، ويعلن تعهده بتحرير كامل الأراضى السورية من المنظمات الإرهابية التى يقصد بها التنظيمات المسلحة المعتدلة التى تقاتل نظامه، وفى الوقت نفسه تخوض المعارك ضد داعش باعتبار أنهما وجهان لعملة واحدة تهدد سوريا الأرض والشعب والمقدرات. وفى ضوء هذه المعطيات، تتجلى أهمية إعلان كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة عن استعدادهما، للقيام بتدخل برى للتصدى لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية والذى أيدته مملكة البحرين وأبدت تركيا عزمها على المشاركة فيه وفقما أعلنه مولود جاويش أوغلو وزير خارجيتها يوم السبت الماضى عندما قال: إذا كان ثمة إستراتيجية لمحاربة الإرهاب فى سوريا، فإنه بوسع كل من أنقرةوالرياض إطلاق عملية برية ضد داعش فى سوريا، كاشفا فى هذا السياق عن قيام السعودية بإرسال طائرات حربية الى قاعدة "إنجرليك الجوية" فى بلاده والتى تشكل مركز العمليات الرئسى لقوات التحالف الدولى فى كل من سوريا والعراق، نافيا ما يقال عن تردد بلاده لمكافحة التنظيم الإرهابى وفهى كما يقول من تقدم المقترحات الملموسة. وفى هذا السياق فإن الدكتور محمد مجاهد الزيات الخبير الإستراتيجى والرئيس السابق لمركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة ل" الأهرام العربى" إن الإعلان السعودى والإماراتى بالتدخل البرى فى سوريا يأتى ضمن سياق إستراتيجية باتت واضحة للتحالف الدولى الذى تقوده الولاياتالمتحدة لتوفير كل المقومات العملية للقضاء على التنظيم الإرهابى، الذى لم تتكمن العمليات الجوية من تهميش نفوذه وإنهاء وجوده على نحو كان من شأنه أن يسهم فى الإسراع بإيجاد حل سياسى للأزمة السورية المشتعلة منذ خمس سنوات، وهناك معلومات تشير إلى أن الولاياتالمتحدة تسعى إلى تشكيل قوة برية مكونة من عدد يترواح بين 100 و150 ألف جندى للتصدى لداعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، سيكون معظمها من القوات الخاصة للدول المرشحة للمشاركة فى هذه القوة،وهو ما يمكن أن يفسر مشاركة عدد كبير من الدول العربية والإسلامية فى التدريبات العسكرية التى انطلقت أخيرا فى الأراضى السعودية تحت مسمى رعد الشمال، والتى ينظر إليها بحسبانها تمرينا على إمكانية التدخل البرى فى سوريا،وإن كانت دوائر سعودية ترفض الربط بين هذا التدريبات والإعلان عن التدخل البرى، ومن قبل أعلنت الرياض عن تشكيل تحالف عسكرى إسلامى مكون من 37 دولة لمحاربة الإرهاب اعتبر الخطوة الأولى فى مسار التحضير للتصدى لداعش فى سوريا. ويرى الزيات أن الإعلان فى حد ذاته يمثل نوعا من الرسالة الإيجابية الداعمة للتنظيمات المعارضة المسلحة،التى ما زالت تقاتل القوات الحكومية التى يبدو أنها تحقق تحولات على الأرض، بفعل الإٍسناد المباشر من الطيران الروسى، والميليشيات الإيرانية وغيرها من ميليشيات شيعية قادمة من الخارج، وذلك فى إطار المساعى الرامية إلى منع سقوط حلب بقبضة النظام السورى، وهو الأمر الذى يمكن أن تترتب عنه نتائج إستراتيجية سلبية على المعارضة وحلفائها الإقليميين والدوليين، لاسيما فى ظل ما يبدو أنه نوع من التفاهم الذى أخذ فى التبلور بين القوات الحكومية السورية وقوات حماية الشعب التركى، والذى من شأنه أن يخصم من رصيد سيطرة المعارضة بشكل عام على مناطق إستراتيجية لمصلحة نظام بشار الأسد. ويتفق مع هذه الرؤية إلى حد ما أستاذ العلوم السياسية الإماراتى الدكتور عبد الخالق عبد الله، والذى يرى أن إعلان كل من الرياض وأبو ظبى عن الاستعداد لإرسال قوات برية إلى سوريا، لا يهدف إلى محاربة داعش والنصرة فحسب، ولكنه يستهدف فى المقام الأول دعم المعارضة السورية وإعادة التوازن على أرض المعركة، لاسيما بعد إخفاق محادثات جنيف 3 خلال الشهر الماضى، وحدوث تحول لصالح قوات بشار الأسد بعد التدخل الروسى العسكرى المباشر، والذى أخذ منحى مكثفا فى الأيام الأخيرة من خلال السعى إلى استعادة مدينة حلب الإستراتيجية والتى يراها النظام السورى نقطة تحول لصالحه إن نجح فى تحقيق هذا الهدف، ولاشك أن توقيت هذا الإعلان يأتى - وفقا لرؤية بعض الخبراء فى إطار سياقين، أولهما الإخفاق الكبير الذى طال جولة مفاوضات جنيف الأخيرة بين ممثلى النظام والمعارضة السورية، وبالتالى فالمعركة ستطول على أرض الواقع، وثانيهما يتمثل فى أن هناك تحولا كبيرا على أرض الواقع لصالح قوات بشار الأسد وإيران والقوى المعادية لثورة الشعب السورى، والسعودية وأغلب دول الخليج لا يمكنها