انطلاقة جديدة لتطوير تدريس اللغة العربية بالشرقية    متي ستبدأ شركة مصر للابتكار الرقمي الموافقة للتحول إلى «وان بنك الرقمي»؟    نزع سلاح حزب الله بين سيادة الدولة والتهديد بالفوضى    فيريرا يطوى صفحة المقاولون العرب وبدأ الاستعداد المبكر لمودرن سبورت    وفاة طفل بعد تناوله منتج سريع التحضير بالمرج.. والنيابة تحقق    بينهم نتنياهو.. تفاصيل استدعاء مراقب إسرائيل العام مسئولين لبحث إخفاقات 7 أكتوبر    مصر تتصدر نمو السياحة الإقليمية في الربع الأول من 2025    "تسلا" تقدم تخفيضات بنسبة 40% لشركات تأجير السيارات بسبب ضعف الطلب    سقوط سائق "توك توك" خالف المرور وسار عكس الاتجاه في الإسكندرية    وكيل تعليم الفيوم يناقش آليات لجنة الندب والنقل مع إدارة التنسيق العام والفني بالمديرية    "تموين الإسكندرية" تضبط أسمدة زراعية مدعمة قبل تهريبها للسوق السوداء    لبنى عسل: المهرجانات تعكس القوة الشاملة.. والليلة هشام عباس يتألق من القلعة    باحث: إسرائيل ترفض الصفقات الجزئية وتواصل الحرب لتحقيق مخطط الشرق الأوسط الجديد    «درويش» يشعل شباك التذاكر.. 12.5 مليون جنيه في 5 أيام    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: تركة المتوفاة تُوزع شرعًا حتى لو رفضت ذلك في حياتها    «الرقابة الصحية»: الإسكندرية مؤهلة لتكون نموذجًا رائدًا في تطبيق التأمين الصحي الشامل    قبل لقاء زيلينسكي وقادة أوروبيين.. ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا هي حرب بايدن «النعسان»    تقصير أم نفاق؟ أمين الفتوى يجيب على سؤال حول الفتور فى العبادة    وزير الخارجية يرافق رئيس الوزراء الفلسطيني لزيارة الجرحى الفلسطينيين بمستشفى العريش العام    المقاولون العرب يكشف حالة أمير عابد بعد تعرضه لحادث سير: "تحت الملاحظة"    توزيع 20 جهازا تعويضيا وطرفا صناعيا لدعم ذوى الهمم فى قرى أسوان    المسلماني ونجل أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل بماسبيرو    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    محافظ الوادي الجديد يتفقد تقدم أعمال إنشاء مدرسة المتفوقين STEM    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    «قد تصل لسنة».. رئيس تحرير الأهلي يكشف مستجدات شكوى بيراميدز لسحب الدوري    سعر الفضة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025.. بكم الإيطالي الآن؟    الأعلى للإعلام يعلن انطلاق الدورة التدريبية ال61 للصحفيين الأفارقة    موعد إعلان نتيجة تقليل الاغتراب 2025 لطلاب المرحلتين الأولى والثانية    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    «بيطري قناة السويس» تُطلق برامج دراسات عليا جديدة وتفتح باب التسجيل    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    اختبارات للمرشحين للعمل بالأردن في مجالات الزراعة.. صور    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    وزير الأوقاف ناعيا الدكتور صابر عبدالدايم: مسيرة علمية حافلة بالعطاء في خدمة اللغة العربية    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    إزالة 53 حالة تعد على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة بالبحيرة    رئيس "الوطنية للانتخابات" يزور النيابة الإدارية: خط الدفاع الأول ضد الفساد المالي والإداري    الداخلية تكشف ملابسات مشاجرة بعصى خشبية أمام محل تجاري في الإسكندرية    "بعد أزمته الأخيرة مع الأهلي".. 10 معلومات عن الحكم محمد معروف (صور)    "كان بيطفي النار".. إصابة شاب في حريق شقة سكنية بسوهاج (صور)    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    الأحد.. إعلان تفاصيل الدورة 32 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    يحتوي على غسول للفم.. كيف يحمي الشاي الأخضر الأسنان من التسوس؟    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «غضب ولوم».. تقرير يكشف تفاصيل حديث جون إدوارد داخل أوضة لبس الزمالك    «الديهي»: حملة «افتحوا المعبر» مشبوهة واتحدي أي إخواني يتظاهر أمام سفارات إسرائيل    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء    كلية طب القصر العيني تبحث استراتيجية زراعة الأعضاء وتضع توصيات تنفيذية شاملة    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    نشرة أخبار ال«توك شو» من «المصري اليوم».. متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن سرقة الأعضاء البشرية.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ومازلت الأرض تدور
نشر في المصريون يوم 05 - 03 - 2012

كان جاليليو عالمًا فذا فى الفيزياء، اقتنع نتيجة أبحاثه الشخصية بنظرية كوبرنيكس بأن الأرض هى التى تدور حول الشمس، وليست الشمس هى التى تدور حول الأرض، كما اعتقد أهل ذلك الزمان.
