دخلت علاقات القاهرة مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى نفق مظلم؛ إثر فشل الزيارة التي قام بها وفد رفيع المستوى بقيادة الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، يضم أميني الجامعة السابقين عمرو موسى، ونبيل العربي؛ للبحث في سبل تسوية الأزمة داخل حركة فتح، وضخ دماء جديدة في عروق المصالحة الفلسطينية، بين الضفة الغربية وقطاع غزة. واستغلت القاهرة، زيارة وفد رئيس الجامعة؛ خلال المشاركة في افتتاح متحف للرئيس الراحل ياسر عرفات، لمفاتحة عباس مجددًا في ملف الخلافات داخل "فتح"، وضرورة القبول بإعادة القيادي السابق بالحركة، محمد دحلان، ومقربين منه؛ كمسعى للمصالحة داخل الحركة، وبدء خطوات للتقارب مع "حماس"، مراهنة على إمكانية نجاح هذه المحاولة، بعد إخفاق جهود "الرباعية العربية". وأفادت مصادر مطلعة، بأن الوفد العربي طالب عباس بالتوقف عن تشويه "دحلان"، بعد اتهام عباس للأخير بالتورط في اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، وهي المطالب التي لم تجد أي رد فعل إيجابي مع عباس، الذي أبدى تصميمًا على عقد المؤتمر العام السابق لحركة فتح في موعده؛ رغم مخاوف مراقبين من تمكن عباس من حشد أنصاره للهيمنة على الحركة والسلطة. ولفتت المصادر، إلى أن الوفد العربي رفيع المستوى فوجئ بمواقف متصلبة من عباس تجاه جميع الملفات، حيث رفض أي مصالحة داخل "فتح" تعيد الاعتبار لدور "دحلان"، بل أن عباس وجه انتقادات لتدخلات دول عربية في الشأن الفلسطيني، رافضًا أي مطالب له بتسمية خليفة له في رئاسة السلطة الفلسطينية يحظى بقبول عربي؛ في ظل تدهور الوضع الصحي له. وعرض أبو الغيط، بحسب المصادر على عباس، ثلاثة أسماء لخلافته، وفي مقدمتهم ناصر القدوة، وزير الخارجية الأسبق، ونجل شقيقة الرئيس الراحل، ياسر عرفات، ومروان البرغوثي، أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، ومحمد دحلان، مدير الأمن الوقائي في قطاع غزة، وهو ما رفضه عباس الذي أبلغ محاوريه، اعتزامه فصل "دحلان" من كافة تشكيلات حركة "فتح"؛ لقطع الطريق على لعبه أي دور سياسي في المستقبل، والحصول على تأييد المؤتمر العام القادم للحركة لهذا القرار. وأشعل تصلب "عباس" تجاه "دحلان"، غضب الدول العربية وفي مقدمتها مصر، الراغبة بقوة في تسمية خليفة لعباس؛ لمواجهة أي تردٍ لحالته الصحية، واحتمال اختفائه من المشهد الفلسطيني بشكل قد يتيح لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني "عزيز الدويك"، القيادي في حركة حماس لخلافته، وإيجاد موطئ قدم للحركة في القرار الفلسطيني، وهو ما ترفضه القاهرة جملة وتفصيلًا. وهددت القاهرة، بإجراءات عقابية ضد "عباس"، حالة عدم تعاطيه إيجابيًا مع جهودها؛ لتسمية خليفة، مبدية استعدادها للتوصل لتسوية مع إسرائيل لإطلاق سراح القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي، حال قبول عباس به خليفة له؛ كرسالة لعباس بإمكانية قبول أي خليفة يقبله، وليس دحلان بعينه، وهو الطرح الذي مازال عباس يرفضه حتى، ومعه عرض مصري بتأجيل المؤتمر العام السابع للحركة. ويرى مراقبون، أن عدم قبول عباس بالوساطة العربية لتسوية الأزمة مع دحلان أو تسمية خليفة له؛ يدخله في أزمات شديدة مع الرباعية العربية، التي تضم "مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة"، بشكل يحرمه من أي دعم عربي، ويفرض عليه عزلة تشبه ما عانى منه الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، قبل وفاته، بل وترددت أنباء عن غليان عربي تجاه عباس واستياء للجامعة العربية، من رفضه الانخراط في مصالحة داخل "فتح"، وتمسكه بشكل متصلب بمواقفه. ومع هذا فاجأت الجامعة العربية، المراقبين بإعلان على لسان نائب الأمين العام، السفير أحمد بن حلي، أكدت فيه دعمها للقيادة الشرعية الفلسطينية المنتخبة، ممثلة في الرئيس محمود عباس أبو مازن. وفند بن حلي، تقارير صحفية تشكك في شرعية الرئيس "أبو مازن"، قائلًا: لا نعلق على هذه التقارير غير المسئولة، وهذا كلام غير موثق ولا معنى له، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية تبقى على قائمة أولويات الدول العربية، مضيفًا القيادة الشرعية الفلسطينية لابد من المحافظة عليها ودعمها. ومع هذا فإن بيان "بن حلي" لم يغير من الموقف العربي الرافض لتصلب عباس، والذي تحول بحسب الدكتور سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، إلى ورقة محروقة بالنسبة لجميع الدول العربية، بعد رفضه جميع الحلول الوسط التي عرضتها الرباعية العربية، فيما يتعلق بتحديد خليفته في وقت يتمتع "دحلان" بدعم عربي مفتوح؛ كونه من القلائل القادرين على لجم حركة حماس، وقطع الطريق أمامها للهيمنة على السلطة. وأشار "اللاوندي"، في تصريحات خاصة ل"المصريون"، إلى أن "دحلان" يتمتع بعلاقة جيدة بإسرائيل، ويحظى بشعبية كبيرة بحركة فتح، بالإضافة إلى علاقاته الوطيدة بالدول العربية، بل أنه يبقى المرشح الأول لخلافة عباس حال اختفائه من المشهد الفلسطيني. ولفت إلى أن عددًا من الدول العربية تجهز "دحلان" لخلافة "عباس"، وهو ما أشعل أزمة في علاقات عباس مع الدول العربية المؤثرة في المشهد الفلسطيني. يأتي هذا في الوقت الذي قال فيه السفير سعيد كمال، الأمين العام المساعد السابق للجامعة العربية، إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معرض للغياب في أي وقت، خاصة مع تدهور حالته الصحية، ودحلان سيكون بديلًا له من خلال تأييد شعبي كبير. وأكد "كمال"، في تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن هناك مؤشرات قديمة تؤكد أن دحلان سيكون رئيسًا، لكنه سيواجه نفس المصير وهو الخلاف بين غزة والضفة. وأشار إلى أن هناك مؤتمرًا خلال الأسابيع القادمة لحركة فتح، وسيناقش فيه الأمور السياسية من ضمنها مصير محمود عباس، وتحديد مستقبل حركة فتح والسلطة الفلسطينية وسط رغبات عربية في ترتيب الأوضاع بشكل مرض داخل الحركة الفلسطينية الأم. وعلى الجانب الآخر قال السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية السابق، إن أي رئيس فلسطيني يأتي بعد عباس سيواجه نفس المشكلات التي واجهها محمود عباس. وأكد " القويسني"، في تصريحات خاصة ل" المصريون"، أن في حالة وفاة عباس ستتغير سياسة حركة " فتح". وأشار مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن هناك عددًا من الأسماء المرشحة لخلافة عباس من بينهم دحلان رغم خلافته مع عباس، مستبعدًا في الوقت نفسه أي دور سياسي لمروان البرغوثي، الذي يستحيل أن يتولى المنصب إلا في حالة واحدة وهي إصرار الشعب عليه.