" تقدم المجتمع " هدف مجمع عليه من جميع الاتجاهات والتيارات المختلفة ، المهم كيف يحدث ذلك ؟ لا شك أن هناك العديد من المداخل لتحقيق هدف بمثل هذا الحجم والأهمية ، أحد هذه المداخل هو تغيير الإطار المعرفي السائد في المجتمع لأن الأفكار ووجهة النظر التي نرى منها الحياة هي الدافع الرئيسي لسلوكنا ، فإذا استطعنا تغيير زاوية رؤيتنا للحياة أمكننا أن نحدث التغير المطلوب في سلوكياتنا.هناك عدة أفكار فارقة بين المجتمع المتقدم والمتخلف أولها النظرة إلي المستقبل ، يحتل الاهتمام بالمستقبل مساحة تتناسب طرديا مع تقدم المجتمع ، تتسع كلما زادت حيويته وتسارع تقدمه ، والعكس أيضا صحيح ، حتى أن بعض القبائل البدائية التي تحيا في عصر ما قبل الحضارة لا تعرف في قاموسها اللغوي كلمة المستقبل وليس لديها أسلوب للحديث عنه، إنهم غارقون في اللحظة الراهنة يرون الماضي علي ضوئها فلا يتعلمون من أخطائه وتجاربه ويرون الحاضر لحظة واحدة لا امتداد لها أما المستقبل فلا تراه عيونهم الكليلة.التخطيط للمستقبل ، علم التنبؤ ، أن تعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، أن تغرس فسيلة لتصبح شجرة مثمرة وإن كان هذا آخر عمل يتاح لك القيام به في حياتك ، كل هذه المعاني يحث عليها ديننا وتقوم عليها حضارتنا ، فأنت تحمل بين جوانحك روحك الإنسانية التي هي نفحة ربانية خالدة فاجعل حياتك البشرية القصيرة لحظة مثمرة تصل الماضي بالحاضر وتؤسس للمستقبل وتسهم في دفع المجتمع إلي الأمام.المستقبل بهذا المعني هل يعيه شبابنا الذين يهدرون أعمارهم في أماكن اللهو والتسلية ويتهربون عن كل ما ينفعهم ويضيف إليهم علما وخبرة ؟ هل يعين الكبار الذين يرفضون مد يد العون لمن يحتاجون وهم قادرون ويدوسون بأقدامهم من يقع؟ .الفكرة الثانية هي رؤيتنا للآخر ، تقوم الحضارة الإنسانية علي تقبل الآخر والتعايش معه ، لا ننظر إليه كأنه عدو لمجرد أنه مختلف ، لا نرفضه لعدم تشابهه معنا بل نتعاون معه في حدود الأرضية المشتركة بيننا ونحترم خصوصيته. يحتاج المجتمع جهود فئاته المختلفة ويثريه تنوع اتجاهات أفراده ، تصنع الألوان المتعددة لوحة فنية رائعة ومعبرة ، أما اللون الواحد فإنه يطمس التفاصيل ويطفئ بهجة المنظر . تدور الفكرة الأخيرة حول الهدف الذي يسعي الإنسان إليه ؟ ماهوالهدف من عمله ؟ من فنه ؟ من سعيه في الحياة ؟ هل هو الحصول علي المال والشهرة والنفوذ فقط ؟ إذا كان الأمر كذلك فمن الممكن الوصول لهذا الهدف بالغش والتحايل وانتهاز الفرص وفي سبيله سنضحي بالقواعد والقيم والقوانين التي تنظم حركة المجتمع ، ولتوضيح الأمر سنضرب مثالاً : يقوم علماء النفس بتجربة لغرس ملكات الذكاء الوجداني التي تجعل المرء يحيا إنسانيته بكل عمقها إنهم يدربون الأطفال في مرحلة الحضانة بوضع صندوق من الحلوي أمامهم من يتعجل الحصول عليها فورا فله واحدة فقط ومن ينتظر لنهاية اليوم الدراسي فله قطعتان ، ينمي هذا السلوك التحكم في النفس والقدرة علي ضبط المشاعر ومعرفة أن لكل عمل يتبع الأصول جائزتان ، أما من يتبع أسلوب الخطف السريع فلن يظفر سوي بغنيمته الآنية وسيخسر الكثير . في المجتمع المتقدم يحصل الإنسان علي جائزتين جائزة التقدير الأدبي وتحقيق الذات والرضي الداخلي ثم جائزة المكاسب المادية الأخري . ولنتذكر حديث النبي صلي الله عليه وسلم عن السفينة التي استهان ركابها في الطابق السفلي بكل شئ فخرقوها ليسهل عليهم الحصول علي الماء ، لم يراعوا المستقبل ويدركوا أنهم يغرقون أنفسهم وسفينتهم ولم يراعو حقوق الآخرين من ركاب السفينة معهم وتعجلوا الحصول علي الفائدة العاجلة ولم يتبعوا الأصول التي كانت تكفل لهم الحصول علي نفس الفائدة بطريقة آمنة والوصول بالسفينة إلي بر الأمان .