وفى عام 1633 حكم أغبياء رجال الدين على عالم الفيزياء الفذ بالسجن مدى الحياة، و فى اليوم التالى خفف الحكم إلى الإقامة الجبرية فى منزله حتى وافته المنيه فى 8 يوليو 1642.
وقد أكدت المعارف العلمية بعد ذلك حقيقة أن الأرض تدور حول الشمس فعلا ولكنها أثبتت أن الشمس أيضًا تدور، وأن القمر يدور حول الأرض، وهو مرتبط بها فى مدار ثابت بفعل الجاذبية الأرضية والسرعة.. وأن الأرض تدور، ومعها قمرها، مرة كل سنة حول الشمس، وكذلك يدور معها حول الشمس باقى كواكب المجموعة الشمسية.
الذى لم يكتشفه جاليليو وعرفه علماء الفلك فيما بعد هو أن الشمس تدور هى الأخرى، ومعها كواكب المجموعة الشمسية كلها، حول مركز آخر لم تتوصل البشرية لمعرفته بعد.. وأن المجموعة الشمسية ما هى إلا مجرة من مجرات لا نعرف عددها تدور وتسبح فى فضاء لانهائى فسيح.
نسب إلى رائد الفضاء الروسى يورى جاجارين، وهو أول إنسان دار بمركبة فضائية حول الأرض قوله إنه "لم ير الله" فى رحلته الفضائية.
لم ير جاجارين الله فى الفضاء لأن الله لا يرى إلا بنوره الإلهى فى قلوب المؤمنين، ولم يميز حضور الله فى الفضاء السحيق لأن الله واسع عليم يحيط بكل شىء ولا يحيط به شىء، وقد أحاط بعنايته الإلهية جاجارين ومركبته الصغيرة حتى عاد سالما إلى الأرض دون أن يراه.
لم يكن جاجارين الذى نشأ فى دولة شيوعية ملحدة، أكثر غطرسة من رجال الدين الأغبياء الذين حكموا على جاليليو، ولم يكن كذلك أقل غطرسة من كثير من المتدينين الذين يدعون أن ما يعرفونه هو الحقيقة المطلقة، وأن ما لا يقرونه ويقول به غيرهم هو كفر وزندقة.
الله لم يره أحد قط، فلا تدركه الأبصار وهو مدركها، يحيط بكل شىء ولا يحيط به شىء، حتى الأنبياء المعتبرون قمم الإيمان بين البشر وأهل الوحى أقروا جميعا على مدى التاريخ والأيام، أنهم ما علموا إلا القليل.. فلنتأمل غطرسة الإنسان الذى لم ير شيئا ويحكم بالكفر على غيره من الناس.
هنالك قواعد إيمانية وأخلاقية لشرح العقيدة والإيمان، والدفاع عن فهم صحيح للدين كما يشرحه العلماء والفقهاء، وكما هى قواعد علوم مقارنة الأديان، وهناك مساحة محسوبة يبرهن بها المرء على صحة إيمانه، ويعبر عن نقاط التناقض والاختلاف بين إيمانه وإيمان غيره.. ولأن يشرح سبب اعتراضه على إيمان غيره..
كل هذا وغيره له قواعد فى أدب الحوار والجوار، وأما أن يطلق المرء للسانه العنان. أن يكفر غيره أو يزدرى إيمانه، أو أن يسب فى العلن رموز الأديان وأنبيائها، وأن يصمت أهل الحل والعقد من علماء الدين وفقهائه على هذا، وأن يهلل العامة لهذا الخطاب الدينى القبيح، فهذا معناه فى رأيى أن الدين قد بيع بأرخص الأثمان، وأن الخطاب الدينى قد انحدر إلى هوة سحيقة يصعب وصفها بالكلمات العفيفة.
