التجارب المريرة التي تمر بها بعض الأوطان ربما تعلمنا كيف نخرج من قوقعة التصلب والانسداد والإستبداد بالرأي إلى شساعة وأمل وفسحة الحوار ومناقشة الرأي بالرأي المخالف ،وتباري الأفكار والبرامج في مصلحة المجتمع ..إذ لا مصلحة ترجى في المناكفة إلا مزيد من الشرخ والتقسيم والتأزيم والتناحر والسير نحو المجهول ...لماذا الاستمرار في القطيعة والتنابز بين أبناء الوطن الواحد بينما الحلول السياسية والودية المتعارف عليها متوفرة ..لماذا تُهدر الأوقات في جدالات عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع ..لا في مصلحة الوطن ولا المواطن ...لماذا تشتت الجهود وكل يغني ليلاه ...بينما الحل كل الحل هو الجلوس إلى طاولة الحوار وعرض الاخلافات وتقليل الهوة بين الأطراف ..وليتفق فيما اتفق فيه ويعذر البعض الآخر فيما يختلف فيه..لماذا التعنت والمبالغة في سد الآذان وغلق الأبواب ..بينما هناك طرق وسبل تعارف عليها البشر في حل مشاكلهم وخلافاتهم وتناقضاتهم ..وهي سبل الحوار والنقاش الهادئ والمثمر والمفضي إلى النتائج التي ينتظرها الناس...لماذا نختار دائما أساليب الصد والإعراض وغلق الأبواب بينما الأمة بحاجة إلى جمع الجهود ومراكمة التجارب والأفكار لخدمة الصالح العام..وما مصلحة الصالح العام إلا أن تعيش الأمة موحدة متماسكة ..ويعيش المجتمع في سلام بكافة مكوناته ..دون إقصاء ولا استحواذ ...وخير الصالح العام ليس سوى أن ينتصر العقل والحكمة في تذليل العقبات ورسم نقاط التقاطع والاختلاف ..والابتعاد عن حالة التمزق وتجنب السقوط والتفرقة القاتلة التي يشتغل عليها الأعداء ...لجعل الأمة تعيش التناحر والتشرذم والأزمات الدامية المتكررة ...هل آن لعقلاء الأمة ونخبتها ورموزها أن يرسموا أخلاقيات الاختلاف من جديد ويعرضوا أدبيات التحاور مرة أخرى، كي لا تنزلق المجتمعات إلى مزيد من الفوضى والتناحر والدماء ..ويعصموا ما تبقى من جسم الأمة االمتداعي ..ويصححوا المسارات ..فما مصلحة الأوطان إلا تحقيق مصالح الشعوب ...وما مصلحة الشعوب إلا أن يظل الناس بكرامة وحرية وعدالة متعايشين متجاورين متحابين حتى وان اختلفت أفكارهم وميولاتهم ومقارباتهم وحتى أديانهم .. فالوطن سقف يحمي الجميع وعلى الجميع أن يعرف كيف يعيش تحت هذا السقف ويحميه من السقوط ..تولانا الله برحمته... _________________________ ** كاتب جزائري ..