لاريب أن دخول القضاة إلى معمعة الحراك السياسي بطريق غير مباشر ؛ قد دفع هذا الحراك إلى الأمام ، وأضاف إلى عوامل الدفع الأخرى قوة جديدة جعلت النظام يهتز ويتأثر . وقضاة مصر كانوا دائما ملاذ الناس والشعب المظلوم في ظل الاستبداد والظلم السافر ، ومع كل المحاولات التي بذلتها السلطة لتدجين القضاة واستئناسهم ، والالتفاف عليهم بما يسمى القضاء الاستثنائي أو العسكري ، فقد ظل جوهر القضاء المصري نقيا ، ينصف المظلوم ، وينحاز إلى العدالة ، ويقيم موازين القسط بقدر ما في حدود القوانين والتشريعات والدستور. وكان إشراك القضاة في الإشراف الجزئي على الانتخابات في مصر ، وقفة شامخة ضد الاستهتار الحكومي بإرادة الشعب ورغبة الأمة ، فقد تصدى القضاة لعمليات التزوير التي كانت شائعة ، وكانت تعتمد على تقفيل الصناديق بعد التصويت للأحياء والأموات وفق الإرادة الحكومية وبمعرفتها ، لقد تراجعت في وجود القضاة إمكانية قيام السلطة بالتصويت نيابة عن الشعب داخل اللجان . صار صعبا على الضباط والموظفين والمسئولين أن يقوموا بتقفيل الصناديق بمعرفتهم ، ولم يعد أمامهم إلا الوقوف خارج اللجان لمنع المواطنين من الإدلاء بأصواتهم لصالح مرشحين غير حكوميين أو غير منتمين للحزب الحاكم المستبد .. وترتب على ذلك أن واجه الشعب الأعزل رصاص السلطة وغازاتها المسيلة للدموع وهراواتها الثقيلة وخوذاتها الحديدية بشجاعة فائقة النظير ، وسقط في جولات الانتخابات التشريعية الماضية أكثر من عشرة قتلى وألفى جريح ضحايا لقسوة السلطة وبطشها وجبروتها .. بل إن هذا العدوان البوليسي امتد ليشمل بعض القضاة بالإهانة والتنكيل ، مما تحدثت عنه الصحف في حينه. القضاة في ناديهم ؛يبحثون هذا العدوان يوم الجمعة 16-12-2005م، ويقومون مواقف السلطة ، ويستعدون لانتخابات مجلس إدارة جديد للنادي .. والسلطة غير مستريحة لما سيفعله القضاة ، لذا تحاول أن توقع بينهم ، وتسعى إلى الانتقام من القضاة الذين كشفوا التزوير الفاضح والصارخ في بعض الدوائر ، وتريد أن تزيح مجلس الإدارة الحالي من موقعه لأنه أعلن عن كثير من المخالفات والسلبيات التي تدين أجهزة الأمن خاصة .. ولكن هل تتمكن السلطة من تحقيق غاياتها في العصف بهيبة القضاء؟ لا أظن ذلك ، فالقضاة يحظون بتعاطف شعبي غلاب ، خاصة بعد أن كسروا حاجز الصمت ، وأعلنوا على الملأ ما رأوه تزويرا ومخالفا لضمائرهم ، وكانت المستشارة " نهى الزيني" في مقدمة القضاة الذين رفضوا القضاء المنبطح ، وتحدثت عن تزوير فاضح صارخ في دائرة دمنهور ، وانضم إليها سبعة وثلاثون ومائة من القضاة في الدائرة ذاتها شهدوا بأن من أعلن فوزه في هذه الدائرة هو الخاسر الحقيقي بفارق هائل من الأصوات . إن القضاة في ناديهم ومواقفهم يعبرون عن القضاء الشامخ الذي لاينحني لغير الله ، ولا يقبل التزوير أو التدليس أو غش الأمة المظلومة ، وأعتقد أن جهود السلطة لن تنجح في شق صفوفهم بالترهيب أو الترغيب .. وإذا كان هناك من قبل أن ينكس رأسه أمام مشاهد التزوير الفاضح الصارخ ، فالأغلبية الساحقة من القضاة ثوب أبيض ، يطهر نفسه بنفسه كما قالوا في خضم الجولات الانتخابية.. وليت السلطة تسلم باستقلال القضاء استقلالا كاملا وتوافق على قانون السلطة القضائية ؛ فذلك حماية لها قبل أن يكون حماية لخصومها ، وليتها تأمر خدامها أن يتوقفوا عن إهانة القضاة وتشويه صورتهم في الصحافة المغتصبة ، والإعلام المغتصب .. ولابد من صنعا وإن طال السفر !