ما من شك فى أن الأديان كلها تقوم أساسًا على حقيقة إيمانية سامية تدعو بإخلاص إلى الله.. وما من شك أيضًا أن جوهر الإيمان السامى قد أمكن تحويله، بفعل خطاب دينى مؤسس على الكراهية للآخر أو البحث عن شهرة أو زعامة، إلى ازدواجية للمعايير يقدم من خلالها كلامًا وأقوالا لا تنتمى للإيمان وخطابًا دينيًا لا يرقى إلى مستوى الأخلاق.. خطابًا يحض على الكراهية والقمع والتكفير والاستعلاء.
لا يقبل بأى حال من الأحوال أن يكون الخطاب الدينى أدنى مستوى من الخطاب الأخلاقى، ولا يقبل أن تكون الأخلاق أعلى من الإيمان، ومن ثم لابد من تمرير الخطاب الدينى فى مصفاة الأخلاق لكى ينقى خطاب الإيمان من عيوب الخطاب الإنسان وبصمته وكى لا يصير الخطاب الدينى فيما بعد سببًا فى إهانة الإيمان والإساءة إلى الأديا10ن.
ونشدد هنا على أن ما يحتاج إلى إصلاح هو الخطاب الدينى، وهذا يشكل جوهر دعوتنا الإصلاحية منذ البداية.. ولا نوافق من يدعو إلى إصلاح دينى الرأى.. فالدين، كطريقة لٌلإيمان، له جوهر ثابت لا يتبدل بتبدل المكان والزمان.. ولو تأملنا فى جوهر الأديان، وما تدعو إليه لاكتشفنا هذا الجوهر الثابت رغم تعدد الطرائق.. الذى يتبدل هو رؤية البشر للدين، وما دام البشر مختلفين فلابد وأن تختلف رؤاهم وتتعدد، بل كثيرا ما تتعارض وتتصادم، وتكون سبباً ومصدراً لصراع لا يمكن أن يكون الدين ولا الإيمان سبباً له.
ولا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا من خلال الإقرار بحقيقة جلية وهى أن الخطاب الدينى منتج بشرى.. رؤية نسبية قاصرة ومتغيرة لجوهر الدين الثابت والمطلق.. وما دام الخطاب منتجا بشريا فيمكن إصلاحه بل وتغييره إذا اقتضى الأمر.. والمشكلة، فى رأيى، لا تنشأ فقط عن الخلط بين ما هو نسبى وبين ما هو مطلق، بين الثابت وبين المتحول، وإنما أيضا تنشأ عندما تضفى قدسية على النسبى، الذى هو خطاب البشر، وبين الثابت المطلق، الذين هو الدين فى جوهره..
ويترتب على هذا الخلط بين المطلق والنسبى نتائج خطيرة، ليس على البشر والعلاقات فيما بينهم، وإنما على الدين نفسه، الأمر الذى يثير فى نفسى، كرجل دين، قلقاً عميقاً وخوفاً على الدين ورسالته ودوره فى حياة الأمم والشعوب.. وأولى هذه النتائج أن يتحول الدين الذى أنزل للبشر ليكون هادياً للإنسان ومصدراً لسلامه وسعادته فى الحياة الدنيا والآخرة، إلى مصدرٍ للصراع بين البشر وسبباً فى شقائهم، وفى هذا خروج على الدين القويم وجوهره الخالص.
وثانى هذه النتائج، أن هذا الخلط بين الجوهر المطلق للدين والرؤية النسبية والمتغيرة للخطاب الدينى، أن يتحول الخطاب الدينى إلى أداة للتسلط والقهر بالسعى لفرض تفسير محدد للدين واستبعاد ما عداه من تفسيرات، على نحو يحول الدين إلى مذهب. ويزداد الأمر بؤساً إذا تحول هذا المذهب إلى أداة طيعة فى يد السلطان وسلاح يشهره فى وجه معارضيه.. ويستخدم لتبرير أوضاع لا يقرها الدين فى جوهره ولا يمكن قبولها لا من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية العقلية والمنطقية.
وإذا أمعنا النظر مرة أخرى فى قضية جاليليو لاكتشفنا كم من الأخطاء يرتكب باسم الدين، وتأكدنا من حقيقة أن الأرض تدور رغم اعتراضات من حاكموا جاليليو من رجال الكنيسة، ولأدركنا أن انتصار جاليليو لم يكن هزيمة للدين وإنما لرجال الكنيسة وخطابهم الدينى.
الأنبا مكسيموس
رئيس اساقفة المجمع المقدس لكنائس القديس اثناسيوس
للتواصل: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.