السماح بهزيمة الشعب السوري، وبالتالى فهى واضحة وصريحة بأنها ستقوم بكل ما يمكن القيام به لمنع هزيمته، سياسيا وعسكرياً، لتحقيق هدف تنحى الأسد عن السلطة وقد يفسر ذلك تصريحات وزير الخارجية السعودى عادل الجبير، بأنه يتعين على بشار الأسد الرحيل إما عبر عملية سياسية تسمح بانتقال سلمى للسلطة أو من خلال تدخل عسكرى مباشرلدعم قوى المعارضة المسلحة. كما يؤكد الإعلان السعودى - الإماراتى المدعوم من البحرين فى الوقت نفسه أن هناك دولا عربية جادة فى سعيها لمحاربة داعش، وهو ما يحول دون استمرار مقولات بعض الأطراف الغربية بأن هذه الدول متقاعسة على هذا الصعيد، وهى الآن أكثر استعداداً للانخراط فى التصدى لهذا التنظيم، غير أن محاربته تستوجب وجود قوات تحاربه فعلا وليس قولا، وحتى هذه اللحظة فإن قوات النظام السورى وحلفاءه من الروس والإيرانيين، لا يحاربون داعش، وإنما يحاربون الجيش السورى الحر، وغيره من قوات المعارضة المعتدلة باعتراف دوائر أمريكية وفرنسية، ووفقا لدوائر عربية، فإن المرحلة الأولى فى العملية البرية المرتقبة ستشهد إرسال مستشارين، ومدربين، لدعم القوات المعارضة التى تحارب على جبهتين فى الوقت نفسه، جبهة داعش وجبهة نظام بشارالأسد وهو ما يستوجب وجود غطاء دولى وقرار أممى حتى تفتقد العملية شرعية دولية ولا يمكن الطعن فيها، لاسيما من قبل دمشقوموسكو وطهران إلى جانب محاولة إحداث التوازن مع الروس، ووضع قواعد منع الاشتباك مع القوات الروسية والإيرانية، حتى لا تتدهور الأمور الى حرب كبرى بين الأطراف المتصارعة سواء بشكل مباشر أو بالوكالة عن أطراف الأزمة المحلية كما يؤشر إلى الاستمرار فى المواجهة مع إيران التى بات لها حضور طاغ فى المشهد السورى سياسيا وعسكريا، وفى الوقت ذاته يحمل إشارة إلى الاستعداد للذهاب إلى أبعد مدى لإسقاط نظام الأسد. وليس سرا أن فكرة التدخل البرى فى سوريا من قبل دول التحالف بقيادة واشنطن ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى إبريل الماضى، حين زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان واشنطن والتقى الرئيس أوباما وطرح عليه فكرة تدخل تركيا البرى مع قوات خاصة من دول عربية أخرى وربما إسلامية لمزيد من إضفاء الشرعية الدولية، من أجل الإسراع بإسقاط الأسد ثم بعد ذلك يتم الإجهاز على تنظيم داعش، وهو ما وضع على الطاولة أمريكيا ولكنه لم يتحول إلى أمر عاجل آنذاك، ويبدو أن التطورات العسكرية الأخيرة بعد التدخل الجوى الروسى أعادت مرة أخرى الاعتبار لفكرة التدخل البرى بمشاركة عدد من دول الإقليم. وفى رأى الدكتور مصطفى العانى الباحث بمركز أبحاث الخليج، فإن ثمة قناعة لدى الرياض أصبحت أكثر وضوحا فى الآونة الأخيرة مؤداها، أن فرصة التوصل إلى حلّ سلمى للأزمة السورية محدودة جدا، وأن الأمور ستحسم ميدانياً فى نهاية المطاف، وهو ما دفعها إلى إبداء استعدادها الى المشاركة فى عملية برية، فى إطار التحالف الدولى بقيادة الولاياتالمتحدة، وهو خيار يحظى بحماس تركيا منذ بدأت روسيا تدخلها العسكرى الجوى المباشر فى سوريا ومحاولتها إخراج أنقرة من المعادلة، معربا عن قناعته بأن المملكة العربية السعودية جادة فى نشر قوات كجزء من التحالف الدولي، خصوصاً فى حال مشاركة قوات تركية، وهو ما أكدته تصريحات وزير الخارجية فى ميونيخ نهاية الأسبوع الماضى، لكنه يلفت النظر إلى أن التدخل السعودى سيكون محدوداً، نظراً إلى كون الرياض تقود تحالفاً عربياً مستقلاً يقاتل فى اليمن منذ عام تقريباً، وتحرس الحدود الجنوبية للمملكة من هجمات المتمردين اليمنيين المدعومين من إيران. غير أنه فى المقابل ثمة خشية من أن يقود التدخل البرى المرتقب من قبل التحالف الدولى بقيادة الولاياتالمتحدة ومشاركة الحلفاء الإقليميين إلى إنزال ووجود برى أكثر لروسيا مع زيادة القوات البرية، من قبل إيران والأطراف الأخرى الداعمة للنظام السورى، خصوصا أن روسيا تعلم أن ضرباتها الجوية لم تأت بالكثير من النتائج الملموسة على الأرض، وهى بحاجة لئلا تخسر موقفها فى جعل حليفها بشار الأسد منتصراً فى حرب توجد فيها، ومن ثم ستعمل فى مواجهة ذلك على تثبيت قدميها على الأرض السورية، من خلال الاشتراك برياً فى المعارك مع الجيش السورى بدون شك، وفى الوقت ذاته ستواجه القوات الروسية قوات المعارضة التى تدعم أمريكا فصائل منها، أى أن روسيا ستقوم بقتال حلفاء واشنطن بريا، وهو ما لم تقبل به، وبالتالى لن تسكت وتضطر لابتلاع الهزيمة.