دائمًا ما يحفل مسار التاريخ باللحظات المفصلية التى تحتاج إلى رجال أصحاب قدرات خاصة يملكون القدرة على اتخاذ القرار السليم فى الوقت المناسب ويمضون قدما فى تنفيذه دونما خوف أو تردد، إذ إنه من المحال أن تشيد نهضة أو تبنى أمة على يد المترددين الخائفين بل الأمر يحتاج إلى أصحاب العزائم الماضية والإرادات الحديدية. وفى مسار تاريخ أمتنا أكثر من شاهد ودليل.. ولكنى أريد أن أذكر هنا بموقف الشيخ الكبير الذى كان قد تخطى الستين آنذاك وكان يملك قلبا رقيقاً تسبقه دمعته وما عرفت عنه شدة ولا سجلت فى حقه حالات حدة إلا إذا كانت لله عزوجل.. ولكن فى لحظة مفصلية من لحظات تاريخ إذ بأبى بكر الصديق رضى الله عنه يتحول إلى رجل آخر يقرأ واقعه جيدا ويستشرف مستقبله كأفضل ما يكون ويتخذ قراره ولا يبالى بمتخوف أو معترض.. شعر الصديق رضى الله عنه عقب توليه الحكم عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفجر جزيرة العرب بأحداث الردة أن مستقبل الإسلام على المحك، وهو الذى عاش يكافح ويجاهد من أجل ظهوره وعلوه وتحمل المشاق والعنت مع حبيبه صلى الله عليه وسلم ولم يكن بوسعه أن يقف موقف المتردد والإسلام ينسل من جزيرة العرب ولا أن يبحث عن حل توافقى خاصة مع مانعى الزكاة الذين أرادوا أن يأخذوا ببعض الكتاب ويكفرون ببعض أرادوا أن يؤدوا شعائر الإسلام ولكن لا يدفعون الزكاة فصمم الصديق على قتالهم وعندما جاءه الفاروق رضى الله عنه معترضا ومجادلا ويقول له: "كيف تقاتل قوما وقد قالوا لا إله إلا الله"، ولكن الصديق كان يعرف أنه إذا تهاون فى شأن الزكاة فسيأتى قوم بعدها يسألونه ترك الصلاة.. وآخرون يريدون ترك الحج ودواليك حتى تنقضى عرى الإسلام عروة عروة فصاح فى الفاروق: "واها يا ابن الخطاب أجبار فى الجاهلية خوار فى الإسلام.. والله لو منعونى عقال بعير كان يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه... إلخ " ومضى الشيخ الأسيف البكاء أبو بكر فى طريقه حتى استتب له الأمر وقضى الله على يديه على الفتنة حتى قيل: "ردة ولا أبا بكر لها". تذكرت هذا الموقف الرائع وأنا أطالع موقف الحركة الإسلامية اليوم من اختيار الرئيس المقبل وهى تقف موقف المتردد بل الخائف الوجل من دعمها لمرشح ينتمى إلى المشروع الإسلامى فكرا وسلوكاً.. حتى ذهب البعض مذاهب شتى فى البحث عن الرئيس التوافقى الذى يرضى العلمانيين بجميع معسكراتهم والعسكريين وأيضا أمريكا والغرب ومن باب ذر الرماد فى العيون قيل فى النهاية أن يكون متوافقا مع المشروع الإسلامى.. وكأن الإسلاميين لا يريدون أن يتعظوا من حوادث التاريخ فكم من رئيس أوصلوه بإرادتهم إلى كرسى الحكم فإذ بهم هم أول الضحايا.. فعلها المشايخ الأفاضل مع محمد على فكان ما كان من بطشه الشديد بهم، وفعلها الإخوان مع عبد الناصر فكان ما كان من بطش بالإسلاميين استمر قرابة الستة عقود! ودفعنا نحن بعدهم بعقود ثمن تلك الأخطاء من عمرنا وشبابنا وأمننا وكرامتنا الإنسانية. واليوم يريد البعض أن يجدد الأحزان ويعيد كتابة المأساة خوفًا من أن يقول البعض لقد تفرد الإسلاميون بالحكم، وقلقا من مستقبل قد لايقوون فيه على الوفاء بمتطلباته، وخوفاً من تحمل الأمانة بكل صدق وشجاعة وعدم ثقة فى قدرات النفس وإمكانيات الذات. وفى رأيى أن جزءًا كبيرًا من الأزمة يكمن فى الحسابات المنفردة التى تحسبها بعض الحركات والفصائل وتنظر إلى إمكانياتها هى لا إمكانيات الأمة التى من وضعت ثقتها فى تيار عريض يملأ البلاد من شمالها إلى جنوبها، ولا حتى النظر إلى إمكانيات الحركة الإسلامية نفسها بغض النظر عن المسميات واللافتات. إضافة إلى أحاديث الإرجاف والتثبيط التى أقنعنا بها أنفسنا كحركة إسلامية من أن مصر لن يتمكن فصيل واحد من القيام بأعبائها، ولن يستطيع تيار معين أن يواجه مشاكلها مما أفقدنا الثقة فى أنفسنا فى هذه اللحظة المفصلية التى تحتاج إلى رجال أولى عزم وإرادة يعلمون أنهم أمام لحظة تاريخية لا تتكرر إلا كل عقود طويلة وضياعها قد يعنى ضياع أجيال وأجيال. أرجو أن تتم معالجة الاستحقاق الرئاسى داخل الحركة الإسلامية على ضوء تحديات النهضة الإسلامية التى نطمح إليها بعيدا عن التربيطات التحتية التى يبدو أنه ليس من حقنا أن نعلمها، ولكن فقط ندفع فاتورتها. اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز التقى. [email protected]